"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لم يدم الأمر طويلاً حتى بانت العيوب في حراك "الخماسية الدولية". الدول التي وضعت نفسها في تصرّف اللبنانيين لمساعدتهم على انتخاب رئيس للجمهورية، أضحت تحتاج إلى من يساعدها لتسوية تبايناتها. في الموازاة، أمكن تسجيل حركة سعودية لافتة. الرياض التي أبقت نفسها ولوقتٍ طويل بمنأى عن الملف اللبناني، قررت الإنغماس في توقيتٍ حساس واضعةً يدها على المقود!

بخلاف اللقاء مع سفراء "الخماسية" في اليرزة حيث سبقته وتبعته تباينات عميقة، بدا اللقاء بين السفير السعودي وليد بخاري ونظيره الإيراني مجتبى أماني إستثنائياً. تناول الطرفان مواضيع حيوية، تبدأ من تطور العلاقات بين البلدين، الذي انعكس إيجاباً على الملفات الثنائية المشتركة، وتصل إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وتطورات الإقليم. وضع السفير السعودي نظيره في صورة أن الرياض بلورة مقاربة مختلفة لملفات المنطقة من بينها المسألة اللبنانية، وهي في صدد التحرّك في الملفات المرتبطة بهذا البلد، ودعاه إلى التعاون والتنسيق الإيجابي. وبين الكلام والكلام، فُتح باب لتوجيه انتقادات شديدة تجاه الإعتداءات الإسرائيلية سواء في غزة أو غيرها، وفي السياق كان للبخاري، كلام معبّر حول ما يجمع بين المسلمين.

حمل السفير الإيراني إلى "حزب الله"، أجواءً إيجابية سمعها من نظيره السعودي. عملياً لا علاقة تجمع الطرفين، فالرياض تصنّف الحزب إرهابياً وبالتالي لا قنوات مفتوحة معه، فيما الحزب لديه مآخذ على الرياض ولا حديث معها. رغم هذه الحواجز تبقى إحتمالية تبادل الرسائل عبر طرف ثالث قائمة.

بالموازاة، سبق بعض اللبنانيين من المقرّبين من الحزب أو على تواصل معه، جالسوا السفير أخيراً، أو يجالسونه في العادة، السفير الإيراني. هؤلاء لمسوا من بخاري تطوراً في موقف المملكة العربية السعودية تجاه المسائل اللبنانية كافة.

في أول انطباع، بدا لهم أن الرياض تخطّت، أو في وارد تخطّي الكثير من نقاط التحفظ التي حكمت أخيراً العلاقة بين البلدين. أهمّ ما سمعوه، كان إشادة بهذا البلد وبرغبة سعودية دائمة في مساعدته وجهوزية للتعاطي مع سائر مكوّناته. في ثاني الإنطباعات، ما تكوّن على هامش لقاءات "الخماسية الدولية" من موقف سعودي إيجابي، وما سبقه وتبعه من حراك سياسي سعودي تجاه المسؤولين، وما تخلله ورافقه من إبداء رغبة سعودية في المساعدة، وما لمس حقاً من تحول سياسي سعودي واضح.

ما يُفهم إذاً، أن السعودية بدأت سياسة انفتاح على لبنان لا بدّ أن تقابل لبنانياً. يتكون هذا الرأي من جملة عوامل ومصادر ومعطيات، منها ما حصل فعلاً، ومنها ما يُستدل إليه من خلال إشارات معينة إلى أنه في وارد الحصول.

التعاون الأمني اللبناني في مسألة مكافحة تهريب المخدرات إلى الأراضي السعودية والعمليات الأخيرة، إكتسبت اهتماماً سعودياً بالغاً وبدت، لبنانياً، نقطة تحول وشكلت أرضية.

من بين الإيجابيات، أنه أدى إلى تفعيل حركة الملحق العسكري السعودي المعتمد في بيروت تجاه قادة الأجهزة حيث باتت لديه مواعيد ثابتة معهم.

وإلى تعزيز الأجواء، يأتي ما سُجّل حول خفض منسوب الكلام والمواقف المعارضة للمملكة العربية السعودية، أو التي تصبّ "سعودياً" في خانة الإساءة، أو يُنظر إليها كذلك.

يُضاف إلى ما تقدم، ملاحظة تطورٍ طرأ في النظرة إلى ملفات عالقة بين البلدين، كقضية الموقوفين اللبنانيين لدى سلطات الرياض. خلال الفترة الماضية، أمكن تسجيل نجاح في التواصل الرسمي اللبناني البعيد عن الأضواء في حل مجموعة قضايا شائكة تتعلق بموقوفين لبنانيين في السعودية، بلغ عددهم حتى اليوم 5، أُخلي سبيلهم بشكلٍ متدرج، ويحتمل أن يكون هناك مجموعة أخرى.

لدى السلطات اللبنانية قوائم بأسماء أشخاص موقوفين لدى المملكة بقضايا مختلفة، وهي في وارد تنقيح سجلاتها، وتنوي مفاتحة الرياض حولهم. ما كان ينقص، يتصل بعدم وجود تواصل لبناني رسمي في هذا المجال. وفور ملاحظة توفر متغير سعودي، أقدمَ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على رفع كتاب إلى السلطات السعودية بالتنسيق مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، يطلب فيه تعاوناً في مسألة الموقوفين بين البلدين.