انسحبت روسيا من سوريا كلياً أم بشكل جزئي، غير أنّ خطوتها المفاجئة هذه، جعلت الكثيرين يدرسون ما سيكون عليه مصير بعض دول المنطقة في المرحلة المقبلة. كما طرح أمر انسحابها، مسألة بقاء أو انسحاب «حزب الله» من هناك، وثمة من تساءل: لماذا يبقى الحزب بعد انسحاب روسيا؟
وإذا كان من البديهي طرح هذا السؤال، فإنّ أوساطاً ديبلوماسية عليمة تشرح بأنّ الحزب دخل في المعارك السورية قبل التدخّل العسكري الروسي بكثير، وبعد تدخّل فريق 14 آذار لدعم المعارضة السورية هناك بوقت غير قليل. ولهذا فإنّ انسحابه اليوم ليس مشروطاً بانسحاب روسيا أو ببقائها.
كذلك فإنّ روسيا التي دخلت الحرب لأسباب عديدة أبرزها مؤازرة الجيش السوري وتغطيته جوّاً لاسترداد بعض المناطق التي استولت عليها التنظيمات الارهابية، وليس فقط المعارضة المعتدلة، والتي اتهمها وزير الخارجية الاميركي جون كيري أخيراً بأنّها ارتكبت «إبادة» في كلّ من سوريا والعراق، فقتلت العديد من الضحايا الأبرياء وشرّدت العائلات ودمّرت الكنائس والمواقع الأثرية وغير ذلك ممّا يدخل ضمن باب الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والتي يُعاقب عليها القانون الدولي، لم تقل (أي روسيا) بأنّها ستبقى الى الأبد فيها، أو الى حين إيجاد الحلّ للأزمة السورية مطلقاً، بل أنّها تقوم بمهمة معينة وحدّدتها بأشهر ليس أكثر، لا سيما بعد أن أنجزت ما كان عليها القيام به، بحسب وجهة نظرها.
من هنا، استوعب الكثيرون هذا الانسحاب الذي وجدته بعض الدول العربية، ومنها قطر «خطوة إيجابية». والواقع هو كذلك، على ما أكّدت الأوساط نفسها، لأنّه يُفسح في المجال أكثر للحلّ السياسي الذي نادت به روسيا منذ اليوم الأول لبداية الأزمة، في الوقت الذي رأت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها (أي التحالف الدولي) أنّه لا بدّ من التدخّل العسكري الجوّي للقضاء على المجموعات الإرهابية، إلا أنّ محاولات التحالف باءت جميعها بالفشل.
أمّا موضوع انسحاب «حزب الله»، فأمر آخر، على ما تضيف الأوساط ذاتها، لأنّه يرتبط بوجود عدة مجموعات مسلّحة هناك تتصارع وتتقاتل. هذا قبل الهدنة الأخيرة بالطبع، وعليه، فإنّ بقاء كلّ المسلّحين فيها الى أي بلد أو جنسية انتموا، لا بدّ وأن يوضع حدّ له مع الحلّ السياسي الآتي. فالتوصّل الى اتفاق نهائي بين النظام والمعارضة لا بدّ وأن توضع له عدّة بنود أهمّها وقف نهائي لإطلاق النار والتزام جميع المتقاتلين به، ثمّ بند انسحاب جميع الجيوش العربية والأجنبية من الأراضي السورية وسوى ذلك. الأمر الذي سيحتم عندئذ على الجميع تنفيذ هذه البنود، وبالطبع سيكون «حزب الله» من بين هذه المجموعات المقاتلة المنسحبة.
وتجد الأوساط أنّه مع التحرّكات الدولية وجهود الأمم المتحدة، ومبعوثها الى سوريا ستيفان دو ميستورا يبدو أنّ مفاوضات جنيف سوف تتوصّل هذه المرة الى إيجاد الحلّ النهائي للأزمة لأنّ ذلك يصبّ في مصلحة الجميع. أمّا إذا قرّر الطرفان العودة الى المعارك في عدد من المحافظات، فإنّ الحلّ سيصبح بعيد المنال جدّاً. ولكن مجيء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في زيارة رسمية الى لبنان يوم الخميس المقبل في 24 آذار الجاري، وجولة وزيرة الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني قبله يوم الاثنين في 21 منه على لبنان والمنطقة، هي دلائل على قرب إيجاد الحلول لأزمات المنطقة، كما لدول الجوار التي تنعكس عليها تداعياتها وعلى رأسها أزمة النازحين السوريين ومسألة الارهاب.
ثمّ انّ الفدرلة التي بدأها الأكراد توحي، على ما تؤكّد الأوساط، بأنّ الجميع سوف يحصل على حقّه في المنطقة، على غرار الأكراد الذين حقّقوا حلمهم بإيجاد دولة لهم رغم معارضة النظام السوري للفدرلة وعدم الموافقة على تقسيم سوريا. فالوحدة في كلّ من سوريا والعراق باتت شبه مستحيلة، بعدما طافت الطائفة والتعصّب المذهبي والإتني على سطح المعارك فيها.
ولأنّ الوضع في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط بات ميؤوساً منه، على ما ترى بعض دول الخارج، فمن الأفضل لجميع الأطراف القبول بالمقترحات المقدّمة على طاولة المفاوضات، وإلا فإنّ البقاء الجزئي لروسيا في سوريا سيجعلها تتدخّل متى تشاء لضرب أي طرف تعتبره إرهابياً. ولعلّ أمر التدخّل والانسحاب هذا من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالطريقة التي حصلا فيها، هو الذي جعل روسيا تُعلن نفسها كلاعب قوي جدّاً على ساحة الصراع السوري وفي المنطقة.
كذلك فإنّ قرب الاتفاق التركي- الأوروبي جعلها تُسرّع قرار الانسحاب من سوريا لأنّ استمرارها هناك كان ليؤدّي الى مواجهة مسلّحة عنيفة بينها وبين تركيا، لا تدخل في حساباتها وهي في غنى عنها. وفي الوقت نفسه، فبعد أن توصّلت تركيا من خلال تداعيات الحرب السورية عليها، الى الاتفاق الذي طالما تمّنته مع الدول الأوروبية باسترداد النازحين السوريين مقابل ستة مليارات يورو وإلغاء تأشيرات الدخول بينها وبين دول الإتحاد الأوروبي والوعد بقبول انضمامها الى هذا الاتحاد، فإنّها لم تعد تريد إذكاء نار هذه الحرب، على ما شدّدت الأوساط نفسها، بل على العكس تماماً. فمن مصلحة تركيا اليوم التي ستتحمّل مسؤولية استرداد النازحين السوريين الذين لجأوا منها الى الدول الأوروبية رغم قبضها ثمن ذلك مبلغاً طائلاً، أن تساهم في تسريع الحلّ السياسي في سوريا، كما في إعادة إعمار البلاد لكي تعيد أكبر عدد ممكن من النازحين السوريين لديها الى بلادهم، لا سيما بعد أن حصلت من سنوات إيوائهم الأخيرة على ما كانت تريده من الاتحاد الأوروبي ولم تستطع تحقيقه على مدى العقود الماضية. علماً أنّ تركيا هي التي شجّعتهم وفتحت لهم باب الهجرة غير الشرعية من البحر والبرّ الى أوروبا للتوصّل الى مثل هذا الاتفاق، وقد حصلت بدهائها على ما أرادت فعلاً.
في المقابل، فإنّ استمرار المعارك البرية، وعمليات الكرّ والفرّ في بلاد شاسعة مثل العراق وسوريا، لم يوصل الى حسم نهائي لها على مدى السنوات الماضية، لهذا تُشجّع الدول الأجنبية على الحلّ السياسي في هذه المرحلة بدلاً من دخول قوّات بريّة عسكرية، على ما كانت ترغب كلّ من تركيا والسعودية في إقحام قوّاتها في هذه الحرب. الأمر الذي كان من شأنه إطالة عمر الأزمة بدلاً من إيقافها. في الوقت الذي جاء فيه انسحاب القوّات الروسية بهدف تليين موقف الحكومة السورية، وهذا ما حصل فعلاً، وإلا لم يتمّ التوافق على موعد لإجراء المفاوضات بين فريقي النظام والمعارضة بهدف إيجاد الحلّ النهائي للأزمة السورية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News