"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

أنا سلعةٌ مدعومةٌ جداً في سوقٍ مأزومةٍ جداً. مدفوعٌ ثمني بالتقسيط المريح وبالعملة الوطنية وبكل التسهيلات التي يمكن تَخيُّلُها. موجودٌ على رفوفِ السوبرماركت وعربات البائعين المتجولين وجامِعي الخردَة وحاويات القمامة وبيوت الإترنيت. مثلي مثل كلِّ السّلَعِ الغذائيةِ الأخرى عليّ سِعر مطبوع يمكن قراءته بسهولة.

بإمكانِ أيٍّ منكم أن يشتريني بكمياتٍ كبيرةٍ وبأسعارٍ مدروسة. أنا بمتناولِ الموظفين والعمّال والمياومينَ وأربابِ العمل والعاطلين عنه. يَقتَنيني أيُّ مُواطِن. أيُّ حزبٍ وأي شَعب وأي مدني أو عسكري أو رَجُل دين. نقداً أو ببطاقةٍ مصرفيةٍ أو بالدَّين لا فَرق. لا أُعرَضُ في شهورِ التسوّق وأنتشرُ بكثافة في الأسواق الشعبية.

لا حسومات ولا تنزيلات على أسعاري. أنا معبّىءٌ في أجودِ معاملِ الكرتون. مميزٌ بأعلى معايير الجودة من " أَيزو" وأخوات "أَيزو". أُستَهلَكُ بفتحِ الفلّينَةِ وبإغلاقِ زيحٍ مُخَرَّم. مكتوبٌ على فوهَتي: إفتَحْ هنا . إلى جانبي كلُّ أصنافِ السّلَعِ المدعومة. تتفقَّدُني مصلحةُ " حمايةُ المستهلكِ " ومصلحةُ تشخيص النظام بينَ الفينةِ والفينة. أنا مُقفَلٌ بتقنيةِ سَحبِ الهواء. جُسَّني قبلَ فَتحي تَراني صَلباً. في داخِلي أنا سلعَةٌ مضغوطة. جاهزٌ للإستهلاكِ وإعادةِ التدوير. أنا مقرمِشٌ ومحتوياتي الطازجةُ مكفولة. مدةُ صلاحيّتي غيرُ محدودةٍ وبإمكانِ المستهلكِ أن يردَّني متى يشاء وأنْ يسترجعَ ثمني كاملاً. بِضاعتي المُباعَة تُستَبدَل وتُستَرَدّ.

أنا سلعةٌ لذيذة. طبقةٌ من الشوكولاته الهشّة تغلّفني ونكهتي فاتِحةٌ للشهية وَلُقمَتي مفتاحُ البَطن. في حملاتِ التسويقِ يتمُّ بيعي بسهولة. طريٌّ عِنْدَ المَضغ. مناسبٌ لكلِّ حفلة. في العرس. في الدفنِ وفي محلاتِ البيعِ بالتجزأةِ أباعُ بكثرَة . تتنافسُ لافتاتُ الإعلانِ على صنفي. أنا مصنّفٌ كمنتوجٍ غذائيٍ باباً أوّل. لا موادَ حافظةٌ في تَركيبتي. في كلِّ حمولةِ كميونٍ مُشَودَرٍ تجدوني. مربوطٌ بإحكامٍ في صناديقَ خشبيةٍ وَبعيدٌ من صيبةِ العين. أنا صديقُ حليبِ الأطفالِ وأكثرُ ضرورةً من الملحِ في بَحرِه والسكّرِ في قَصَبِه. طَحيني لا يُسَوِّس. أُقَدَّدُ وأُقلى وأُشوَى على نارٍ خفيفة. كلُّ محتوياتي مطبوعةٌ على ظهري. كلُّ ڤيتاميناتي معترفٌ بها. أنا متمّمٌ غذائيٌ كامِلُ الدَّسَم. لَم تُصنّع لي نسخةٌ لايت. لا أناسِبُ المصابينَ بالأمراضِ المزمنةِ وعلى بعضِ من يُعاني من الحساسيةِ مراجعةَ طبيبه قبلَ تناولي.

أنا متوفّرٌ في محلاتِ السمانةِ وأكشاك " ناوِلني " وفي باحاتِ الكنائسِ والمساجِد. في المستشفى أَدخِلوا النقودَ من فئةِ ألفِ ليرةٍ ورقيةٍ في فتحةِ البرّادِ الموزّعِ تَرَوني أسقطُ من رَفّي الحَديدي وأزحَطُ سعيداً في زحليقَةٍ لولبيَّةٍ لأصلَ إليكم عبر شبّاكٍ في أسفلِ الجهاز. في الصيدليةِ وعندَ السكّافِ والنجّارِ والحدّادِ أنتظرُ وقتَ الفطورِ والغداءِ والعشاءِ لأتلذذَ بسقفِ حلقٍ يستَطعِمُ بي وبأضراسٍ تطحنُني وببلعومٍ يبلعُني وبإمعاءٍ تهضمُني. تفنّنَ الصناعيونَ في تخيّلِ عُبوَتي. في القناني أنا منعِش. في الأكوابِ أنا أُكرَعُ وعلى أعوادٍ خشبيّةٍ أُلحَسُ وفِي السكاكِرِ أُمَصّ. أنا بروتيين للأجنَّةِ والأطفالِ والمراهقينَ والشبابِ والكهولِ والعُجَّز. حتى النعوشُ تصمدُني فوقَها ليتناولَها المعزّونَ في نهايةِ كل جنازة.

أنا سِلعَةٌ إسمُها الحريّة. طوبى لِمَن يستَهلِكُني. مضغوطٌ بالكرامة. مقرمِشٌ بالصوتِ وطازجٌ بالحلم. تاريخُ صلاحيَّتي الزمان. فاتحٌ لشهيةِ الأَجيالْ. أُباعُ لكلِّ حنجرةِ ثائرٍ مجاناً ولا يشتريني ذهبُ الأرض. أنا هديةُ الحزينِ والمظلومِ والميئوسِ من وَطَنِه. مخلوطٌ بطحينِ الصبر ودموعِ الشهداء. مُقَدّدٌ بالتنهّد. مَقليٌ بالخيبة. مشويٌ بإعادة الكرّة. أنا كاملُ دسمِ التضحيةِ ومصدرٌ موثوقٌ لڤيتامينِ الجرأة. طريقةُ استعمالي سهلة. خُضَّ العبوةَ جيداً وفجّرها في وجهِ الفساد. ضعها في متناول الأطفال وفِي مكانٍ حارّ. إحذَرِ التقليدَ وأطلبها في أحلامِ الشباب وسواعدِ الأحرار وألسنةِ النُّجَباء.