"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

كثافة النيران ومداها الجغرافي، وأيضاً وتيرة الهجمات وعمليات القصف من جانب المقاومة خلال الأيام الماضية سواء بالمسيّرات المفخخة أو بالصواريخ، أمورٌ تشير إلى الإرتقاء التدريجي على السلم العسكري. ويُفهم أن المقاومة أجرت تعديلاً مرشحاً للمزيد من التعديلات على القواعد الحاكمة للميدان، وفقاً للمفهوم الذي أرساه السيد حسن نصرالله في خطابه ما قبل الأخير، حين تحدث عن "تحوّلات في معركة الإسناد"، يقابله تعديل أيضاً في أداء العدو المتمثّل بتوسيع دائرة القصف وأعمال الاغتيال والقتل التي تطال مقاومين ومدنيين على حدٍ سواء.

ما تقدم يعني أن ارتفاع السخونة عند الجبهة وبلوغ ما هو أعلى من "معركة الإسناد"، إحتمال واقعي ووارد جداً لا سيما حين حصول الردّ المتوقع من جانب المقاومة، مع الإشارة إلى أن الإرتقاء العسكري الحالي لا يمكن إدراجه من ضمن مفهوم الردّ إنما استفادة من أجواء فرضها.

عملياً، تعاملت المقاومة وتتعامل بكثيرٍ من الدقة، بما يشمل إظهار جهوزية لبلوغ "أيام قتال" أو الإنتقال إلى مرحلة من "الضربات المتبادلة" وفق شكل يبقى معزولاً عن "مفهوم الإسناد" لكنه يتقاطع معه ويقابل استعدادات العدو. وخلال الأيام الماضية، أنجزت المقاومة مجموعة ترتيبات عملانية على الأرض، سواء جنوباً أو في الضاحية أو مناطق تواجدها، ما يؤشر إلى اقتراب وقوع الرد واحتمال توسّع نطاقه.

على المقلب الآخر وللحؤول دون التوسّع، عزّزت الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية من أدوارها.
وتندرج في هذا الإطار، الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد بريطاني إلى بيروت ضم وزيري الدفاع والخارجية. على ما يتبيّن، وضع الوفد رسائل حربية وأخرى سياسية.

في الشقّ الحربي، إستمر التلويح بالحرب، وقد حمل رسائل تهويل واضحة إلى الحكومة أسماها "كلفة ارتماء لبنان في حضن حزب الله".
في المجال السياسي أعاد التأكيد على استمرار لندن في "مساهماتها" في مجال الترتيبات الحدودية مع "إسرائيل". تحضر في هذا المجال تأكيدات لندن أن "برنامجها" لنشر أبراج المراقبة جنوباً بالتعاون مع الجيش اللبناني ما زال سارياً، لكنه يخضع للفحص والتطوير وينتظر بلوغ "التسوية".

ويحضر حديث أوساط سياسية حيال الأجوبة الرسمية اللبنانية التي لم تكن على قدر تطلعات الوفد، بدليل انصراف لندن وغيرها من العواصم إلى تأكيد الطلب المستمر لرعاياهم بمغادرة لبنان.

في المستوى الآخر، يندرج البيان الثلاثي الأميركي – القطري – المصري المدعوم أوروبياً، الدافع صوب إعادة إحياء جولات التفاوض. وتسعى هذه الدول من خلاله إلى إبطاء عملية الرّد، أو تمييعها قدر الإمكان فضلاً عن محاولة إدخال الإيرانيين عنصراً غير مباشر ضمن المسار، وربما استغلال كل ذلك للتوصل إلى "صفقة" على "السخن"، تؤدي إلى خفض وتيرة التصعيد والذهاب، بدلاً من الحرب، إلى مسار من التفاهمات لا يعلم أحد حدودها أو مداها الزمني. أما احتمالات التوصل إلى الصيغة فتكاد تكون معدومة، بنظر كثيرين، في ظل المبادرة الإسرائيلية الدائمة إلى تفضيل سفك الدماء على التفاوض، وتعاطي حركة "حماس" مع ما يتقدم من مشاريع على أنه محاولة "غير جدية" للتوصل إلى تسوية، ما دام العدو الإسرائيلي يتصرف على هذا النحو.

يبقى الملف اللبناني أساسياً ضمن المعادلات، مع استمرار "حزب الله" باعتماد سياسة الربط ذاتها من حيث المسار أو المصير مع قطاع غزة ولا حديث خارج هذا المفهوم الراسخ.

مقابل تهديدات "محور المقاومة" بشكل عام والحزب بشكل خاص في شأن الرّد المتوقع على اغتيال القياديين فؤاد شكر واسماعيل هنية في طهران والضاحية، زادت واشنطن من القطع البحرية وجودتها، ووضعت سلاح الجو في حال تأهب قصوى، ورفعت عديد الجنود الأميركيين في قواعدها داخل سوريا والعراق وعند المثلث الحدودي مع الأردن، وقيل إن بعض القواعد غير الرسمية في بيروت، نالت حصة من التأهب، فيما نشطت، إلى جانب عواصم أخرى، في تظهير وإنجاز ترتيبات على مستوى بعض الدول الإقليمية في محاولة منها لتوسيع "جدار الأمان" حول إسرائيل، بحيث تندفع هذه الدول إلى تولّي جانب من مهمة الدفاع بالإنابة عن الكيان العبري، وهو أمر لافت جداً، حيث باتت تل أبيب تحتاج إلى هذا الكمّ الهائل من المساندة الدولية والغربية لأجل حمايتها. كما أنه، في جانبٍ مقابل، يؤكد علوّ يد المقاومة. فإن لم يكن التهديد جدياً كما يزعم البعض، لماذا إذاً تنصرف الولايات المتحدة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات.

بموازاة النماذج "العسكرية" تحشد الولايات المتحدة أساطيلها الدبلوماسية. وبالتزامن مع زيارة مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، ورئيس المخابرات وليم بيرنز إلى المنطقة، ترددت معلومات عن جولة محتملة لوزير الخارجية أنطوني بلينكن، بالتزامن مع جولة خاطفة يجريها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين إلى كل من تل أبيب وبيروت حاملاً معه "صيغة بايدن" للتسوية.

بالتزامن، وصلت رسائل إلى المقاومة عبر القنوات التقليدية، أعادت الطلب إليها تأخير ردها تجاه إسرائيل. وفُهم أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لا تريد لأي رد أن يؤثر على "المسار التفاوضي" وهي تعوّل على جلسة مفاوضات جديدة بمشاركة حركة "حماس" يوم الخميس المقبل، وتعتبر أن حصول الرد قبل انعقاد الجلسة قد يوفر ذريعة للإطاحة به. ويتوقّع أن يكرّر هوكشتين خلال زيارته المواقف نفسها. ومن المتوقع كذلك أن يجري لقاءات تشمل شخصيات رسمية لبنانية عدّة (وربما غير رسمية) من بينها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، فيما اللقاء الأهم والأبرز سيكون مع رئيس المجلس نبيه بري صاحب الكلمة الفصل في التفاوض ربطاً بالثقة الممنوحة له من جانب المقاومة.

ما يجدر لفت النظر إليه، أن الساعات الماضية أوحت بمؤشرات إلى "فقدان الثقة" بدور هوكشتين كوسيط. رغم ذلك، تلتزم الدولة قرارها بالتعامل معه وتوزيع الرسائل عبره ربطاً بكونه مسؤولاً دبلوماسياً أميركياً مكلفاً بالملفات اللبنانية. في نفس السياق، تعتبر الحكومة اللبنانية أنها تقدمت بـ"نقاط" تشير إلى رغبتها في الحل، مما يعني أنها طرف يساهم في الجهود الدبلوماسية. لكن شخصيات رسمية يبدو أنها متهيّبة جولة هوكشتين، خصوصاً وأن النسخة الأخيرة التي ارتبطت في المساعي التي "بذلها" قبيل العدوان الإسرائيلي على الضاحية لم يكن صداها إيجابياً، بعدما تبيّن أنه مارس ضغوطاً وتهويلاً وخداعاً على الجانب اللبناني، وقدم وعوداً إلى مسؤولين سياسيين كبار من بينهم وزير الخارجية، بتحييد مناطق معينة من بينها بيروت والضاحية من إطار الرد الإسرائيلي على القصف المزعوم لمجدل شمس، وفقاً لما أكده الأخير عبر سلسلة مواقف سواء بشكل علني من خلال إطلالات صحافية أو من خلال تقارير لوحظ أنه يقوم بتوزيعها منذ فترة غير قصيرة على سفارات خارجية وصحف معروفة.