Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
دفن ماركة بيار كاردان
روني الفا
|
المصدر:
ليبانون ديبايت
|
الاربعاء
30
كانون الأول
2020
-
10:32
"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
نهار أمس استردَّ الله وديعتَه من المصمِّم الفرنسي ذائع الصيت بيار كاردان. ثمانية وتسعونَ عاماً طرَّزَت شهرةَ هذا الرجل الذي صمّمَ أزياءَ قرنٍ بأكمله بالإبرةِ والخيط ووزَّعَهُ على القارات السَّبع . أسلَمَ المرحوم بيار كاردان الروحَ بسلام تاركاً وراءَه ثروةً نسجَها من السراويل والبناطيل والقمصان والسترات والجَوارب والعطور وكلَّ أدواتِ الترفِ الأخرى. أبى نعشُ بيار كاردان إلا أن يكونَ مثله " سينيِيه ". حيثُ سيتوجهُ الرَّجلُ الظاهرة بعد مراسمِ الدفن لا وجود للماركات. كلُّ المتوفّين يدخلون إلى فرح سيِّدِهِم عراة. تماماً كما خُلِقوا. يتركون واجهات المحلات ويتحضّرون للمواجهة. يخلَعونَ فساتينَ الموضَة ليرتَدوا زيَّ الأبدية.
اللبنانيُّ والماركةُ مثلُ العاشقِ والمعشوق. عندما يعصى عليه اقتناؤها يقلّدها. يكفيهِ أن يكونَ جِرسُها الموسيقي على اللفظ قريباً من العلامة التجارية الأصلية. مِن بيار كاردان إلى بول جاردان حبيب الشعب كان سعرُ البذلةِ الكاملة أقلُّ من سعرِ سحّابةٍ أو زِرٍّ في جاكيتةِ السيد كاردان. هوَ يصنّعها في باريس واللبناني يستوردُ المقلَّدةَ من آسيا أو يفصِّلُها في بيروت على يد خياطينَ مهرةٍ يعطوننا الشكلَ ذاته بربعِ السعر أو أقل. عشنا نحن اللبنانيين سنواتٍ وسنواتٍ على البضاعةِ المقلّدة. دأبُنا في إبهار الآخرين إيهامُهُم بأننا نرتدي الأصلي. لباسُنا يتكلمُ نيابةً عِنّا ويقول: " أرأيتني؟ أنا هنا ". كلُّ شيء في بلدنا كان بضاعة تَقليد حتى الديمقراطية. كان لدينا وما زال قماشُ ديمقراطيةٍ نادر لا تجده في أي بلدٍ آخر في العالم.
وحدها الطبقةُ السياسية في لبنان بضاعةٌ أصليةٌ وَ " ضَيان ". شخصياتٌ نتوارثها من جيلٍ إلى جيل لا تَحتاجُ إلى كَوي أو غسيل. يُلبسوننا إياها ولا تُخلَعُ عنّا لا بالكسرِ والخَلع.طبقةٌ لا تُمَلِّع ولا تَبهُت ألوانُها ولا تحتاجُ إلى تَقصيرِ زافٍ أو كِمٍّ أو ترتيبِ قَبَّة. كل ما فعلناه نحن كان تمسيحُ جوخِ الطغمة التي تتناسلُ في أيامِنا كما تستَعِرُ نارُ جهنَّم أي باستمرار الإستمرار. جُلّ ما تغيَّر علينا من دستور الجمهورية الأولى إلى الثانية ربطات العنق وبعض الأكسسوار. الباقي بقيَ على حالِه. إبنُ الزعيم يتعلّمُ نيابةً عن أولادِنا. في حال قُيِّضَ لنا أن نشذَّ عن القاعدة وفلحنا في إرسالِ أولادنا الى جامعاتٍ مرموقةَ كان الزعيمُ يحرص على إلباسِهم بول جاردان. بقيَ بيار كاردان ممنوعاً على أولاد الفقراء.
قِصَّة وَطَن تمرُّ حُكماً بالقَصَّة. الأولى بكسرِ القاف والثانية بِفَتحِها. بحسبِ القَصَّة تَكُونُ القِصَّة. " السّاهاريان" لبشارة الخوري ورياض الصلح. بناطيل " قدم الفيل " " باتّ ديليفان " لكميل شمعون ورشيد كرامة إلى جاكيتات الكارو والجينز والبليزر والفانيلات ومايوهات السباحة على مدى عهود وصولاً إلى موضةِ رعاةِ البقر أو الكاوبوي التي تذكّرنا ب " بونانزا ". وحده تلفزيون لبنان أبقى على شروال " أبو ملحِم " و " تايّور " السيدة عقيلته " إم ملحم " وسط دهشة ملحم ابنهما البار.
وطنٌ ألصقَ على قفاه ماركات عديدة. جرّبها كلُّها. من الطربوش المروّس الفينيقي إلى معطف عبد الحميد العثماني إلى دانتال ديغول الفرنسي إلى القبقاب السوري والجلباب الإيراني والكوفية الفلسطينية وقلنسوة بيغين اليهودي والجلابية السعودية والعباءة التركية والجينز الأميركي، صرنا وطن عرض أزياء. تعرَّينا ونحنُ بكامل أناقتنا. لم نرتدِ يوماً ماركة لبنانية. التَهَينا باستيراد أزيائنا فلَبِسنا تارةً ألبسة مبهبَطة وتارة أخرى ألبسة مزمركة. وطن بلا ماركة يلبس مما لا ينسج ويأكل مما لا يزرع سنراه يصلّي على جثمان بيار كاردان اليوم ليصير من أتباع غيره من المصممين قبل ذكرى الأربعين.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا