لم يكن وجهه من قبل متجهما، هكذا، ولم يكن يريد ان يكون نسخة خشبية، او زجاجية، عن اندريه غروميكو. ثمة من قال له ان الساسة، والمحللين، في الغرب يرون في قراءة الوجوه عاملا اساسيا في الدخول الى الاخر...
هكذا اضطر سيرغي لافروف الى ان يتجهم. لا يتزحزح الا اذا تزحزح محادثه، او خصمه،دون ان يفقد، في اي حال، الروح الساخرة. هنا يتسنى له ان يصف الديبلوماسية الاميركية بديبلوماسية الليدي غاغا. لا يفعل جون كيري سوى انه يُظهر للملأ مفاتن اميركا. احيانا من دون الملابس الداخلية...
للتذكير ثانية، اثناء مؤتمر يالطا في شباط 1945، سأل الرئيس فرنكلين روزفلت مستشاره افريل هاريمان عن «ذاك الحائط الذي يكاد يجلس القرفصاء في اذن جوزف ستالين». قال له انه اندريه غروميكو الذي ما لبث ان اصبح لعشرات السنين وزيرا للخارجية...
وزير الخارجية الروسي يقول ان للاميركيين وجهين، ولغتين، وجه في الردهة المقفلة، ووجه امام الكاميرا، ولغة في الردهة المقفلة، ولغة امام الكاميرا...
ما الذي تغيّر في اميركا حتى اصبحت هكذا؟ المحللون الروس يرون ان الامبراطورية، في عهد باراك اوباما، كما لو انها في حقبة انتقالية، اي التحول من قعقعة السلاح الى الدبيب الديبلوماسي. لا حروب غب الطلب، لكن الازدواجية في المواقف مضجرة، ومنهكة، بل وقذرة احيانا...
لا تعرف ما اذا كان الاميركيون مع السعوديين او ضدهم، مع العراقيين او ضدهم، مع الاتراك او ضدهم، مع الاكراد او ضدهم، لا بل ان كيري غالبا ما يفاجىء لافروف بالشكوى من الحلفاء «الذين يعتبروننا احصنتهم او عرباتهم المطهمة».
يرون ايضا ان وزير خارجيتهم يستغرب حين يتفوه نظيره الاميركي بهذا الكلام، وهو الذي ادارت بلاده، وعلى مدى عقود، الشرق الاوسط كما لو انه عبارة عن مسرح للدمى. هل هي ثورة الدمى اذاً؟ كيري هو الذي يشكو...
اثناء المحادثات، يبدو كيري مشوشا، لافروف مازحه ذات يوم «الان علمت لماذا تصر على ان تحمل الحقيبة معك حتى الى السرير. من الافضل ان تترك الاشباح خارجا».
ثمة تعليقات روسية لا تقل اثارة، ودائما نقلا عمن يفتحون افواههم في وزارة الخارجية. الثابت ان لافروف ابلغ كيري بــ«انكم من اخترع الظواهر الابدية في الشرق الاوسط. اما نحن ، فلا ننظر الى بشار الاسد على انه حالة ابدية. سوريا هي الابدية، ولن نسلمها الى اي يد اخرى سوى الى السوريين».
كلام في منتهى الوضوح، واشنطن اخذت علما بأن سوريا هي روسيا وبأن روسيا هي سوريا، دائما الدولة لا النظام الذي يفترض ان يدرك انه بحاجة الى اكثر من جراحة دستورية وسياسية، لكي يستقطب غالبية السوريين، حتى الذين ذهبت بهم الحرب بعيدا.
هذا لا يعني، في اي حال، اشراك الفصائل التي تقول بانقلاب ايديولوجي في الصيغة، وفي اتجاه الدولة الاسلامية التي لا سند قرآنيا لها، في اي تسوية.دولة لا طائفية، ولا فئوية، وديمقراطية بطبيعة الحال...
موسكو ترى ان هذه التسوية تحتاج الى «ادمغة خلاقة» والى «اصابع خلافة». القوى الليبرالية، والعلمانية، او اللاطائفية، مبعثرة، كما انها لا تؤمن بخيار السلاح وانما بخيار الكلمة، والموقف، والرؤية، فيما القوى الاسلامية تتهيأ للانقضاض على السلطة، وبأي ثمن. لديها الديناميكية العسكرية كما الديناميكية الايديولوجية لفعل ذلك...
صحيح انها لا بد ان تقاتل بعضها البعض، لكنها قد تتوحد، تكتيكيا، ربما بدفع خارجي، لمواجهة اي تسوية تضعها على الرف. موسكو قالت كلمتها، سوريا لا يمكن ان تكون في يد ابي بكر البغدادي او في يد ابي محمد الجولاني، ولا في يد محمد مصطفى علوش.
استطرادا، سيبقى الروس في سوريا، الى ان تنتظم العملية السياسية كليا. هذا يحتاج الى سنوات. ما المشكلة ما دام الرئيس باراك اوباما مقتنع بأن التفاهم مع فلاديمير بوتين، او ان تفاهم الولايات المتحدة مع الاتحاد الروسي، يعيد التوازن الى المنطقة، لا بل انه ينتج نواة النظام العالمي الجديد الذي تحتاجه الكرة الارضية.
ولكن ماذا لو دخل دونالد ترامب الى البيت الابيض؟ الروس يرون فيه «الطاووس» لا الصقر. لا يستسيغون هيلاري كلينتون التي تدير الامبراطورية بالطريقة نفسها التي تدير بها مطبخ العائلة. ويقولون «هذا هو دونالد ترامب»، ولكن من يفهم هيلاري كلينتون؟
بطبيعة الحال، هناك سيناريوات لترحيل الازمات الى العهد المقبل في اميركا. الروس يقولون «منتهى الحماقة لان الازمات ستأكلهم حتما»!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News