مختارات

بول شاوول

بول شاوول

المستقبل
الأحد 13 آذار 2016 - 10:01 المستقبل
بول شاوول

بول شاوول

المستقبل

البدائل والاستعارات

placeholder

حزب الله يكون موجوداً من خلال «عدو» دائم ومفترض أو مختلف أو لا يكون. صُنع أو فُبرك أصلاً في إيران لمحاربة أعداء «محددين» مختارين له. وسميت ميليشياته على هذا الأساس «مقاومة» لأنها تحارب «عدواً» ليس من شأن الحزب ان يُعينه بنفسه بل من شأن صانعه على الطريقة الفرانكشتينية. فاحتلال اسرائيل الجنوب هو عمل عدواني يتطلب من يحاربه وسُمي «مقاومة». لهذا عرفنا في السابق «المقاومة الفلسطينية» بوصفها تواجه عدواً احتل بلادها ثم المقاومة الوطنية. ولهذا كان لا بد أن تستبدل «المقاومة الفلسطينية» التي «صفّاها» نظام الأسد واسرائيل، بمقاومة «خارجية» أخرى. أي لا بد من تصنيع كائنات برانية أو كوكبية «جديدة» تحل محل المقاومة السابقة وتنتحل اسمها باعتبار ان العدو ما زال في الجنوب والجنوب ما زال يحتاج إلى «مُحرر». ولا يأتي «المحرر» إلا تحت يافطة «المقاومة». الاسم واحد ولكن الأدوار اختلفت، وكذلك الهوية والمواقع والأسباب. وحُمّل الحزب هذه «الصفة» وقام بالدور المطلوب منه وواجه اسرائيل، ثم انسحبت هذه الأخيرة (استُبقيت مزارع شبعا للشعار والذريعة).

ومن الطبيعي انه عند انسحاب العدو ان تنسحب المقاومة لأنها باتت «لزوم ما يلزم». لكن عندما يغيب عدو فيجب المحافظة على عنوان «المقاومة» لكي تكون مبررة. كيف! إما بالاستمرار في اعتبار العدو المنسحب عدواً لكن من دون أن تواجهه أو ان يُعين لها صانعها عدواً آخر... لا يحتل لا بلادها ولا جزءاً منها. وهكذا تواصلت المقاومة من دون مقاومة، لكن كبديل احتياطي جاهز ليصبح العدو داخلياً. والعدو الداخلي يرتبط بهوية المقاومة. فاذا كانت يسارية فالعدو هو اليمين (كما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية)، وإذا كانت يمينية فالعكس صحيح. وبما أن مقاومة «حزب الله« «مذهبية» صرفة بلا غش ولا «تهجين» بحسب هوية «مبتكرها» وهي إيران، فالعدو يصبح من المذهب الآخر أو المذاهب الأخرى أو الاثنية المختلفة.

وهكذا ازدوجت «هوية» «حزب الله«: مذهبية على دين مرشدها، وفارسية على أصوله. وهنا تسقط سببية المقاومة لتكتسب «سببية» أخرى، ان تصير هي المحتل نفسه وهنا يتبدى «ثوبها» الجديد: فبدلاً من أن تكون المقاومة المفترضة «جامعة» ومحتضنة بلادها فها هي تتقدم كمقّسمة، ومدمرة: حلّت اذاً محل الاحتلال الاسرائيلي في لبنان. لكن ورثت أيضاً من «عدوها» كل ما يجعله عدواً لبلادها وللعالم العربي ولفلسطين. تصبح «ميليشيا» بلا هوية تماماً كالمرتزقة، لكن بأهداف «كبرى» تبدأ من وطنها فتحاول سحقه بسلاحها، ثم ترتد على الدولة، ثم على الحرية، ثم على التحرير، ثم على المجتمع المدني (بما انها فاشية) ثم على العالم العربي باعتبارها «فارسية».

فالعدو الأول أي اسرائيل صار مصوناً، بات خارج الأولويات وخارج الأجندة لكن كرفيق درب تتقاطع معه على استراتيجية في صناعة الفتن المذهبية وتدمير العالم العربي وتقسيمه وتهجير أهله... بالتحالف مع من سبق أن حققت معه انجازات في هذا المضمار: أي النظام السوري. فالحلف منسجم بين أقلية صهيونية اغتصبت فلسطين وأقلية حكمت الأكثرية السورية (السنية) في سوريا وبين امتداد إلى مكونات العالم العربي سواء الاثنية أو الدينية أو المذهبية، لتستغل هذه التناقضات تسللاً إلى إثارة فتن تتصل بتلك المكونات. من لبنان: تماهت «المقاومة» بالنظام السوري «شكراً لسوريا» كأقلية لتستولي على لبنان، من خلال مراحل تعطيل الدولة ومؤسساتها ومصادرة القضاء واختراق الجيش وتشويه القوى الأمنية وضرب الاقتصاد ثم عزله عن محيطه العربي، لإستفراسه وتعطيل كل شيء وصولاً إلى انتخابات رأس الجمهورية.

مقاومة مملوكة
ولأنها «مقاومة» حزبية (مملوكة) كانتونية فقد جعلت من لبنان منصة عسكرية ومربعاً أمنياً للعدوان على العالم العربي الذي صار «العدو» البديل من اسرائيل. إذاً العدو العربي الجديد يستحق أن تستمر في اعتبار نفسها مقاومة! تواجه دولاً ذات سيادة وحكومات وشعوباً متجذرة، فها هو اليمن: خطة إيران هي تقسيمه مستغلة وجود فئة أقرب إلى «الشيعة» هي الحوثيون: الشيعة المفترضون ويتمردون على نظام بلادهم، باسم الفتنة المذهبية. والحزب كمقاوم يرسل خبراءه ومقاتليه (بتكليف شرعي من إيران الشيعية) لشحن الفتنة واحداث انقلاب مسلح تمهيداً لمد نفوذ الفرس إلى هذا البلد الشقيق. وها هو العراق: حلف مع أميركا لإسقاط النظام السني والاستيلاء على البلد من خلال فتن مذهبية: الشيعية الإيرانية ضد السنية العراقية، ثم ها هي سوريا: أقلية (شيعية) تتحكم ببلاد 80 بالمئة سُنة، وتواجه ثورة مدنية بالبطش لينضم إليها حزب «المقاومة» بشعار مذهبي ويعين الشعب السوري عدواً، يجب قتله، وتشريده وتدمير مدنه وتهجيره.

كل ذلك باسم «المقاومة»! وخلف غبار المعارك يخضع الحزب أكثر فأكثر لإيران المجسدة بفرض استراتيجيتها على العالم العربي وتفتيته دويلات وإقامة «هلالها» الشيعي كمعادل «اسرائيل الكبرى»: وهنا، وفي العراق وفي لبنان وسوريا... تختلط الإدارة الفارسية بالإسرائيلية ليصبح وجود «حزب الله« في هذه البلدان «بديلاً» موضوعياً من اسرائيل. فكيف يمكن ان تقاوم «المقاومة» اسرائيل وهي شريكها الاستراتيجي (كما اسرائيل شريك آل الأسد الأبدي) بل كيف لا تعلن ان اسرائيل ليست من «أولوياتها» ليعلن حسن نصرالله انه لا يريد ان يحارب اسرائيل. بل أكثر ليبدو الاتفاق بينهما جلياً في معظم القضايا المرتبطة بالمنطقة: يعني صار عند «حزب الله« مرشدان «أعلى». مُرشد جعل من الحزب حزباً «مملوكاً» وأداة طيعة وخاضعة ومرشد آخر جعل الحزب يمر قرب الجولان في سوريا... مرور الكرام ليقاتل العرب والسنة في سوريا.

من البوسنة
لكن كل هذا لا يكفي، فالمعركة واحدة، ذات أسلاك واحدة ومخططات واحدة في كل العالم العربي. فاليمن وسوريا والعراق ولبنان (وحتى البوسنة سابقاً) جزء من «المقاومة» المتماهية بأميركا واسرائيل ويجب عبر هذه المنصات العربية الوصول إلى كل العرب. واذا كانت اسرائيل لم تعد أولوية (ولا أُخروية ولا ثانوية ولا أساسية) فالأولوية إذاً اليوم مخصصة بعدو آخر: الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية. فهذه الأخيرة هي «بيضة القبان» و»قِبلة» مخططات الصهاينة وأميركا... والمملكة هدف إيران لأنها الجامع القوي لعنصرين: العروبة والإٍسلام. وهي الدولة الكبرى، اقتصادياً، وتأثيراً رابطاً بين الأرومة العربية والانتماء الإسلامي الأكثري. وهي العائق الأساسي أمام الحلف الجديد: تل أبيب + طهران + واشنطن + موسكو! فالرهان يستحق المجازفة ويستدعي المواجهة.

من هنا، فإن مقاومة «حزب الله« صارت ذات أذرع كثيرة بحسب ارتهاناتها: فلا الأميركان ظلوا «الشيطان الأكبر» ولا اسرائيل «الشر المطلق» ولا روسيا النظام الامبراطوري الأرثوذكسي (فهناك اليوم الاسلام السني متمثلاً بالسعودية والعروبة متمثلة بأكثرية الشعب العربي: والاثنان يجب تفكيكهما لاستحداث حدود جديدة ودول أو دويلات جديدة أو حتى شعوب «جديدة» تحت عنوان «البدائل» و«الاستعارات«. ونظن أن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة تصب نتائجه ودوافعه في لُب هذا المخطط الهجين (أو ليس هذا ما حدث في العراق: حلف بين إيران وبوش الابن واسرائيل). أوليس هذا ما سبق ان حصل في البوسنة عندما كُلف الحزب محاربة الصرب خدمة للولايات المتحدة وليس للمسلمين يا سيد حسن).

الأرض
لكن الأوطان والشعوب لا تنحصر لا بالأمكنة ولا بالأزمنة، ولا بالمناسبات ولا حتى بالحروب، أو بالمؤامرات أو الأزمات. فسوريا تاريخ وجغرافيا وانتماء ووشائج وولاء قبل أن تكون مجرد نظام أو سلطة. وكذلك اليمن ولبنان والعراق ولا يكفي أن ينتهز عدو كإيران الصهيونية الظروف لإلغاء كل هويات الأوطان المتراكمة عبر ألوف السنين. كل الأنظمة عابرة أما الأرض فباقية. كل الطغاة إلى زوال والشعب راسخ. يعني أنه لا يمكن أن يختزل بلد بحدث أو بظاهرة أو حتى باحتلال. وهذا لم تفهمه دولة الملالي ولا الكيان الصهيوني ولا روسيا بوتين ولا بوش الابن... ولا أميركا. فمن السهل اقتلاع حاكم أو تغيير طبيعة سلطة لكن لا يمكن اقتلاع الأرض وتالياً الشعب وتالياً الذاكرة وتالياً التاريخ وتالياً الانتماء. فهي ليست اعشاباً تُجزّ أو مبنى يُدمر. بل هي روح الأمة. هذا ما تعلمناه في لبنان: فقد خرج كل المحتلين منه وكل الميليشيات المرتبطة بالخارج وكل الأحزاب التي خانت أهلها.. وبقي الشعب، والأرض ولبنان. وهذا ما ينطبق على سوريا واليمن والعراق... والدلائل الحالية قرائن: إيران ذات المطامع التوسعية تتراجع أمام تحرك العراقيين وأمام هزيمة الحوثيين وأمام كثرة المتدخلين: صار تأثيرها في سوريا هامشياً ازاء روسيا. وهذه الأخيرة لن تكون سوى ضيف ثقيل سيغادر بلا أسف.

لعبة العبثية
انها اللعبة العبثية التي يحترفها الطغاة؛ فاذا كانت السعودية، اليوم، مستهدفة من طرف الحلف الاسرائيلي الإيراني الأميركي فهذا يؤكد أن المقاومة المزعومة التي يفاخر بها «مملوك» إيران، باتت في صفوف أعداء هذه البلدان العربية ولا فارق بينها وبين الصهيونية. وان هذا الحزب «الشعُوبي» الذي حُدّد له دور «لمحاربة» اسرائيل لا يتورع أن يُحدّد له دور للتحالف مع اسرائيل وخدمتها، فكيف تكون «مقاومة» ما، اذا باتت عدواناً على بلادها ودول لا تحتل أرضها؟ بل كيف تكون مقاومة اذا صارت هي جزءاً من احتلال دول أخرى. فهي في لبنان باتت «احتلالاً» تتمتع بكل مواصفات الاحتلالات التي عرفها هذا البلد. بل كيف تستمر هذه «المقاومة» متمسكة باسمها، وهي تعتدي باسم إيران على حدود بلد عربي هي السعودية، أو تحتل أجزاء من سوريا أو تتسلط بقوة السلاح الفارسي على الشعب اللبناني. مقاومة ماذا هذه؟ الشرعيات العربية؟ الوجود الإسلامي؟ الظواهر الديموقراطية؟ بل كيف تستمر مقاومة وهي تمحو حدود البلدان بتكليف وتمويل وتخطيط من بلد فارسي يحتل مدينة عربية هي الأهواز وثلاث جزر عربية هي طمب الصغرى وطمب الكبرى وجزيرة أبو موسى؟ بل كيف يمكن أن تتحالف مقاومة مع محتلين سابقين وحاليين ولا تكون امتداداً لتلك الدولة الصهيونية التي ما زالت تحتل فلسطين.. وتذبح الشعب الفلسطيني؟

ماذا فعلتم لفلسطين؟
وتقولون لنا يا سيد حسن «فلسطين»! وماذا فعلتم لفلسطين سوى عرقلة كل حل لقيام دولة مستقلة بحدودها ونظامها؟ وماذا فعلتم لفلسطين سوى تقسيم مقاومتها خدمة لاسرائيل؟ وماذا فعلتم لفلسطين سوى دفع بعض الأفرقاء المرتبطين لاستجرار اسرائيل لتدمير غزة؟ بل ماذا فعلتم لفلسطين سوى تحويل الانتباه عن قضيتها باختلاق تناقضات عربية تهمش نضالاتها وتضعف روافدها؟ ماذا فعلتم للقدس منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية؟ تعملون على التحريض ضد رموز فلسطين؟ أولم تهدر دم شعلة القضية الفلسطينية ياسر عرفات وهو الذي نجا من تواطؤ النظام الأسدي، وعاد إلى بلاده ليؤسس دولته؟ بل ماذا فعلتم لفلسطينيي سوريا سوى تدمير مخيم اليرموك وراء النظام «البعثي» الصهيوني؟ أدفن القضية العربية المركزية أولوية، واسرائيل لم تعد أولوية؟ وأسأل حزب سليماني (مجرم الحرب المشهود له) بم ساعدتم الفلسطينيين؟ لا شيء يذكر سوى الأذية والتآمر عليهم؟ وفي المقابل من دعم المقاومة الفلسطينية في لبنان وسواه وفي فلسطين سوى العرب الذين يهجوهم اليوم بحمية وكراهية لا حدود لهما السيد حسن نصرالله؟ المال والسلاح والمحافِل الدولية والصمود هي مسألة تنكبها العرب من العراق إلى ليبيا إلى مصر (عبد الناصر) إلى الجزائر إلى الخليج إلى تونس إلى المغرب... ما عدا نظام الأسد ثم ملاليهم! ولا نظن أن بعض البهرجات الاعلامية التي تلمع أحياناً في خطب خامنئي ونصرالله ضد اسرائيل ومع القدس، سوى ذر الرماد في العيون. نوع من محاولة بلاغية لفظية رنانة لتذكير الناس بأن إيران «صامدة» مع فلسطين، بعدما رمت كل الأسلحة ضد اسرائيل ووجهتها إلى صدور الشعب العربي؟ وهل يظن «حزب الله« (وخلفه الفرس) اننا نصدقهم عندما يهددون ويرعدون ويطبلون في كلمات طنانة ونطناطة الدولة العبرية وأميركا. كلام الاستهلاك لم يعد «يقبضه» أحد حتى حلفاء هذا الحزب الذي لم يتفوه يوماً بلسان الحقيقة أو الصدق!

القضية الفلسطينية هي في روح الأمة العربية وفي صُلب ايمانها لكن ماذا نفعل عندما يحاول بعض الخوارج «سرقة» الانتباه لا للعمل، ولا للمواجهة بل لحرف الأنظار عن هذه القضية وتيئيس الناس وتحويل المعارك الداخلية إلى أمكنة أخرى.

أأقول لم تفعلوا شيئاً منذ «اختراعكم» يا «حزب الله« في «مختبرات» المخابرات الإيرانية! لا! عفواً! كنتم أكثر من أحصنة طروادة داخل الأمة العربية.

ونظن انه بات ضرورياً ان تفهموا ان محاولاتكم لعب أدوار جديدة فاعلة قد انتهت. أو على الأقل قد انكشفت، بل باتت في أسفل احتمالات التأثير. فالعرب اليوم عرفوا أن وجودهم هو المستهدف وان الحروب المعلنة عليهم أكثر من سياسية... وها هم في عز صحوتهم يواجهون المخططات التي تريد محوهم من الخريطة. فهي إذاً باتت معركة حياة أو موت. نعم! فأنتم يا إيران من أيقظ المارد العربي! ليشكل مقاومته الشرعية التي لن توفر «مقاوماتكم» الفرانكشتينية!

نظن أن لعبة «البدائل» والاستعارات» بدأت ترتد على صانعيها!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة