وسط الشغور الرئاسي الذي تعيشه البلاد منذ سنة وتسعة أشهر، تعمل الدول الأوروبية جاهدة لمعرفة ما يحصل في الداخل اللبناني من تحالفات سياسية جديدة، لا سيما بعد خلط الأوراق واتفاق كلّ من فريقي 8 و14 آذار على مرشّحين أحدهما متحالف مع «حزب الله» الذي يُشكّل العمود الفقري لفريق 8 آذار، والثاني من قلب الفريق والمؤيّد الأول لسياسة سوريا وإيران في المنطقة. ولكنها، تستغرب، بحسب أوساط ديبلوماسية بارزة، كيف أنّ فريق 14 آذار الذي يتقاسم الحكم مع الفريق الآخر قد سحب مرشّحه رئيس حزب القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، لمصلحة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، من دون أن يُرشّح أحداً آخر من فريقه، وكأنّه يفتقر الى مسيحي فعّال وقوي يُمكن أن يوصله الى القصر الرئاسي.
وتطرح هذه الدول عدّة تساؤلات عمّا يجري، كما عن دور الدول المؤثّرة في تحريك الملف الرئاسي، لا سيما بعد أن دخل مجدّداً في مرحلة الجمود حتى بعد ترشيح رئيس «تيّار المستقبل» النائب سعد الحريري، رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية للرئاسة، رغم كلّ التناقضات السياسية التي تفرّق بين الرجلين. حتى أنّ عودة الرئيس الحريري الأخيرة الى بيروت لم تحرّك هذا الملف، على ما أشارت الأوساط ذاتها، بقدر ما كانت «إستعراضية» فقط على ما وصفتها، وتهدف الى إظهار أنّ فريق 14 آذار لا يُعطّل الانتخابات الرئاسية، بل هو أكثر من يريد اجراءها وفي أسرع وقت ممكن.
غير أنّ الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، أضافت الأوساط، ففي الوقت الذي تُصرّ فيه الطائفة السنيّة على انتخاب الأقوى بين سياسييها رئيساً للحكومة وتقول كلمتها في هذا المجال، وتستمرّ الطائفة الشيعية في التمديد لرئيس مجلس النوّاب منذ عقود لأنّها تجده الشخصية الأبرز، تعارض هاتان الطائفتان اتفاق المسيحيين على مرشّح واحد. ولهذا فعندما اتفق الحكيم مع الجنرال وانسحب من المعركة الرئاسية لمصلحته، دخلت السعودية على الخط لمنع استكمال الاتفاق المسيحي الشامل بين الأقطاب المسيحية كافة، فحاولت استمالة فرنجية وتأليبه على العماد عون مقنعة إيّاه بأنّ حظوظه أكبر.
وما لفت أنظار الأوساط نفسها أنّ الحريري الذي كان يخشى العودة الى لبنان، لأنّه «مهدّد»، على ما يقول، لم يظهر أنّه خائف على سلامته وأمنه، والدليل أنّه أدّى صلاة الجمعة في مسجد الصدّيق في طرابلس وسط المصلين الطرابلسيين، ما يعني أنّه لا يخشى أحداً، وأنّ زياراته لا تقتصر فقط على المسؤولين المؤثّرين في الملف الرئاسي، بل توسعت الى رجال الدين (لا سيما مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار) من جهة، والاحتكاك بالشعب السنّي من جهة ثانية.
وفي الواقع، فإنّ لا ترشيح الحريري فرنجية، ولا تبنّي جعجع لترشيح العماد عون، يوصل الى انتخاب الرئيس المنتظر، إذا ما بقي الجميع على موقفه، من دون حصول تنازلات من قبل البعض، وتسوية تنضمّ اليها الأطراف كلّها. ومن هنا تقترح الاوساط عينها أنّه ما دام الحريري قد عاد، ويبدو مسروراً بعودته هو وفريقه السياسي، يجب أن يستغلّ فرصة وجوده في لبنان لتوسيع دائرة محادثاته لتشمل الأفرقاء في 8 آذار، لا سيما «حزب الله»، علّهما يتفقان على سلّة كاملة متكاملة تُسهّل وصول الرئيس الى قصر بعبدا.
أمّا أن تقتصر زيارات الحريري على مؤيّديه ومناصريه وحلفائه، فهذا الأمر يدلّ على أنّ الجمود سيبقى سيّد الملف الرئاسي في المرحلة الراهنة والمستقبلية، وإن تميّزت بالتحرّكات و«الطلعات والنزلات»، على ما شدّدت الأوساط الديبلوماسية، لأنّ التعنّت لا يُحرّك الأمور بل يبقيها في مكانها، في الوقت الذي تسوء الأمور كافة في البلاد، شيئاً فشيئاً، من دون إحراز أي تقدّم في أي من الملفات الملحّة.
وفي الوقت الذي تريد فيه الدول الأوروبية تقديم المساعدة للبنان على صعيد الملف الرئاسي، إلاّ أنّها لم تعد في رأي الاوساط الديبلوماسية، تعرف كيفية مقاربته بعد أن اختلطت عليها الأمور في ما يتعلّق بالتحالفات التي نشأت حديثاً، وخصوصاً أنّها تؤيّد بالإجمال فريق 14 آذار، ولا تريد في نهاية الأمر إيصال مرشّح من 8 آذار الى سدّة الرئاسة، لا سيما أنّها تخشى أن يُنفّذ أو يدعم عندئذ سياسة «حزب الله»، أو على الأقلّ لا يعارضها. وهي لا تزال لا تفهم كيف يُرشّح الفريق السياسي المسيحي المدعوم من قبلها مرشحاً من الفريق الآخر.
وإذا كانت السعودية تعتمد على الحريري في تحريك الملف الرئاسي ظاهرياً، فإنّ الدول الأوروبية، على ما أكّدت، لا سيما فرنسا تنتظر منه أن يُعرقل وصول مرشّح يدعم «حزب الله» الى الرئاسة قدر المستطاع. كما أنّها في انتظار ما سيجري في سوريا، لأنّها تريد وضع حدّ نهائي لمعاناتها من ملف المهاجرين غير الشرعيين اليها وغالبيتهم من السوريين، ولهذا لا تستعجل انتخاب الرئيس في لبنان.
في الوقت نفسه، تسأل الدول الأوروبية المعنيين اللبنانيين عن كيفية تقديمها الدعم للحكومة اللبنانية، بهدف مساعدتها على ملء الفراغ الرئاسي الذي تعاني منه البلاد، كما للأطراف السياسية بهدف انتخاب الرئيس الذي يجدونه الأكثر تمثيلاً، والقادر في الوقت نفسه، على حلّ الملفات العالقة وعلى رأسها ملف النازحين السوريين الذي تعدّى دول الجوار ولا سيما لبنان، الى دول الاتحاد الأوروبي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News