وضع الوزير السابق جوزف الهاشم في متناول رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروع قانون للانتخابات النيابية يؤمن فرصا أقرب للتوافق حول النظامين النسبي والأكثري.
واوضح ان "هذا المشروع يتميز بمرونة تسهل التطبيق سواء بالنسبة الى تقسيم الدوائر أو الى الآلية الإقتراعية التي يصعب على الناخبين استيعابها في المدى المتبقي المنظور للاستحقاق النيابي.
وبالإستناد الى ملاحظات المجلس الدستوري وانطلاقا من الأسباب الموجبة التي يلحظها المشروع المقترع.
فقد خلص مشروع القانون الى:
أ- اعتماد القضاء دائرة إنتخابية بما في ذلك القضاء الإداري (مثلا: بعلبك الهرمل).
ب- إعتماد النظام الأكثري في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما دون، والنظام النسبي في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما فوق.
ج- تنطبق هذه القاعدة على الدوائر الإنتخابية الثلاث في مدينة بيروت".
وتابع:"الكلام على الإنتخابات النيابية، يعني حصرا النظام الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ سيادة الأمة، وعلى أن يختار الشعب حكامه بنفسه.
وإذا كان لكل مجتمع طبيعة وصفات وخصائص، فمن المحتم أن يكون نظامه العام متآلفا معها، وإلا فقد يصبح مجتمعا معرضا للهزات والإنتفاضات، أو راضخا تحت هيمنة الحاكم الجائر.
ولبنان الذي يتميز بصيغة فريدة تقوم على التوازن والتنوع الحضاري، فإن النظام الديمقراطي المنزه عن الشوائب والتشويه، هو الذي يحقق فيه العدالة والمساواة بين سائر الفئات، ويشكل صمام أمان للعيش المشترك، ويحصن الإستقرار الأمني والمناخ السياسي.
والقول بالنظام الديمقراطي، يستوجب تبيان أهم أركان هذا النظام وهي: سيادة الشعب، العدل والمساواة، الحرية الفردية والكرامة الإنسانية، وهي أركان لا تتأمن إلا بالإنتخابات الحرة، أي بالتعبير التجسيدي الصادق لإرادة الشعب على أنها مصدر السلطة الحاكمة، وقد نصت الدساتير التي اعتمدت الأنظمة الديمقراطية، "أن السلطة لا تكون شرعية إلا إذا كانت وليدة الإرادة العامة..." مثلما لحظت مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة د "أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية..."
أي قانون إذا، هو الذي يجسد النظام الديمقراطي في لبنان، ويحقق غاية الوطن في خصائصه المميزة وواقعه الفريد؟
لقد أدى اختلال القوانين الإنتخابية التي وضعت لدورات ما بعد الطائف الى إطاحة القواعد الإنتخابية وأهدافها، من سيادة الشعب، الى التنوع، والتوازن، والعدالة، والمساواة، وسددت الى العيش المشترك وهو غير معافى، إصابات أمعنت في إنهاكه، وأبرز ما نتج عن ذلك:
1- هبوط السلطة الإشتراعية على سلطة الشعب بإرادة فوقية ضاغطة، وبما هو أشبه بالتعيين الإنتخابي.
2- تعطيل اللعبة الديمقراطية في المراقبة والمحاسبة، وخرق معنى النظرية النيابية التي تفرض قيام النائب بإعمال المنيب، وإحلال إرادة النواب محل إرادة الشعب.
3- إستخفاف النواب بمصالح الناخبين وحاجات المناطق التي يمثلونها، على اعتبار أن فوزهم في الإنتخابات رهن بتركيب اللوائح لا بأصوات الإقتراع.
4- إنبثاق الحكومات بالمشيئة نفسها التي كونت المجلس النيابي، فانتفت بذلك حرارة الحركة الديمقراطية في المعارضة والموالاة، وأصبـح المجلس والحكومة خاضعين لسطلة واحدة.
5- قيام ما يعرف بترويكا السلطة التي احتكرت قرارات المجلس النيابي والحكومة، وتقاسمت فيما بينها مكاسب الخير العام.
6- السيطرة على القوانين ذات البعد الميثاقي، وذات الصلة بعلائق لبنان الخارجية وعقد الإتفاقات.
في الدائرة الانتخابية الوسطى والكبرى
في غياب الأحزاب الوطنية واستفحال الأحزاب الطائفية فإن الإنتخابات في الدائرة الكبرى أو الدائرة الوسطى التي دلت التجربة فيها سنة 2009 على أنها تؤدي الى نقيض ما تتوخاه الدمقراطية وهو حكم جمهور الشعب دون تمييز، بل بدت كأن قسما من الشعب يحكم قسما آخر، أو كأنها تنقاد الى قاغنون قهري ينتج عنه:
1- حصر نتائج الإنتخابات بالمرشحين الذي يختارهم رئيس اللائحة أو زعيم الدائرة في معزل عن إرادة الشعب، فيحل محل "الإنتخاب الإرادي"، ما يعرف ب"بالإنخاب الطبيعي" الذي يحافظ على بقاء سيطرة النفوذ وسطوة الهيمنة.
2- جعل المجلس النيابي حكرا على بضعة من رؤساء الكتل فإذا احتلف هؤلاء انقسم المجلس على نفسه وانقسم معه الشعب فتقع البلاد في دوامة اللغط الدستوري والأزمات الوطنية المفتوحة.
3- إستبعاد قيام جيل سياسي من أصحاب الأهلية والإستحقاق الذين يرتبطون بمصالح الشعب وإرادته، وإقصاء طبعة سياسية متجددة تؤمن تداول السلطة، وتعطل الفساد السياسي والإداري عبر استمرار أقطاب الطبقة السياسية نفسها ... "وإن أثقل مصائب الناس أن يقصى فضلاؤهم عن الأحكام" كما يقول أفلاطون في كتاب جمهوريته.
4- تعزيز الخطاب الطائفي والزعامة الطائفية وإفراز الدوائر الانتخابية مناطق نفوذ مذهبي وإقطاعي.
5- خلق الحواجز والمعوقات أمام إطلاق الأحزاب الوطنية والتجمعات السياسية تحت مظلة المؤثرات السياسية تحت مظلة المؤثرات الطائفية والعائلية.
الدائرة القضاء
إذا كان اعتماد القضاء كدائرة انتخابية يحقق فرصا أفضل من حيث صحة التمثيل، إلا أنه يباعد بين فرص المساواة المدنية فيما بين المرشحين والمقترعين بسبب التباين الفادح أحيانا بين قضاء وقضاء آخر لجهة عدد الناخبين وعدد المرشحين على السواء.
والمساواة المدنية التي تستند الى القانون الطبيعي والى العقد الاجتماعي هي التي تساوي بين جميع الأفراد في تمتعهم بالحقوق والتزامهم بالواجبات.
ومقدمة الدستور اللبناني الفقرة ج تؤكد على "العدالة الإجتماعية والمساواة. في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دونما تمايز أو تفضيل.."
فالقضاء كدائرة إنتخابية لا يحقق الشروط الكاملة للمساواة في الدوائر، كما في الحقوق والواجبات لا بين المرشحين ولا بين الناخبين. فإذا أخذنا كعينة على سبيل المثال قضائي: جبيل والمتن الشمالي، أو جبيل والشوف في جبل لبنان لاتضح الفارق في عدد المقاعد:
جبيل: ثلاثة مقاعد.
المتن الشمالي أو الشوف: ثمانية مقاعد.
" كما في عدد الناخبين:
جبيل: خمسة وسبعون ألف ناخب.
المتن الشمالي مئة وسبعون ألفا، أو الشوف: مئة وإثنان وثمانون ألفا(2).
1- طبيعية ونتائج انتخابات : 1992 - 1996 - 2005 - 2009.
أما في الدائرة القضاءين (قانون 1960) فيبرز الفارق شاسعا:
بعلبك - الهرمل : عشرة مقاعد.
البترون: مقعدان.
" كما في عدد الناخبين:
البترون: ثمانية وخمسون ألف ناخب.
بعلبك - الهرمل: مئتان وخمسة وخمسون ألف ناخب.
وذلك حسب إحصاء انتخابات 2009.
ونتيجة لهذا النوع من الخلل تقدم عدد من النواب بمراجعة لدى المجلس الدستوري لإبطال قانون الإنتخابات المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 13/1/2000 لأنه يخالف الدستور وينطوي على تقسيمات إنتخابية لا تراعي المبادىء الأساسية لمساواة المواطنين أمام القانون من خلال المساواة في التمثيل والتصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية (3).
