مختارات

خيرالله خيرالله

خيرالله خيرالله

الراي الكويتية
الثلاثاء 05 نيسان 2016 - 08:50 الراي الكويتية
خيرالله خيرالله

خيرالله خيرالله

الراي الكويتية

ليس دفاعاً عن "الشرق الأوسط"

placeholder

هل «الشرق الاوسط» كانت على حق في نشر الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته وظهر فيه العلم اللبناني والى جانبه عبارة «كذبة نيسان»؟ يمكن الدخول في نقاش طويل يتعلّق بالذهاب بعيدا في شرشحة لبنان والدولة عبر صحيفة ذات وزن تمتلك حضورا واسعا. ما لا يمكن ان يكون موضوع نقاش هو الاعتداء الذي تعرّضت له مكاتب الصحيفة في بيروت.

يدعم هذا الاعتداء، بكل اسف، وجهة نظر الذين باتوا يعتبرون دولة لبنان، اي الجمهورية اللبنانية، التي كانت يوما جمهورية سعيدة، مجرّد كذبة.

من يقف وراء الاعتداء، اي الجهة المعروفة اكثر من اللزوم، التي استخدمت رعاعا لتنفيذ المهمّة، هو من اساء الى لبنان، من وراء الاعتداء يحاول ان يجعل من لبنان كذبة حقيقية ومن علمه رمزا لتلك الكذبة.

قبل كلّ شيء، تحوّل لبنان الى بلد لا يستطيع فيه مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية. هل بلد من هذا النوع كذبة ام لا، خصوصا ان الجهة التي تمنع اجراء مثل هذه الانتخابات تتباهى بان الوطن الصغير صار تابعا لايران ليس الّا؟ لم يعد من مجال لانتخابات نيابية ايضا. ما معنى وجود مؤسسات في بلد يعتبر نفسه بلدا ديموقراطيا في غياب القدرة على اجراء مثل هذه الانتخابات؟

من اعتدى على مكاتب «الشرق الاوسط»، انما يتابع اعتداءاته على لبنان وعلى ضيوف البلد. ما حصل يندرج في سياق واضح كلّ الوضوح يستهدف عزل لبنان عن محيطه الطبيعي وجعله مجرد جرم يدور في الفلك الذي يريده «حزب الله. لا يمكن عزل الاعتداء على الصحيفة السعودية عن المحاولات المبذولة لتدجين لبنان. فعندما زار سعد الحريري بصفة كونه رئيسا لمجلس لوزراء طهران في العام 2010، واجه ثلاثة مطالب طرحها الجانب الايراني. المطلب الاول اعفاء المواطنين الايرانيين من تأشيرة دخول الى لبنان، «اسوة بالمواطنين الاتراك» على حد تعبير الايرانيين وقتذاك.

كان المطلب الثاني توقيع معاهدة دفاع مشترك بين لبنان وايران، على غرار الاتفاق الموقع بين النظام السوري وطهران، والثالث دخول ايران النظام المصرفي اللبناني. كان مطلوبا من لبنان ان يساعد ايران في تجاوز العقوبات الدولية التي فرضت عليها، بغض النظر عن انعكاسات ذلك على لبنان وعلى نظامه المصرفي واقتصاده!

رفض سعد الحريري المطالب الثلاثة من منطلق المحافظة على ما بقي من الدولة اللبنانية وسيادتها وقرارها المستقل وتوجّهها العربي. كانت النتيجة اسقاط حكومته من منزل الجنرال ميشال عون خلال وجوده في اجتماع مع الرئيس باراك اوباما في واشنطن.

لم يكتف سعد الحريري باحباط المخطط الايراني، بل حال دون توقيع العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية قتذاك، معاهدة الدفاع المشترك مع ايران اثناء وجود الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في قصر بعبدا.

لا يزال لبنان يعاني الى الآن من الهجمة الايرانية المستمرّة التي جعلت دول مجلس التعاون تمنع رعاياها من المجيء الى البلد. من المفيد التذكير بين حين وآخر انّ القرار الاوّل الذي اتخذته حكومة «حزب الله» التي خلفت حكومة الحريري وكانت برئاسة نجيب ميقاتي الغاء نظام التأشيرات للايرانيين...

يعيش لبنان واقعا أليما منذ سنوات طويلة، منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. عاد هذا الاتفاق بالويلات على اللبنانيين والفلسطينيين في آن.

صمد لبنان طويلا في وجه الهجمات التي يتعرّض لها والتي توّجت بالهجمة الشرسة التي تشنها ايران على السعودية من بيروت. صار شعار «الموت لآل سعود» متداولا بطريقة او بأخرى في كلّ مرّة يلقي فيها الامين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله خطابا او كلمة. صارت الحملة على السعودية اختصاصا لدى نصرالله الذي فُجع بـ «عاصفة الحزم» التي حالت دون سقوط اليمن في يد ايران.

ليس دفاعا عن «الشرق الاوسط». فالجريدة التي تطبع في لبنان وتوزّع فيه والتي تقدّر اهمّية بيروت قادرة على الدفاع عن نفسها. الدفاع هو عن لبنان الذي لم يعد يستطيع حماية مكاتب صحيفة عربية موجودة في بيروت اقرارا منها بأهمية العاصمة اللبنانية وتقديراً لها. هذه الجريدة موجودة في كلّ العالم، وهي تطبع وتوزّع في غير مكان، بما في ذلك المغرب، هل الهدف اخراج «الشرق الاوسط» من لبنان؟

نشهد اليوم فصلا آخر من مأساة لبنانية بدأت بقصة نجاح على كلّ صعيد وانتهت بمعاناة ثقافة الحياة، بل بداية هزيمتها، في المواجهة التي تخوضها مع ثقافة الموت. انّها الثقافة التي يسعى «حزب الله» الى نشرها وتعميمها انطلاقا من بيروت.

كان طموح كلّ عربي في الماضي المجيء الى بيروت وارسال اولاده الى جامعاتها. لا يمكن تجاهل ان العراقية زهى حديد التي غابت قبل ايام، وكانت بين اشهر المعماريين في العالم، خريجة الجامعة الأميركية في بيروت. انطلقت زهى حديد الى العالمية من لبنان ومن بيروت وليس من مكان آخر.

في استطاعة اللبنانيين الاستفادة من درس الاعتداء على مكاتب «الشرق الاوسط» لطرح سؤال في غاية البساطة هو ما الذي حلّ ببلدهم؟ هل آن اوان الاعتراف بانّ دويلة «حزب الله»، بكلّ ما تمثّله من تخلّف، انتصرت على الدولة اللبنانية؟ هل هذه هزيمة نهائية ام لا لفكرة اسمها لبنان المتنوع المنفتح على العالم؟

الثابت ان لبنان لا يمكن ان يستمرّ في صيغته الحالية بوجود حكومة معطّلة وفي غياب رئيس للجمهورية، خصوصا ان المخطط الهادف الى منع العرب من ان يكونوا موجودين فيه بلغ مرحلة متقدّمة. يترافق ذلك مع منع تنفيذ اي مشروع يمكن ان يساعد بيروت في استعادة حيويتها. هناك في المقابل مشروع مضاد للبنان يقوم على تهجير العرب منه والاستعاضة عنهم بالبؤس، مع ما يعنيه ذلك من تهجير للبنانيين من ارضهم.

هل مسموح ان يكون لبنان مجرد تابع لايران، يخوض بشكل مباشر المعارك التي لا تريد ان تخوضها؟ هل مسموح ان يكون اللبنانيون وقودا للحروب التي تخوضها ايران بالوكالة، على رأسها الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري؟ فضح الاعتداء على مكاتب «الشرق الاوسط» الدولة اللبنانية. من هنا، على ما بقي من الدولة الردّ بما يتناسب مع الحدث الذي هو اعتداء على لبنان اكثر من اي شيء آخر. يُفترض في الدولة اللبنانية، اذا كان من دولة، اتخاذ الاجراءات السريعة كي تؤكد ان الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته الصحيفة ليس حقيقة، بل هو بالفعل «كذبة اوّل نيسان»، كما يقول اللبنانيون...

مرّة اخرى، ليس دفاعا عن «الشرق الاوسط»، بل دفاعا عن لبنان الذي تبيّن مع مرور الوقت، وعلى الرغم من كلّ ما تعرّض له، بسبب الوجود الفلسطيني المسلّح والاحتلال السوري وسلاح «حزب الله» المذهبي وغير الشرعي انّه صيغة قابلة للحياة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة