"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني

على الرغم من التحذيرات التي سبقت اشتباكات "الطيّونة" المُسلّحة، وعلى الرغم من تأكيد جميع الأطراف السياسيّة والحزبيّة بأن ما من جهة تُريد أو تسعى للعودة إلى زمن الحرب، والنفي المُتكرّر لرفض استخدام السلاح في الداخل، إلّا ان الواقعة قد وقعت والهواجس قد تحقّقت، وظهر بالأدلة الدامغة والقاطعة، بأن الأمن في لبنان هشّ لدرجة يُمكن أن يتحوّل البلد في لحظة، إلى "كانتونات" مُسلّحة يُظهر فيه كل فريق شراسته ضد الآخر، من دون أخذ العبر من الماضي الذي ما زالت ذيوله حاضرة في كل منزل حتّى يومنا هذا.

ينطبق على الحملات والتهديدات السياسية التي سبقت وقوع "شرارة" الطيونة، والقابلة على ما يبدو للإنسحاب نحو بُقع مناطقية أخرى، في حال لم يُصار إلى لملمة الآثار من النفوس، على رسالة كان بعث بها والي خرسان نصر بن سيّار، إلى والي العراق، يُحذّره فيها من خطر داهم وقد جاء فيها ما يلي: أرى تحت الرماد وميض جمر، ويوشك أن يكون له ضرام، فإن النار في العودين تذكى، وإن الحرب مبدؤها الكلام". فما جرى من اتهامات سياسيّة مُتبادلة وحملات تخوين وصلت الى حدّ التهديدات المُباشرة، كانت مؤشّراً واضحاً بوصول الأمور إلى مرحلة خطرة جداً، يُترجم فيها الشارع ما قيل على المنابر السياسية والإعلامية.

تماشياً مع مرحلة الإتهامات التي سبقت حادثة "الطيّونة"، ظلّ الوضع على حاله حتّى بعد سقوط الضحايا حيث بقيت التهديدات المُتبادلة بين الأطراف المتنازعة، هي المُتحكّمة بسياسة هذا الفريق أو ذاك، لدرجة أصبح الجميع على يقين، بأن حدود الإشتباكات المُسلّحة، قابلة أكثر من أي وقت مضى، للتمدّد إلى رُقع أخرى وربما بشكل أخطر من السابق، وكأن المشروع الذي يحمله كل فريق، لا يُمكن تحقيقه إلّا بالدماء والسيطرة الميدانيّة والتحوّل إلى لاعب أساسي، في كيفيّة التحكّم بلعبة الشارع.

في سياق ما ورد، يوضح أمين سرّ تكتل "الجمهورية القوية" النائب السابق فادي كرم، بأن ما يجري في لبنان اليوم هو أن "حزب الله، يُريد إخضاع ووضع اليد على بعض مرافق الدولة إضافةً إلى إخضاع أطراف سياسية وحزبيّة، لضمّها إلى ما سبق وأخضعه لإمرته ، وذلك بنيّة السيطرة الكاملة على البلد، وقد اتخذ من موضوع ملف تفجير المرفأ ومُشكلته مع القاضي طارق بيطار، حجّةً لفرض شروطه وواقعه على اللبنانيين وبشكل خاص على الجسم القضائي."

ويُشير كرم إلى أن "حزب الله" ذهب الى ترهيب اللبنانيين عن طريق استخدامه الشارع بطريقة أمنية وعسكرية من خلال دخوله مناطق لها حيثيتها ورمزيّتها، وقد استطاعت هذه المناطق وبأهلها فقط، الوقوف في وجه الحزب الذي حوّل معركته الخاسرة إلى مواجهة إتهامية مع "القوّات اللبنانية" لعجزه عن مواجهته للشارع المسيحي وذلك من خلال رواية مفبركة يبثّها عبر الإعلام، وهي أن "القوّات" كانت مُجهّزة للمواجهة، مع العلم أن الصور والفيديوهات تؤكد أن "الحزب" هو من يقف وراء كل ما حصل في الشارع."

وشدّد كرم على أنه "ليس لدى القوّات اللبنانية، مُجموعات مُسلحة ومُجهّزة، وبأن ما حدث هو أن أهالي المنطقة بكل أهاليها وانتماءاتها الحزبية والطائفيّة، قرروا الدفاع عن أنفسهم في وجه الإرهاب الذي مورس بحقّهم من "حزب الله". ولذلك ثمّة اعتقاد لدينا، بأن "الحزب" سيذهب أكثر وأكثر في ترهيبه، من خلال توجيه سلاحه بوجه كل طرف يُمكن أن يُعارضه، بالإضافة إلى أنه سيواصل ضغوطاته على رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، من أجل تنحيّة القاضي بيطار عن ملف انفجار المرفأ."

مقابل الكلام "القوّاتي"، وبعد ما تحدث به الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، خصوصاً لجهة أن "القوّات" قامت بـ"ميني" 7 أيّار، سبقه تجييش وتحشييد في الرأي العام المسيحي ضد "حزب الله"، تُشير مصادر مقرّبة من "الحزب" إلى أن ما حصل في الشارع هو "أمر مُدبّر ومُنظّم ولا يُمكن لمجموعة من الأهالي أو سُكّان مبنى أو حيّ القيام به. أمّا لجهة ما تدّعيه القوّات من تبرئة نفسها من "المجزرة" التي ارتكبتها في الشارع، ثمّة سؤال يُطرح حول العناصر الذين أُلقي القبض عليهم والذين لم يتجاوز سنّ الفرد منهم الثلاثين عاماً. فمن الذي درّب هؤلاء "الأهالي" على القنص بأماكن قاتلة، ومن الذي درّبهم على كيفيّة التنقّل في الشوارع وعلى أسطح الأبنية؟