Beirut
16°
|
Homepage
حذاري "المسيح الدجّال"
بولس عيسى | الاحد 18 تموز 2021 - 5:34

"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

اختلط الحابل بالنابل في البلاد، ملفات ساخنة متعددّة وأزمة مستفحلة تقضّ مضاجع المواطنين ، وانهيار متسارع كبُر سلّم احتسابه ليصبح على قاعدة ما بين ساعة وتاليتها وليس أبداً ما بين يوم وآخر. إلاّ أن المشكلة الأكبر في البلاد اليوم يمكن توصيفها بقول لنيل دوغراس تايسون: "إن أحد أهمّ التحديات في الحياة هو معرفة ما يكفي عن موضوع أو مسألة ما لتظنّ أنّك على حق، ولكن ليس بما فيه الكفاية لتدرك أنك على خطأ".

المشكلة الأساس في بلادنا اليوم هي أن الجميع يظنّ أنه على حق، وكل واحد من هذا الجميع يصمّ أذنيه عن أي معلومة إضافيّة يجهلها أو واقع ملموس بعيد عنه أو حقيقة مثبتة لم تجد له سبيلاً، والأخطر هو عدم وجود رغبة أو قابليّة لدى أي من هذا الجميع لإجراء علمي مبني على كل هذه المعلومات والحقائق، وإنما تحوّل النقاش السياسي في البلاد إلى جدل لا طائلة منه فهذا الجميع لا يسمع أصلاً ما يقال له وجلّ ما يقوم به هو انتظار دوره للكلام ليغدق علينا نظريات معمّمة لا تدعمها أي معلومات أو حقائق سوى مقولة "أنا مقتنع هيك".


نحن ندرك تماماً أن الديمقراطيّة أساسيّة جداً في تطوّر المجتمعات وبحسب فرانسيس فوكوياما هي "نهاية التاريخ"، ولكن الأخطر في بلادنا اليوم هو أن هذا الجميع ينجرف رويداً رويداً باسم الديمقراطيّة نحو الغوغاء.

لقد أصبح اليوم دقّ ناقوس الخطر أمراً واجباً على كل مواطن لبناني عمل وجهد وناضل وكافح في سبيل لبنان لان كل ما ناضلنا من أجله وضحينا من أجله ودفعنا الشهداء له، بات مهدداً بالزوال ليس من قبل شرّ مستطير أو محور تمكن من أن يقبض على الدولة ببراثن الأمر الواقع الذي يفرضه، وإنما بسبب مشكلّة بالتطوّر الاجتماعي لدينا أظهرت اليوم في مجتمعنا كمّاً كبيراً من الـ"أنا" القاتلة التي جعلت من كل فرد في هذا الجميع، أي كل مواطن سياسي وكل مواطن إقتصادي وكل مواطن خير دستوري وكل مواطن خبير استراتيجي... إلى آخره.

وإذا ما أردنا الغوص أكثر في دراسة المشكلة التي بدأت ملامحها تظهر اليوم، نجد أن الأساس في كل هذا هو الطغمة الحاكمة الجاهلة التي تحكّمت بالبلاد والعباد على مرّ عقود، والتي كان كل مواطن من هذا الجميع وعلى مرّ عقود خلت يقوم بتقييم نفسه انطلاقاً منها، وهذا أمر طبيعي، ليجد في نهاية المطاف أن لديه قدرات ومعرفة في مسألة ما أكثر بكثير من المسؤول عن هذه المسألة نفسه، وهذا بحد ذاته يُفقد المسؤول شيئاً فشيئاً الشرعيّة العامة لقراراته "La Légitimation Publique" لتفقد الدولة بعد طول ممارسة معتورة مثل هذه ، شرعيتها العامة فيصبح تطبيق القانون في البلاد وجهة نظر والزاميّة القرارات مجرّد توصيات اختياريّة.

إلا أن الأمور لم تقف عند هذا الحد أبداً وإنما أتتنا الدويلة بسلاحها غير الشرعي لتكون زيتاً على زيتون انهيار الدولة في مفهومها السياسي العميق، بعدما فرضت بحكم الامر الواقع صيفاً وشتاءً تحت سقف واحد وشرّعت استباحة القوانين، ما هشّم هيبة الدولة بشكل تام وأفقدها حصريّة استعمال القوّة القاهرة في المجتمع، الأمر الذي جعل من بعض هذا الجميع يشعر بفائض قوّة يسمح له بالتعدي على باقي الجميع من دون حسيب أو رقيب، الأمر الذي فرض شبه شريعة غاب في البلاد.

لماذا نقول هذا اليوم؟ لأننا وصلنا إلى الحضيض وأصبح من الملحّ جداً أن نقارب المواضيع في عمقها بدل البقاء نتلهى بالمناكفات عند القشور، فبحسب جورج أورويل: في وقت الخداع العالمي يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريّاً، والأخطر هو أننا مع وصولنا إلى الحضيض ليس واضحة تماماً أمامنا ، إمكانيّة المراهنة على الوعي الجماعي لكل الأسباب التي ذكرناها آنفاً، ولسبب إضافي ومهم جداً علينا بمكان ما الكلام عنه وهو أن "بيننا يغل خائنون".

من هم هؤلاء؟ إنهم أقليات هادفة ولديها منطلقات فكريّة واضحة وأهدافاً ضمنيّة إلا أنها معروفة تماماً، هذه الأقليات تتسلّل من تحت جناح الدويلة للإستفادة من الخلل الاجتماعي الجزئي من أجل العمل على تحويله إلى اعتوار دائم عبر حملات دعائيّة سياسيّة أقلّ ما يقال بها أنها مضلّلة وتقوم أساساً على تجهيل الفاعل والتعميم. هذه المجموعات المكشوفة تحاول جاهدةً ألا تطلّ برأسها على المجتمع لأنها أساساً مفلسة تماماً والتاريخ قد أعطى حكمه الواضح بما يتعلّق بمطلقاتها الفكريّة التي أكل عليها الدهر وشرب، إلا أنها تعمد إلى التغلغل في المجتمع لدفع بعض من الذين ينطبق عليهم قول نيل دوغراس تايسون، ويعرفون ما يكفي عن موضوع أو مسألة ما أنهم على حق من أجل استعمال هذه المعرفة الجزئيّة لديهم وتحويلها تارةً بالشعبويّة أو تارةً أخرى بمنطق أرسطي من أجل صمّ آذان هذا البعض وتحويله إلى أبواق إجتماعيّة تدعو في حقيقة الأمر إلى الجهل باسم المعرفة، وكل هذا لسبب واحد وهو صم آذان أكثريّة الجميع منعاً من أن تصل إليهم المعرفة الحقيقيّة وبما فيه الكفاية ، ليدرك الرأي العام أولاً أن هذه المجموعات الهادفة على خطأ وأن هناك حقيقةً واحدة في التاريخ لا يمكن تجاهلها أبداً بالتعميم الغبي، هذه الحقيقة التي بحسب مارك توين يمكن للكذب أن يلفّ العالم بانتظار أن تلبس حذاءها.

كل ما تقدّم لنقول بشكل واضح حذاري "المسيح الدجّال"، أو بالأحرى "المسحاء الدجّالين"، الذين في يومنا هذا يطلّون علينا من اليمين واليسار، تارةً بطلاقة كلاميّة شعوبية معمّمة لإخفاء قصورهم الفكري وتارةً أخرى بصورة رجال أعمال مثقفين يتقلّبون في الجملة الواحدة ما بين الفرنسيّة والإنجليزيّة والعربيّة معتبرين أنهم بذلك يرسمون لأنفسهم صورة المثقف العليم. حذاري من المتنصّل من تاريخه، المرائي الذي تسلّل بغفلة من الزمن وجراء بؤس القدر وقسوته إلى صلب جماعة تاريخيّة فنقض كل تاريخها.

على الرأي العام أن يستفيق من كبوته، صحيح أن الزمن رديء والأوضاع ضاغطة إلا أنه لم يعد لدينا متسّع من الوقت من أجل ان تحكمنا ردود الفعل، بل علينا أن نقف ونتنفس الصعداء لنرى من يهمس في أذننا اليسرى ومن في اليمنى ومن يقول لنا جهاراً الحقائق. علينا أن نميّز ما بين من تكلّم طيلة حياته ولم يفعل شيئاً سوى الكلام ومن هم المناضلون الفعليون في سبيل هذا الوطن.

على الرأي العام أن يختار، فبيده وحده المستقبل وعلى كاهله تقع اليوم المسؤوليّة الوطنيّة التي سيحاسب كل فرد منا على خياراته اليوم أمام الله والتاريخ، فإمّا أن نحكّم المنطق والوعي ، وإمّا ان نكمل بمسرحيّة التعميم والشعبوية الكاذبة التي جُرّبت في التاريخ وكان مصيرها الزوال. والسلام.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
تحذيرٌ "عاجل" من اليوم "الحارق" المُرتقب... وهؤلاء عرضة للخطر! 9 صدمةٌ بين الأهالي... بلدة لبنانية تستفيق على مأساة! (صورة) 5 يخضع منذ الصباح للتحقيق... والتهمة صادمة! 1
اسرائيل تحضّر لـ "اقتحام برّي" في الجنوب والجولان! 10 هذا ما يحصل متنياً 6 "رسائل خطيرة على الهواتف"... وتحذير جدّي إلى المواطنين! 2
أسعارٌ جديدة للمحروقات! 11 بعد فصل طالبة لبنانية من جامعة أميركية... دعوةٌ من إعلامي لبناني! (فيديو) 7 "إجتياح من نوع آخر" لمدينة لبنانية! 3
ممارسات إسرائيلية تشكّل تهديداً لمطار بيروت! 12 المهندس "أبو علي" ضحيّة جديدة للإعتداءات الإسرائيلية! 8 "الثمن مُكلف جدًا"... لافتة تُثير الإستغراب في الغبيري! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر