مختارات

الثلاثاء 16 شباط 2016 - 06:57 الديار

روسيا وواشنطن في سوريا والمنطقة

placeholder

كتب جيمس جيفري السفير الاميركي السابق في العراق وتركيا دراسة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول روسيا وواشنطن في سوريا والمنطقة وابرز ما جاء فيها: «في الوقت الذي قام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بزيارة ألمانيا للمشاركة في مؤتمر الأمن الثاني والخمسين الذي عقد في ميونيخ تتزايد الأسئلة المطروحة حول سياسة واشنطن المترددة في سوريا. فخلال شهادته أمام «لجنة الخدمات المسلحة» في مجلس الشيوخ الأميركي في 9 كانون الأول، أكد وزير الدفاع الأميركي آش كارتر ونائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال بول سيلفا الفكرة على أن إدارة الرئيس أوباما «ردعت نفسها» بشكل فعّال عن اتخاذ إجراءات أكثر قوة في الحرب، بما في ذلك التحرك الموصى به كثيراً، وهو إقامة ملاذ آمن في شمال سوريا. وكما قال سيلفا، «لدينا القدرة العسكرية لفرض منطقة حظر جوي. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: هل لدينا خلفية سياسية وسياسات للقيام بذلك؟»

وكانت الإجابة حتى الآن بالنفي. فبين حملة موسكو الضخمة والقصف العشوائي منذ أيلول والنجاحات الناتجة عن التحالف السوري - الإيراني - الروسي لم تتخذ إدارة أوباما أي إجراء عسكري أو سياسي فعّال لمواجهة تحركات الكرملين. وفي حين لم تكن المواجهة المباشرة لتشكل خطوة حكيمة، إلا أن الردود الأميركية التقليدية لمثل هذه الاستفزازات عادة ما كانت تشمل انتشاراً عسكرياً للتفاخر، وخطوات ملموسة لإحباط النصر العسكري الروسي، وجهود لطمأنة الحلفاء من خلال «وجود» أميركي. ومع ذلك، لم تتم أي خطوة من هذا القبيل خلال تدخل موسكو في سوريا.

إن آخر التطورات، وعلى وجه التحديد تعليق محادثات جنيف للسلام، والهجوم الكاسح من قبل «المحور» الروسي للسيطرة على حلب وهزيمة المعارضة في المحافظات الغربية المكتظة بالسكان، توجه ضربة مريرة لاستراتيجية الإدارة الأميركية المعلنة (...).
بيد أن ذلك يشكل خطراً على نطاق أوسع بكثير وهو: سلامة العلاقات الأمنية الأميركية في المنطقة منذ السبعينيات. إن السرعة التي حققت فيها روسيا ونظام الأسد وحلفاؤهما من الميليشيات الشيعية بقيادة إيران النجاح على الأرض، إلى جانب عدم قدرة واشنطن على لعب دورها التقليدي في فرض التوازن العسكري، جميعها عوامل قد تؤدي إلى الحد من ثقة الأطراف الأخرى بالولايات المتحدة، خاصة في ظل حملتها العسكرية البطيئة والخجولة تقريباً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»).


سيعمل المحللون مطولاً على تحديد الخطوات التي أوصلت الولايات المتحدة إلى هذا المأزق. فحالة الاختلال الخطرة في المنطقة تتحمل نصيباً من اللوم، وكذلك الارتياب العام للرئيس أوباما تجاه استخدام القوة. بيد، يقع غالبية اللوم على عاتق الإدارة الأميركية بردة فعلها التي تقوم على ردع النفس تجاه فرض السلطة الروسية في ساحة أمنية أميركية تقليدياً. فبشكل فوري بعد أن دخلت القوات الروسية سوريا في الخريف الماضي، أكد الرئيس الأميركي على أن الولايات المتحدة لن تدخل في مواجهة مباشرة مع موسكو في سوريا. وبدلاً من ذلك، تطرق باستخفاف إلى عملية التدخل، واصفاً إياها بأنها تشكل مأزقاً للقوات الروسية وبالتالي أعفى نفسه من الحاجة إلى القيام بأي خطوة.

بالإضافة إلى ذلك إن رد فعل الولايات المتحدة على إسقاط تركيا لطائرة روسية في تشرين الثاني سلط الضوء أيضاً على قلق الإدارة الأميركية الكبير تجاه تجنب الحوادث ( ...)
وفي هذا السياق، لم يكن تصريح الجنرال سيلفا في كانون الأول بالمفاجأة. وحول الجدوى العسكرية من إقامة منطقة عازلة في الشمال، تساءل: «هل يمكن لنا أن نفعل ذلك؟ الجواب هو نعم. هل نحن على استعداد للانخراط في... صراع مباشر محتمل مع نظام الدفاع الجوي السوري المتكامل أو بشكل بديهي، في سوء تقدير مع الروس إذا اختاروا خرق منطقة الحظر الجوي؟ لا بد من أخذ عواقب النشاط من أنظمة صواريخ أرض-جو وطائرات الدفاع الجوي بعين الاعتبار في هذه المعادلة. إذ لدينا القدرة على التعامل معها. النتيجة ستكون مواجهة مباشرة مع روسيا أو سوريا». وفي كانون الثاني وأمام لجنة مجلس الشيوخ نفسها، قام عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق فيليب غوردون، والذي غالباً ما يوجه تفكير الإدارة الأميركية، بإكمال الردع الذاتي العسكري الذي تحدث عنه سيلفا مع جرعة من الردع الذاتي السياسي. وبعد أن أعلن أن «أي سلام تقريباً في سوريا سيكون أفضل من الحرب الحالية»، لم يستبعد فقط التدخل الأميركي المباشر بل قدم الحجج ضد زيادة الدعم للثوار. «نظراً إلى الالتزام الروسي والإيراني القوي في دعم النظام»، أعتَبر أن مثل هذا التصعيد سيؤدي إلى تصعيد مضاد جديد من قبل الطرف الآخر (...)

لكن من الواضح أن هذا ليس هو الحال في سوريا أيضاً. فروسيا لديها مصالح مشروعة هناك، وأبرزها علاقة طويلة الأمد مع نظام الأسد وقاعدة بحرية على الساحل السوري. إلا أن هذه المصالح محدودة مقارنة مع المصالح الأميركية. فبينما لا تتمتع سوريا نفسها بأهمية حاسمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، إلا أنها تقع وسط منطقة أمنية هامة جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي منطقة تشمل أحد أقوى حلفاء واشنطن في «حلف شمال الأطلسي»، أي تركيا الواقعة شمال سوريا فضلاً عن أنها تشمل أقرب أصدقاءها، أي إسرائيل جنوباً. كما تقع دولتان من الشركاء الأمنيين الوثيقين على الحدود السورية هما الأردن والعراق. بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية وغيرها من الشركاء الرئيسيين في الخليج إلى جانب أنقرة، والأردن إلى حد ما، جميعها تدعم المعارضة السورية، وغالبيتها تعتبر أن الحرب تشكل التحدي الأمني الرئيسي في المنطقة. وقد دعت واشنطن نفسها إلى رحيل الأسد منذ عام 2011، ودعمت شركاءها في مساعدة جماعات الثوار، وأجرت عمليات تدريب وتجهيز قامت بها «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية في الأردن. وعلى نطاق أوسع، لعبت الولايات المتحدة دوراً بارزاً في أمن الشرق الأوسط منذ السبعينيات، وردت على التحركات الروسية هناك في عام 1973 وعام 1980. وبالتالي، من المفترض أن الولايات المتحدة تنوي حماية هذا المركز الهام.

بعبارة أخرى، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي وضع نفسه في وضع خطر للغاية حيث كان ميزان القوى يميل بشكل كبير ضده، وحيث يُفترض أن الولايات المتحدة تتمتع بنيّة تامة للتصدي له. إلا أنه يبدو أنه فاز برهانه، وذلك ليس لأن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على التحرك، بل لأن واشنطن رأت أن ذلك يحمل في طياته مخاطرة كبرى.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة