Beirut
16°
|
Homepage
إما المذوَد إما الجيفة
روني الفا | المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 28 كانون الأول 2020 - 10:24

روني ألفا - "ليبانون ديبايت"

البارحةُ زلّت قدماي على مقربةٍ من شجرةِ الميلاد في صالونِ بيتنا. كان هُبوطي آمناً. حطّيتُ سالِماً مُعافى على جذعها السُّفلي. كان في استقبالي إحدى الحيواناتِ الأليفةِ التي دعتني للمشاركة بولادة يسوع. جميلٌ رؤيةُ العالم وأنت في مغارةِ بيتَ لحم. على يميني بقرةٌ وشَلعَةُ غَنَم. على يساري حمار . لا وجود للحيوانات المفترسة حيث أنا الآن على الأقل. وأنا في وضعيّتي هذه انتابتني تماماً مثلُ الدَّواب رغبةٌ جامحةٌ في الزفير. مناسبةٌ قد لا تتكرّر لأشاركَ حيواناتِ الإسطبل الأليفةِ في بيتَ لحم بتدفئةِ جسدِ المسيح الغضِّ المضطجعِ في مذودٍ من تِبن. التبنُ صارَ أولَّ مَعجَنٍ أرضيٍ لطفلٍ قالَ عن نفسه أمام العالَم أنه “ الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء ". أولُّ الأعاجيبِ إجتراحُ خبزٍ إلهيٍّ مصنوعٍ من تِبنٍ على مِذوَد.

لم أجرؤ على رفعِ نظري باتجاه يوسف ومريم. أن أكون حيواناً أليفاً مع زملائي الأغنام والبقر والحمير حول المذوَد يكفيني لأرتَقي بإنسانيتي. لا يُقدَّرُ لكثيرين دخولُ مغارةِ بيتَ لحم كما دخلتها نهار أمس، بزلَّة قَدَم. على مقربةٍ مني يستوي ثلاثةٌ من ملوكِ المجوس أتوا من بعيد وصلوا قبلي بألفَي عام يشاركونَ يوسف ومريم وحفنةً من الرِّعيان فرحةَ الولادة . قادت المجوسَ نجمةٌ الى الإسطبل. أكياسٌ مفتوحةٌ مملوءةٌ ذهباً ولباناً جاءوا بها من بعيدٍ ملقيَّةٌ على جدارِ المغارة. يمرُّ الذهبُ مرورَ الكرام أمامَ الرعاةِ الفقراء والبُسَطاء. ضرعُ بقرةٍ واحدةٍ أثمَنُ من كل سبائكِ الذهب بالنسبة لهم. يوسفُ البار في حالةِ سجودٍ على قَدَمَي مريم. مريمُ البتول في حالةِ انخطاف سماوي. كل إحتياطيِّ الذهب في العالَم لا يساوي أونصةً واحدةً من الكنوزِ الموجودةِ في المغارة.


ليسَ للمغارةِ باب. فجوةٌ منحوتةٌ في الصخر دخلتُ منها وتحت قَدَمَيَّ المرتَجِفَتَين يُخشخِشُ صوتُ الشَّعيرِ اليابس. أنا ويسوع صرنا وجهاً لوجه. الأطفالُ الذين لم تمضِ على ولادتهم دقائق يرونَ ولا يحدّقون. يسوع يحدّقُ فيك منذ لحظةِ ولادته. عندما وقعتْ عيناهُ عليّ شعرتُ وكأنَّ ماسحاً ضوئياً اخترقني. جهازُ " سْكانِر " كشفَ كل أورامِ سرطاناتي. أن يقرأَكَ يسوع من مذودٍ فهذا يعرّضُكَ لعمليةِ غَسلٍ روحي. تماماً كما يلفظُ جلدُكَ لحمَه الميت ويكسيكَ ببَشَرةٍ نَضِرَةٍ جديدة. يسوع يجدِّدُكَ من الداخل. مغارةُ يسوع هي الكنيسةُ الأم. خارجها نُسَخٌ عنها.

أقربُ مخلوقاتِ الله إلى الطفل يسوع ثورٌ يَخورُ فَوْقَ المذوَد. كانَ مطيعاً مِطواعاً وكأن أحداً انتزَعَ منه طبيعته الهائجة وزرعَ في صدره قلبَ حَمَل. لهاثُ الثَّور أولُّ وسيلةِ تدفئة لجسد مُمَجَّد. أنا المتسلِّلُ الوحيدُ إلى غرفة ولادة خمس نجوم. كلُّ نزلاءِ فندقِ الله سكانٌ أصليّون. أنا مرتَزَقٌ في حضرةِ أصيلين. نسخةٌ مِسخٌ تظنُّ نفسها طبقَ الأصل.

نَفسي تمالكتُ ورباطَةَ جأشي جَمَعتُ قبل أن أقتربَ لضمِّ الرّضيع إلى صدري. أن تحمِلَ يسوع الصغير وتضمَّه إليك لتجربةٌ مضادّةٌ لقانون الجاذبية. من دون يسوع لا يمكنكَ التحليق. بعد كل قفزةٍ تعيدكَ الأرضُ إليها. تشعرُ عندما تحملُ يسوع أنه يحمِلُك. معه يفقدُ قانونُ الجاذبيةِ قدرته على جذبِك من جديد صوبَ الأرض. مع يسوع تشعرُ وكأنك في وضعيةِ تَحليقٍ عَذب. تانغو روحي مع راقصٍ كَوني. لحظات قبل أن أَضَعَ المخلِّصَ بتؤدةٍ فوق مذودِ التِّبنِ حيثُ كان .

قليلاً بعد وتنتهي مواعيدُ الزيارة. وأنا خارجَ المغارةِ وقبلَ العودةِ إلى مغاورنا الموحشة رأيتُ صخرة. ربما كانت صخرةَ بطرس زرعها له الطفل قبل أن يخطرَ على بال بطرس شيءٌ غير السَّمَك. بطرس كان صيّادَ سَمَكٍ في صيدا قبل أن يطلبَ منه المسيحُ بناءَ بيعتِه بأكملها. لم يخطر ببالِ بطرس يوماً أن شباكَه ستصطادُ صخرة بهذا الحجم. استرحتُ قليلاً على صخرةِ بطرس. بعيداً يبدو بيتي وتبدو مدينتي. بشرٌ يتقاتلونَ على جِيَف. إما أن تبقى ملتصقاً بالمذود أو لصيقاً بالجيفة. لك أن تَختار. لا يمكنُ الجمعُ بين يسوع وحطامِ العالم. مملكته ليست من هذا العالم. أليسَ كذلك؟
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 9 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 5 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 1
إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 10 "رح نحمي بيوتنا" و"الله أكبر سوريا"... غضبٌ عارمٌ وثورة سورية قريباً في البترون! 6 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 2
نائب يتعرض لوعكة صحية! 11 "الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 7 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 3
إشتباك أميركي - سعودي.. البخاري يعلق مشاركته في الخماسية؟ 12 في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر