المحلية

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
السبت 05 آذار 2016 - 15:11 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

لا، لن نخضع!

 لا، لن نخضع!

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

لم يكن أحد ليدرك ولو للحظة، أن الجنون السعودي نحو لبنان يمكن أن يتحوّل إلى عاصفة هوجاء تُطيح معها ما "قدمته" السعودية إلى هذا البلد وكل ما قدمه لبنان إليها. الإنقلاب السعودي في المواقف يطرح علامات إستفهام حول الأسباب الحقيقة الكامنة خلف الثأر من بلد قدّم الكثير بل قدّم ما لم يقدّمه العرب أنفسهم على الرغم من صغر حجمه خاصةً للسعودية.

البداية من آخر فقرة حيث لم يكن لبنان بخيلاً على المملكة العربية أو مجحفاً بحقها طوال أعوام من تاريخ العلاقة بين البلدين. ثابت للقاصي والداني الدور اللبناني في ما يسمى "النهضة السعودية"، إعماراً، إقتصاداً، وفي الخدمات، يوم هجرت العقول اللبنانية نحو الخليج في ريعان شباب الحرب التي إستفادت منها المملكة العربية على أكمل وجه.

لا يشكنّ احد أن النهضة في السعودية والخليج عموماً قامت على ظهر ويلات الحروب اللبنانية التي نقلت دائرة الإهتمام من بيروت إلى العواصم الخليجية بفعل معارك الغير، هذا الكلام قيل في صحف غربية ممهوراً بوجع وألم على ما واجهه لبنان وهو ما دفع البعض إلى تشبيه ذلك بأنه "مؤامرة" حيكت لإخراجه من دائرة الإهتمام.

في فرضيات المؤامرات:
لن ندخل هنا بفرضية المؤامرات، بل بمنطق الإستفادة من غرق لبنان بالفوضى التي إنعكست نضوجاً إقتصادياً وعمرانياً ضخما وتحولاً في الإقتصاد داخل السعودية، هذا المشهد يُقرأ في الفترة بين أعوام 1970 و 1990 حيث نشط اللبنانيون بالعمل داخل الخليج وأسّسوا شركات ونقلوا خبراتهم إليه وهي لا زالت إلى اليوم ماثلة، خاصة في إقتصاد الخدمات التي تضم بين جدرانها مئات اللبنانيين العاملين في مناصب إدارية في شركات أثبتت نجاحها (بينها شركات تقديم خدمات الهاتف والانترنت) ومشاريع البناء وسوق العقارات.

وكون السعودية تتحدث في "منطق المؤامرة" الموجهة ضدها من لبنان، سنسير على نمط تفكيرهم ونبرز اليهم القليل من "تآمر السعودية" على لبنان. ربما تناسى السعوديون دورهم في الحرب اللبنانية عبر تمويل شخصيات سياسية بهدف الإستحواذ على البلد المنهك. تعالوا لنعود بالذاكرة إلى الكم الذي دفعه هؤلاء من أجل تدمير وسط بيروت، اقله وسط بيروت. الشواهد كثيرة حول دعم طرفي النزاع وإمدادهم بالمال والسلاح عبر شخصيات لم تسقط بعد من التاريخ!. يتذكر السعوديون واللبنانيون دون شكّ ان ساحة الحرب الأساسية طوال 15 عاماً كان تدور في قُطر محدّد يمتد من منطقة بشارة الخوري نحو الاشرافية ونزولاً تقسم المناطق بين "شرقية – غربية" لتتوسطها ساحة الشهداء والوسط التجاري الحالي الذي تحوّل بفعل الحرب إلى ركام رفعته "سوليدير" السعودية التي قُدّمت على طبق من فضة وفي فمها ملعقة من ذهب غايتها إجتياح الوسط عبر سلبه من ملّاكه وتحويله إلى شركة قابضة تفرض نظامها في نطاق أصبح ملكا خاصا يتمتع فيه السعوديون!، اليس هذا تآمرا؟

في أسباب الإنقلاب:
لن ندخل بجدالية الإنقلاب السعودي الحالي على لبنان وما يحمله من أسباب سياسية، سنذهب إلى أساس المشكلة التي تتجلى بالفوقية السعودية الممارسة علناً من خلال خطاب إستعلائي وممارسات دونية وكأن لبنان – مهد الحرف – ولد من رحم رجعية – جاهلة يحتاج إلى أب بالتبني يفرض عليه شوره ولو بالقوة!. لا!، لا يا مشايخ ما هكذا تورد الأبل ولا هكذا يُرّد الجميل للبنان الذي حملكم بكل ثقلكم أقلها في فترة بعد الحرب، وليس هكذا يُرد الجميل لأدمغة أخرجت خلاصة أفكارها لتنعم بلادكم بالرخاء والتقدم!.

الحقيقة أن لبنان أحرج السعودية حتى أخرجها فأخرجت كل ما في جعبتها من حقد فوقي على هذا البلد كان يمارس بإستعلاء خلال زيارات سواحهم إلى بيروت. المشكِلة في العقل السعودي أنه يرى كل ما حوله تابعاً له! على هذا المبدأ قامت مملكة آل سعود وإستثمرت الدين كتجارة مربحة لها في السياسة فأضحت تقود البلاد والعباد بأسم خادم الحرمين الشريفين، مع أنهم، أي آل سعود، أول من خطّط لتدمير أحد الحرمين المتضمن قبر الرسول!.

الإستعلاء السعودي أمر مباح لهم ووسيلة لمخاطبة الدول التي يشحذ زعماؤها كلبنان، ومالهم، أي مال النفط وسيلة لإخضاع الدول وإبتزازها للسير في ركب الرياض، كما يحصل مع السودان اليوم الذي باع التُمرّ الإيراني بالذهب الأسود السعودي وقلب هواه، أمّا من يرفض فمصيره كمصير حزب الله او سوريا، خطابا إستعلائياً وتحشيداً لجيوش "الجهاد" الممول فكرياً من عقول مشايخ "آل سعود" وتوجيها لبوصلة هؤلاء نحو العواصم الرافضة للمشروع السعودي، فما بالك إن كان تقاتله وتسقطه!.

وعلى الرغم من قولها الدائم انها "تدعم لبنان الشقيق"، لم تخجل السعودية بعد أزمة "الموقف اللبناني" من إبتزازنا و "هتّنا" بالأموال التي قدموها عبر ترداد أبواقها انها قدمت " 70 مليار دولار" كمساعدات غالبيتها من أجل إعادة الإعمار بعد الحرب! اين السبعون ملياراً هذه بينما إعادة الإعمار ركّبت على ظهر لبنان مديونية 60 ملياراً؟ أين انفقت؟ ولمن قدمت؟ وبأي ثمن قدمت؟ الأجابات موجودة على الرغم من عدم طرح الأسئلة!. المضحك المبكي أن زعمائنا شحذو الدنانير السعودية وسرقوها بحجة إعمار لبنان المسؤولون هم ومن خلفهم عن تدميره، وعلى رأسهم السعودية، أما أموالها المقدمة فلم تأتِ إلا من أجل كسب مواقف الزعماء وشراء ولائهم.

قرأت ذات يوم في مقالاً للكاتب البريطاني "روبرت فيسك" يتحدث فيه عن أسباب الفوقية السعودية، لم يخفِ يومها أن الإستعلاء هذا سببه – بالنسبة إلى آل سعود – "مكانتهم من الله وإعتبار أنفسهم حكام أرض مقدسة يتوجب على كامل الرعية السير بركبهم"، وهو أمر مشابه إلى حدٍ كبير بالأفكار اليهودية التي ترى ببنو يهوه "شعباً مقدساً يحكم في ارضِ مقدسة". يتدرج "فيسك" في المعلومات ليصل إلى خلاصة كلامه، بأن "السعودية التي أسست نظاماً متطرفاً يهدف لحمايتها وتعميم نموذج جديد يوضع في خدمة الغرب، تمتلك بين يديها جهاز توجيهه للمكان الذي تريد بحيث تمارس تاثيراً بالغاً في الجيوسياسة ويصبح الجهاديون منصة لإيصال السعودية إلى أهدافها".

وفق هذا السيناريو نرى الفيلم المترجم بمشاهد متنقلة بين دمشق وبيروت، مشاهد تؤكد السطوة السعودية على دول تقول "لا كبيرة" لحكام الرياض، وعلى هذا المبدأ حُكم حزب الله وبات "إرهابياً" بالنسبة إليهم، لانه قال "لا" حجمها بحجم العراق سوريا واليمن حتى أيقن حكام الرياض أن "الحزب" بات عقبة!.

إعتبار حزب الله إرهابياً بالنسبة إلى السعودية ليس وليد اللحظة بل هو نتاج أعوام طويلة مرّت لم يكن فيها حزب الله باجندة السعودية "مقاومة" ابداً. كلنا نذكر حرب تموز 2006، اقلها حرب تموز/ إن لم نعد كثيراً في التاريخ، يوم كان الدور السعودي ماثلاً واضحاً وضوح الشمس، إعتبرت مقاومة حزب الله لرد العدوان "مغامرة" كان ينقص يومها كلمة "إرهابي" لكن الظروف لم تكن قد تهيأت بعد، لأن المشروع كان في بدايته وكان المشهد النهائي بالنسبة إليهم، رؤية حزب الله يهاجر مهزوماً نحو "البصرة" بينما يتربع اليهود في جنوب لبنان!.

اسقط ذلك المشروع، خضع ونحن لم نخضع. خضع مشروع إنهاء المقاومة سياسياً في الداخل ولم نخضع، خضع مشروع تطويق المقاومة وحصارها ولم نخضع، سقط مشروع ضرب المقاومة من سوريا وخضع ولم نخضع، وما الثوران السعودي إلا دليلاً على إنقلاب الصورة وتحولها من جهة كان النية إخضاعها فإنقلبت لتصبح هي من تُخضِع!.

من صمد بوجه آلة حرب صهيونية بكل ما فيها 33 يوماً وخرج على صهوة نصر لم يصل إليه العرب، لن يهاب رياح البترودولار والغطرسة الممهورة بفوقية السعودية، ولن يمر مشروع "شيطنة المقاومة" وتطويقها إقليمياً، سيخضع كما خضع ما سبقه ولن نكون يوماً عبيداً لأمراء النفط.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة