وقع الباحث الدكتور نديم منصوري كتابه "الاستحمار الالكتروني"، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، ومشاركة وزير الاعلام رمزي جريج الذي ألقى كلمة قال فيها: "عندما أمسكت بالكتاب الذي أعده الدكتور نديم منصوري، تهيأ لي، للوهلة الأولى، أن الغلاف يحتوي على خطإ مطبعي كبير؛ وأن الكلمة الأولى من العنوان هي الاستعمار لا الاستحمار. لكن سرعان ما تبين لي منذ الصفحات الأولى أن هذه الكلمة، كما وردت على الغلاف، صحيح إملاؤها؛ وأن الكاتب تعمد استعمالها عن سابق تصور وتصميم، ليقول في النتيجة إن سيطرة الغرب على الأمم الأخرى عموما، وعلى الأمة العربية خصوصا، إنما هي استحمار كامل لهذه الأمم".
أضاف: "وعلى سيرة الألفاظ ومعانيها، ينبغي لي أن أذكر أولا بأن لفظة "استعمار" مشتقة من الفعل "عمر" بمعنى "بنى". فاستعمار الأرض في الأصل بناؤها. لكن هذه الكلمة انحرفت عن معناها الأصيل إلى آخر معاكس تماما، فأصبحت تعني الاستعباد والاستيلاء على مقدرات الشعوب وثرواتها. وإذا كان للاستعمار أوجه كثيرة منها الاقتصادي والسياسي والعسكري، فإن أشد وجوهه ضراوة هو الاستعمار الثقافي الذي يصح أن نطلق عليه لفظة "استحمار" لأنه في حقيقته استلاب للعقول، وتعطيل لقدرتها على الإبداع والتطور".
وتابع: "الحقيقة أن ما قلته لا يخرج عن فحوى الكتاب الذي ننتدي له اليوم، والذي يتناول فيه الكاتب عبر ثلاثة محاور أو فصول: مفهوم الاستحمار الإلكتروني، ثم تطبيقاته المتنوعة في بلادنا عند مختلف الشرائح الاجتماعية، ثم طرائق مواجهته "لخلق المثقف الشبكي" وصولا إلى الدور الذي يجب على هذا الأخير أن يقوم به للمساهمة في صناعة المعرفة وفي الإشعاع الثقافي الذي نتغنى به في وطننا على الدوام. وإنه لمن المتعذر في وقت هذه الندوة القصير أن أتتبع وإياكم فصول الكتاب وأبوابه ومباحثه، واحدا فواحدا على التوالي، منذ انطلاقة مفهوم الاستحمار لدى المفكر الإيراني علي شريعتي، مرورا بدور المفكر الجزائري مالك بن نبي في تحديد معنى شبكة العلاقات الاجتماعية ودورها في تأسيس الحضارة ومناهضة الاستعمار، ومرورا أيضا بتفشي استخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي استعمالا استهلاكيا سلبيا يرتدي طابع العنف ويبث في عقول الناشئة كثيرا من المفاسد التي تخالف تراثنا القيمي المتراكم منذ عصور طويلة، بما في ذلك استخدام هذه الوسائل استخداما إرهابيا تكفيريا... وصولا إلى البحث عن طرق المعالجة بخلق المثقف الشبكي والإضاءة على الدور المنوط به لإخراج مجتمعاتنا وأفرادها من خانة المتلقي إلى خانة الفاعل".
وأضاف: "لكنه يبقى من الواجب أن ألفت إلى بضع ملاحظات أساسية:
أولا: إن الاستحمار عند شعوبنا لا يقتصر على المسألة الإلكترونية فقط. فالفاعلية على المستوى المعرفي مرتبطة مباشرة بمدى ارتباط الوطن بحضارته. وعليه، فإن الشعب، الذي يتخلى عن حضارته، لا يمكنه أن يكون فاعلا في عالم اليوم الذي اصبح قرية كونية صغيرة. لذلك ينبغي لنا أن نفتش أساسا عن أسباب تأخرنا على كل الصعد، لأن التخلف مرض قاتل يكمن علاجه في إزالة أسبابه.
ثانيا: لقد كان لبعض من العرب واللبنانيين إسهامات ملحوظة في كثير من ميادين الفكر والمعرفة. لكن دورهم هذا لم يكن بسبب انتماءاتهم الأصلية، بل بسبب انخراطهم في المجتمعات الغربية التي انتسبوا اليها، وتمكنهم من الوصول إلى منابع المعرفة وتدربهم على آليات العمل المعرفي، ولا سيما مناهج البحث العلمي. هؤلاء لو قدرت لهم ظروف مشابهة في أوطانهم الأصلية، لأبدعوا الإبداعات ذاتها. لكن العلة هي في عجز المسؤولين لدينا، عن تأمين الظروف الملائمة لأبنائنا، الذين لا يجدون لهم متنفسا إلا في جامعات الغرب ومجتمعاته.
ثالثا: طالما نبهت كوزير للاعلام الى مخاطر الاستعمالات السلبية للوسائط التي تتيحها لنا الشبكة العنكبوتية، ولا سيما لناحية تحول بعض وسائل الإعلام، عن غير قصد وبهدف السبق فقط، إلى منابر تستغلها المجموعات الإرهابية لتمرير رسائلها التكفيرية. وقد شهدنا هذا في أفلام الذبح والحرق والتفجير التي كانت تبثها شاشاتنا الصغيرة. من هنا وفي هذه المناسبة أتمنى مجددا على وسائل الإعلام التنبه إلى هذه المسألة، والعمل على منع الإرهابيين من نشر رعبهم وتكفيرهم".
واعتبر ان "كتاب الدكتور نديم منصوري كتاب قيم ومشوق. فيه كثير من علم الاجتماع الذي يدرسه المؤلف في الجامعة اللبنانية؛ وفيه من الجهد التوثيقي والحرفية الأكاديمية ما لا يخفى على من واكب نشاطاته المتنوعة في الشأن الاجتماعي او اطلع على مؤلفاته ودراساته العديدة في موضوع الانترنت؛ وفيه فوق كل شيء هذا التعلق الواضح بالإنسان كقيمة عليا جديرة بأن تكون لها الحماية القصوى بعيدا عن النمط الاستهلاكي والفراغ الروحي اللذين يسودان عالمنا المعاصر. إنه كتاب جدير بالاقتناء والقراءة، فأهنئ الكاتب الباحث على ما أنجزه فيه وأشجعه على المضي قدما في هذا المجال، إغناء للمكتبة العربية بمثل هذه المؤلفات".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News