يبدو أنّ للحراك الرئاسي الحالي منفعة جيدة على الوضع الداخلي حتى قبل انتخاب الرئيس العتيد، إذ تتوقّع أوساط سياسية أن يقوم الإرهابيون بتحييد لبنان في هذه الفترة عن اعتداءاتهم وتفجيراتهم الإنتحارية. ويبعث مثل هذا التوقّع على التساؤل حول الجهات التي تقف وراء هؤلاء لا سيما إذا ما كانت قادرة على جعلهم «ينصاعون لأوامرها». ولطالما شدّدت دول خارجية قبل أن يطالها الإرهاب أو تبدأ معاناتها مع قضية المهاجرين، الى ضرورة تحييد لبنان عن الصراعات الحاصلة في المنطقة، وقد تمّ الالتزام بهذه «التمنيات»، فلماذا التساؤل الآن؟!.
فالوقت قد حان الآن لانتخاب رئيس البلاد، تؤكّد الأوساط نفسها، بحسب الأجندة الإقليمية والدولية، وكانت بعض هذه الدول قد تركت الحرية للبنانيين أنفسهم لانتخاب رئيسهم، إلاّ أنّهم لم يفعلوا، لهذا عادت وتدخّلت. ولهذا لا بدّ من تهيئة الظروف المناسبة لذلك، أي أن تتمّ عملية الانتخاب في ظلّ هدوء واستقرار داخليين، لا تعكر صفوهما أي عمليات إرهابية، لا سيما بعد أن أظهرت «جبهة النصرة» أخيراً أنّها قادرة على التفاوض مع جهات لبنانية وعربية، ووفت بوعودها عبر إطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الذين كانوا مختطفين من قبلها لسنة وثلاثة أشهر. غير أنّ هذا لا ينفي عنها تهمة الإرهاب والتكفير، كما لا ينفيها عن «داعش» الذي يرفض حتى الآن التفاوض بشأن العسكريين التسعة الذين يجتجزهم، ولا أحد يعلم عن مصيرهم شيئاً بعد.
وإذا كان باستطاعة هذه المجموعات التكفيرية أن تُنسّق وتيرة عملها وفق الأجندة الدولية، فإنّ مثل هذا الأمر يعني، بحسب رأيها، أنّه بإمكان هذه الدول الداعمة لها معرفة مصير العسكريين الذين لا يزالون في الأسر، كما مصير المطرانين المخطوفين في سوريا، فضلاً عن المصوّر سمير كسّاب الذي اختفى هناك، ولا أحد يعرف عنهم أي شيء. كما بإمكان هذه الدول ذاتها، أن تطلب من «داعش» والتنظيمات الأخرى الإنسحاب من جرود عرسال، ومن مواقعها في كلّ من سوريا والعراق، من دون الحاجة للضربات الجوية العسكرية ولا لقوّات برّية عربية- سورية أو أجنبية. غير أنّها لا تريد القيام بذلك، بل تجاهر بعكسه تماماً، بأنّها تعمل على مكافحة هذه التنظيمات بهدف القضاء عليها. الواقع إذاً يختلف عن الحقيقة، وإلاّ فكيف متى أرادت هذه الدول تغييره يمكنها ذلك، فترضخ التنظيمات لأوامرها، ويصير لها ما شاءت؟
في مطلق الأحوال، تجد الأوساط نفسها، بأنّ هذه المرحلة ستكون جيّدة على لبنان، فإذا كان الاستقرار سيعمّ الى حين انتخاب الرئيس، فإنّ انتخابه من شأنه أيضاً أن يُهدّىء الأوضاع ويضع حدّاً لمشاكل عدّة يعاني منها هذا البلد. على ألا يكون شرط هذا الهدوء المؤقّت إستقرار «جبهة النصرة» في جرود عرسال، واستخدام البلدة كقاعدة لها ولأنصارها، لأنّ في ذلك «احتلال»، على ما أعلن وزير الداخلية أخيراً، ولا أحد في هذه الدولة سيسكت عنه، لا سيما وأنّه يأتي من الإرهابيين الذين يريد العالم محاربتهم والقضاء عليهم، وليس لبنان فقط. كما أنّ احتلال أراضٍ لبنانية هو أمر مرفوض بالمطلق سواء أتى من «مسالمين» أو من «إرهابيين».
من هنا، تؤكّد الاوساط أنّه إذا كانت التسوية تشمل رئاستي الجمهورية والحكومة كما قانون الإنتخاب، فلا بدّ من أن تتضمّن أيضاً، ملف عرسال وجرودها بما فيها ومن فيها، فضلاً عن موضوع العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، وملف النازحين السوريين وضرورة عودتهم الى بلدهم في أسرع وقت ممكن، كون لبنان لا يمكنه أن يتحمّل على أرضه بعد الآن، مواطنين آخرين لا يجلبون له سوى المزيد من الفقر والمعاناة لأبناء شعبه لا سيما أولئك القاطنين في المناطق الجبلية والحدودية. فتجربة اللاجئين الفلسطينيين لم تنتهِ بعد ويكفيه ما عاناه ويعانيه من بعض أبناء هؤلاء.
أمّا الهدوء الحالي فيجب الاستفادة منه لحثّ «داعش» على التفاوض حول العسكريين المختطفين، علماً أنّه ليس معروفاً بقيامه بمثل هذه المفاوضات، غير أنّه في المقابل، لن يخفي رهائنه الى أجل غير مسمّى خصوصاً إذا ما كان باستطاعته الحصول على مقابل ما. لكنّه، بحسب الأوساط نفسها، لا يزال يحتفظ بالعسكريين كورقة رابحة تمكّنه من البقاء في الجرود، وإطلاق تهديدات مستمرة للبنان، على غرار ما تفعله إسرائيل في احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا. علماً أنّ «حزب الله» أعلن أنّه لن يدعه وشأنه بل سيُحاربه أينما كان وسينتصر عليه، وهنا تتساءل الاوساط لماذا لم ينهِ وجوده في الجرود، ما دام تمكّن من هزيمته في مناطق عدّة.
صحيح أنّ الوقت ليس لصالح العسكريين وعائلاتهم لا سيما بعد فكّ أسر العسكريين الذين كانوا في قبضة «جبهة النصرة»، لكن لا يجوز استعجال الأمر أو حرق المراحل، على ما نصحت الأوساط نفسها، بل يجب طبخ الأمر على نار هادئة، كما يحدث بالنسبة للتسوية الرئاسية، لا سيما وأنّ التأخير قد حصل، وأن يطول شهر أو أكثر بعد لن يُشكّل «آخر الدنيا». المهم الوصول الى نتائج إيجابية في نهاية المطاف توصل الملفات الى خواتيمها السعيدة مع عودة المخطوفين سالمين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News