Beirut
16°
|
Homepage
عندما يصبِحُ صوتُ المرحاضِ أحبُّ اليك من صوتِ الزعيم
روني الفا | المصدر: ليبانون ديبايت | السبت 14 تشرين الثاني 2020 - 10:01

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

موعدُ الفطور الصباحي في زنزانتي. البارحة حلمتُ إني شَبِعت. العديدُ من رفاق الإعتقال بدأوا يصحون من النوم. لا أعرفُ إن راودهم الحلمُ نفسه. زيزقةُ أسرّةِ الحديد في الزنازين بديلٌ عن زقزقةِ العصافير في رِحاب الحرية. نحن شعبٌ محجورٌ عليه في سجنٍ نموذجي أكثر حراسةً من ألكاتراز، والأسلاكُ الشائكةُ التي تسوّرُ جدرانَ باحاته الخارجية أكثرُ كثافة من تلك التي تسيّجُ غوانتانامو. العالمُ الخارجي صار بالنسبة إلينا عنقودَ عنبٍ في داليةٍ عالية. نحن أقزامٌ نحلمُ بقليل من الطول لنقطفَ الثّمر وبقليلٍ من العرض بعد أن سفكَ حكّامُنا عرضَنا. السجّانُ عضوٌ في الطغمة. أوكِلَت اليه مهمةُ إدخالِ فطوري من فتحةٍ في بابِ الحبس.

أنا أحظى بمعاملةٍ جيدة بالنسبة للنزلاء الباقين. خبزي الطري يكادُ يخجلُ من خبزهم اليابس. ما زالت عائلتي تشتري لي عطراً مركّباً من أسواقِ العطارين في طرابلس أضعُه بعنايةٍ على الحدِّ الفاصلِ بين الشفَّةِ والمنخر ليساعدني على تأجيلِ رائحةِ العطنة والعبودية في عزلتي. وعَدَ السجانُ بعضَنا بأربعمئة ألف ليرة شهرياً مخصصة لعائلاتنا. أغلبُ المساجين مياومين وسبقَ أن جاهروا بخيارهم: بينَ الجوع وكورونا اختاروا كورونا. ونحن في حجراتنا الرطبة وعدونا بالدولار الطالبي. أولادنا ليسوا لنا. أولادنا رهائنُ الزعيم. مرحاضٌ وحنفيةٌ هما رفيقاي الوحيدان اللذان ما يزالانِ على عهد الوفاء. زعيمي لا يسمعُ صراخي. صوتُ دفّاشةِ المياه في مرحاضي باتَ أحبُّ إليّ من صوت الزعيم.


الحمدالله. إدارةُ السجن تسمحُ لنا بمشاهدةِ برامجَ متنوعةٍ على التلفاز. تلفازي معلّقٌ على جدار الزنزانة قبالة سريري. الى جانبه على الحائط الرمادي تعويذاتٌ عن الحرية أنقشها كل يوم. قررتُ ألا أسجِّلَ تعاقبَ الأيام على الحائط كما يفعلُ مساجينُ العالم بانتظار الإفراج عنهم. أنا محكومٌ مؤبد ولا ضرورة لتسجيل تعاقب الأيام. عقابي متمادٍ كتعاقب الأيام. لا محظورات على برامج التلفاز سوى نتفلِكس. لم أعد أملكُ عشرة دولارات لأتحوّل الى مشترك نظامي. دولاراتي صارت في زنزانةٍ أخرى وممنوعٌ عليها الزيارات.

أخرجُ الى باحة السجن ثلاثةَ أيامٍ في الأسبوع شرطَ السلوك الحسن. في السجن ممنوعٌ الصراخ أو الإعتراض أو حتى البكاء بصوت عال. مبدأُ الإثنين للمجوز والثلاثاء للمفرد يجعلنا نرى الشمس ونستعطي قليلاً من ڤيتامين ال ب ١٢. فيتامين الوعود والخطط الإنتخابية للعهود المتعاقبة كانت في الحقيقة خليطاً من ماء وسُكَّر. خليطٌ للمصلِ الذي أبقاني حياً إنما بحياةٍ نباتية. في زنزانتي أقرأُ وأصلّي وأنامُ مثلي مثل كل المساجين.

تزورني بعضُ الهواجس والأحلام من وقتٍ الى آخر. تجلسُ معي في غرفةٍ مخصصةٍ للمواجهات داخلَ السجن. لا يُسمَحُ لنا بالتلاقي وحدنا. إدارةُ السجن ترسلُ إلينا مخبرين يجلسون معنا للإستماع على أطراف الحديث. لا أنا أتمادى مع الأحلام ولا الأحلام تستطيع أن تبوح لي بكل الحرية. كل كلمةٍ خارجَ الصحن تكلّفني غالياً. الحبسُ الإنفرادي حيناً والحرمانُ من وجبةٍ ساخنةٍ أحياناً أخرى.

زنازين صُمِّمَت حتى لا تمكّننا من رؤية بعضنا البعض. يكفي أن يتبادلَ السجناءُ النَّظرات حتى تستيقظَ الحرية. السجّانُ يمنعنا من الإختلاط. وضعَ لنا حرّاسَ طوائف مهمتهم ضربُنا بالأناجيل إذا كنا مسيحيين وبالقرآن اذا كنا مسلمين. إذا كنا ملحدين ضربونا بالكتابين سويّاً.

لبنان سجنُنا الكبير. زنازينُنا بيوتُنا الصغيرة وقلوبُنا الخائفة. سجّانُنا الزعيم. وجبتُنا الطائفية وحبسُنا الإنفرادي خوفنا. نحن بلدٌ مسيّجٌ ببوابةِ حديدٍ غليظة من العبدة الى الناقورة . أكبرُ حبسٍ يمكن تصوُّرُه. حبسٌ يدخلُ كتابَ غينيس للإنجازات الإستثنائية. إنجازُ حَبسِ شعبٍ بكامله والنجاحُ في تنظيمِ حياته السجنية بنجاحٍ باهر. قليلاً وتُطفئُ الأنوار.. ونخلدُ الى النوم.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ابن الـ 24 عاماً يُفجع زغرتا! 9 تصلّبٌ مفاجئ! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 10 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 6 سرقة أسلحة وذخائر من إحدى فصائل قوى الأمن… حاميها حراميها 2
سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف معلومات مهمة عن الخطة المقبلة! 11 بسبب الإيجار... إقتحمت وابنها منزلاً وقتلا إثنين! (فيديو) 7 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 3
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 12 طارد مواطن بهدف سلبه عند أنفاق المطار... هل وقعتم ضحيّة أعماله؟ 8 "حربٌ أهلية"... هذا ما تنبّأ به ماسك! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر