يكشف واحد من أهمّ القرارات الظنيّة الصادر عن قاضي التحقيق العسكريّ فادي صوّان هويّة معظم المخططين والمنفّذين للتفجيرات التي جرت على الأراضي اللبنانيّة.
يرتكز القرار على إفادة نعيم عباس. هو الذي يروي الأشياء كما هي، وهو الذي ما إن تمّ إلقاء القبض عليه في كورنيش المزرعة حتى كانت مخابرات الجيش بعد ساعات قليلة توقع الأشخاص الذين تعاملوا معه من لوجستيين وانتحاريين ومساعدين.. وفي اليوم الذي قبض فيه على عباس، كان يحضّر لثلاث عمليّات دفعة واحدة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت: واحدة لصالح «جبهة النصرة» وأخرى لصالح «داعش» وثالثة لحسابه الشخصي!
ولكنّ المفارقة في رواية عباس التفصيليّة وإفادة عدد من المدّعى عليهم أمرين: الأوّل أنّ الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» كان وسيطاً بين نعيم عباس و «داعش» الذي كان يعتمد أيضاً على عدد من رجال الدين الذين يعملون في مجال الإغاثة. فبعدما أشار عباس إلى أنّه كان يتلقّى المال من «داعش» عبر إحدى الجمعيّات البيروتيّة العاملة في الإغاثة، تمّ إلقاء القبض على المدير التنفيذي لهذه الجمعيّة عمر جوانية الذي اعترف أنّه كان يعرف أحمد طه (كان مسؤولاً في داعش حينذاك) الذي عرّفه بدوره على نعيم عباس باسمه الحقيقي نعيم محمود، وإن لم يكن يعرف دوره الحقيقي.
وفي بداية العام 2014، طلب منه أن يسلّم عباس مبلغ 10 آلاف دولار أميركي سيعطيها لـ «أبو طاقية»، فوافق جوانيّة على اعتبار أنّه كان يعطي الأموال بصورة دوريّة إلى «أبو طاقيّة» للإنفاق على 40 يتيماً في عرسال ممن ترعاهم الجمعيّة.
وتكرّر هذا الأمر ثانية، عندما سلّم جوانية مبلغ 20 ألف دولار أميركي إلى نعيم عباس بعد أن أعطى طه المال إلى «أبو طاقية».
ولم يكن جوانيّة و «أبو طاقية» وسطاء في المال فقط، وإنّما في التزوير أيضاً. إذ اعترف جوانية أنّه تسلّم في إحدى المرّات من عباس مظروفاً يحتوي على صور شمسيّة سلّمها إلى «أبو طاقيّة» الذي سلّمها بدوره إلى القيادي في «داعش» بهدف استعمالها في إنجاز بطاقة هوية مزوّرة لعباس تخوّله التنقّل بسهولة!
أمّا المفارقة الثانية، فهي أن نعيم عباس كان يحتاج إلى صواريخ وأسلحة وذخائر لاستخدامها في عدد من العمليّات الانتحاريّة (عملية قناة المنار وأخرى لم تنفّذ بسبب إلقاء القبض عليه في اليوم نفسه). وقد اعترف نعيم عباس أنّ أحمد طه عرّفه على تاجر أسلحة هو حسام البكري المعروف بـ «أبو بكر» لتأمين صواريخ من عيار 107 وبندقيتين من نوع «كلاشينكوف».
وبالفعل أمّن «أبو بكر» البضاعة بعد أن تواصل مع تاجر آخر هو محمّد الجنّون الذي تواصل بدوره مع التاجر الثالث حسّان معتوق. والمفاجأة أنّ معتوق أقرّ لدى التحقيق معه أنّه أتى بالصواريخ من أحد مسؤولي «حماس» في مخيّم الرشيديّة المدعو «أ. و». أما ذخائر «الكلاشينكوف» التي أعطيت لنعيم عباس فاشتراها من أحد عناصر «حزب الله» في الضاحية الملقّب «أ. س» بسعر 1100 ليرة لبنانيّة للطلقة الواحدة.
وأشار معتوق إلى أنّه لم يكن على علم أنّ الأسلحة والصواريخ ستصل إلى يد الإرهابي نعيم عباس، فقد أوهمه جنون أنّها ستسلّم إلى «حركة الجهاد الإسلامي» في غزّة!
لبنان.. «ساحة جهاد»
في العام 2013 اتّخذ القرار بتحويل لبنان إلى ساحة جهاد. استخدم نعيم عباس قدراته في مجال إطلاق الصواريخ ليعمد في 26 أيّار 2013 وبالاشتراك مع أحمد طه ومحمّد جمعة إلى إطلاق ثلاثة صواريخ من بلدة عيتات لم تصب الهدف المراد منها: «مجمّع سيّد الشهداء» فسقطت في موقف السيّارات.
أعجب الرجل بالفكرة، فارتأى أن يبدأ بالانفصال التدريجي عن «عبد الله عزّام» ويعمل «لحسابه»، فاتفق مع حسين زهران الملقّب بـ «أبو بكر» على العمل سويةً بشكلٍ سريّ وبالتنسيق مع أحمد طه على تفجير سيارات في الضاحية الجنوبيّة. وبالفعل، أمّن الرجلان سيارة مسروقة من نوع «كيا» ركنها «أبو اسماعيل» في بئر العبد، ليدوّى التفجير في 9 تموز 2013.
أمّا التفجير الثاني في 15 آب 2013 فلم يكن نعيم عباس هو مهندسه. ومع ذلك، فإنّه عاين السيارة المفخّخة من نوع «BMW 735» بعد أن أتى بها كل من: سعيد البحري وحسين زهران ومحمّد الأحمد الملقّب بـ «أبو يوسف» والسوري «أبو آدم»، وهؤلاء الذين ما زالوا متوارين هم المسؤولون عن السيارة من نوع «أودي» التي ضبطت محملة بالمتفجرات في أحد المواقف في منطقة النّاعمة.
التفجيران خلّفا صيتاً كبيراً لـ «أبو اسماعيل» لدى التنظيمات الإرهابيّة، بالإضافة إلى أنّ عناصر «كتائب عبدالله عزّام» الذين يعرفهم جيداً صاروا عناصر موثوقة في «جبهة النصرة». فما هي إلا أيّام حتى طلب على وجه السّرعة للانتقال إلى مراكز سيطرة «النصرة» بغية المساعدة في تدريب عناصرها ليلتقي هناك بكلٍ من: أبو خالد، النميري الملقّب بـ «أبو دجانة».
وبناءً على طلب «النصرة»، استأجر «أبو اسماعيل» شقة في شارع عفيف الطيبي.
ولكنّ يبدو أنّ العمل مع «النّصرة» لم يأتِ له بعقد نافع. إذ ما إن علم أن «مرشده» أحمد طه ترك «النصرة» وبايع تنظيم «داعش» حتى قبل بالعمل مع «الدولة الإسلامية» لتكون «أوّل دفعة» في أواخر العام 2013: سيارة من نوع «شيروكي» زيتيّة (هي السيارة التي أوصلها عمر الأطرش إلى عباس وركنها بالقرب من «مسجد الخاشقجي» ثم نقلها إلى موقف عموميّ في محلّة أرض جلّول في طريق الجديدة وكان مفتاحها مع المدعو أمين عثمان) وفيها انتحاريّ وانغماسيّ مرسلان من مسؤول التنظيم في يبرود «أبو عبدالله»، الذي طالبه بتأمين المأوى لهما وبطاقتي هويّة مزورتين والتنسيق مع بهاء الدين السيّد التابع لأحمد طه وزوج اخته محمّد الظريف وذلك مقابل 4000 دولار أميركي.
في حين لم يمتثل هذان الشخصان لأوامر عباس الذي أشار إلى أنّه «يرفض الاعتداء على الجيش اللبناني لأنّ هذا الأمر سينعكس سلباً عليه، وألا يتنقلا حاملين حزاماً ناسفاً»، وفق ما قال أمام قاضي التحقيق، ليسقط الإثنان قتيلين عند حاجز مجدليون.
إذاً، العمليّة التي خطّط لها «أبو عبدالله» لم تر النور، في الوقت الذي كان فيه نعيم عباس يحضّر لخطّتين في الوقت نفسه: واحدة لصالح «داعش» عبر سيارة «شيروكي»، وأخرى لصالح «النصرة» بعد أن عاد أدراجه إلى «الجبهة» ثانية فلبى دعوة مسؤولها أبو مالك التلي في حضور المدعو أبو خالد. وفي يبرود طلب منه التلي تأمين أرضيّة صالحة لـ «النصرة» وتنفيذ عمليات لصالحها فوافق على ذلك بعد تلقيه مبلغ 2000 دولار أميركي من أبو خالد، وواعداً بأنّه سيعمل على دراسة الأهداف المحتملة للتفجير في الضاحية.
عاد نعيم عباس إلى لبنان ونفّذ تفجير حارة حريك في 2 كانون الثاني 2014 بعد أن أرشد الانتحاري قتيبة الصاطم إلى المكتب السياسي لـ «حزب الله» فيما ارتبك الأخير ولم ينفذ الخطة بحرفيّتها.
في الوقت نفسه، استقبل «أبو اسماعيل» في منزله في عفيف الطيبي الانتحاري السوري محمّد حسن مدللة الملقّب بـ «أبو حسن» الذي نفّذ عملية في حارة حريك أيضاً لصالح «النصرة» بعد 19 يوماً من التفجير السابق.
وبعد أيّام قليلة أيضاً، كان نعيم عباس يستقبل الانتحاري «أبو سيف» الذي أرسله مسؤول «داعش» المدعوّ «أبو عبدالله» عبر الفلسطيني أمين عثمان والمدعو «فادي» الذي أعطاه أيضاً مبلغ 3000 و6000 دولار وشريحتين خلويتين. وكان أيضاً يعمل على تصنيع حزام ناسف في مستودع اسـتأجره في محلّة الدبيّة بهوية مزوّرة تحمل اسم علي محمّد البزري.
اجتمع عباس بـ«أبو سيف» وشرح له الخطّة التي تقضي بأن يهاجم حراس «المنار» ثم يفجّر الحزام الناسف. إلا أنّ الأخير ارتبك أيضاً، فما كان منه إلا أن فجرّ نفسه في حافلة لنقل الركّاب.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News