كما أن المجلس الدستوري اللبناني كان قرر "أن قانون الإنتخاب يجب أن يكون واحدا لجميع المواطنين إنطلاقا من مبدأ إعطاء كل صوت القيمية الإقتراعية عينها في مختلف الدوائر الانتخابية ومن خلال المساواة في تقسيم هذه الدوائر (4).
2- هـذا يعني: أن الناخب في قضاء جبيل ينتخب ثلاثة نواب فيما الناخب في قضاء المتن أو الشوف ينتخب ثمانية نواب، والمرشح في جبيل يحتاج الى نحو عشرين ألف صوت للفوز، فيما المرشح في الشوف يحتاج الى ما يزيد على ستين ألف صوت، والمعادلة تصب أكثر بروزا على صعيد دائرتي بعلبك - الهرمل: ما يزيد على المئة ألف صوت، والبترون: نحو سبعة عشر ألف صوت.
الدائرة الفردية
يستخلص مما تقدم أن الدائرة الإنتخابية الفضلى التي تراعي خصائص لبنان وتحقق الغاية الإنتخابية الأصدق في الحرية والعدالة والمساواة هي الدائرة الفردية، فإذا كانت هذه الدائرة معتمدة في أرقى الدول ديمقراطية ومنها إنكلترا والولايات المتحدة وغيرها، فإنها بالنسبة الى واقع لبنان وحاله تعني إلتزام الحاضر لبناء المستقبل.
وبالرغم من أن الدائرة الفردية تتمير بأنها:
1- تؤمن تمثيلا نيابيا صحيحا، وتتيح التفاعل الديمقراطي عبر مواجهة مباشرة بين الناخب والنائب، في معزل عن الضغوط والمؤثرات.
2- تحقق المساواة في الحقوق والواجبات وتراعي موجبات الدستور في إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية عينها في الدوائر الإنتخابية المتساوية.
3- تفسح المجال واءعا أمام تمثيل سائر التيارات والتوجهات السياسية وتخلق تنوعا نيابيا تنبثق منه إئتلافات وتكتلات برلمانية متحررة ومتحركة تطلق عجلة المجلس النيابي عند الإنكماش التشريعي أو الإلتباس الدستوري.
3- جريدة النهار: 18 كانون الثاني 2000.
4- قرار المجلس الدستوري بالإجماع الرقم 4/69 تاريخ 7/8/1969.
وبالرغم من أن الدائرة الفردية تتميز بأنها:
1- تؤمن تمثيلا نيابيا صحيحا، وتتيح التفاعل الديمقراطي عبر مواجهة مباشرة بين الناخب والنائب، في معزل عن الضغوط والمؤثرات.
2- تحقق المساواة في الحقوق والواجبات وتراعي موجبات الدستور في إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية عينها في الدوائر الإنتخابية المتساوية.
3- تفسح المجال واسعا أمام تمثيل سائر التيارات والتوجهات السياسية وتخلق تنوعا نيابيا تنبثق منه إئتلافات وتكتلات برلمانية متحررة ومتحركة تطلق عجلة المجلس النيابي عند الإنكماش التشريعي أو الإلتباس الدستوري.
4- تجعل المجلس النيابي أكثر انسجاما معالتطلعات الشعبية والتوجهات الوطنية من خلال تنوع الأكثرية والأقلية، وتحقق المراقبة والمحاسبة في أعلى قدر من الإنتاجية.
5- تحرر المجلس النيابي من الهيمنة الخارجية وتعدد الولاءات، ومن تسديد إلتزامات الداخل في الداخل، والخارج في الداخل.
ولكن الحلول الفضلى لا يمكن تحقيقها في ظل جو وطني متشنج وانقسام سياسي هائج، وإن أي طرح في هذه الحال يتناول تعديلات جذرية حيال قانون الانتخابات، لا بد من أن يصطدم بحاجز قاطع من الرفض.
دائرة القضاء والقضاءين أو قانون 1960
لأن ما سمي قانون القضاء مع ما رافقه من إشكالية والتباس حول ما هو قضاء إداري، وما هو دائرة انتخابية تضم قضاءين على غرارا (بعلبك - الهرمل: البقاع الغربي - راشيا: مرجعيون - حاصبيا) يظل حاليا أقرب الى الإتفاق من سائر الدوائر الإنتخابية المطروحة.
وبما أن الإتفاق على مشروع قانون للانتخابات النيابية أصبح عقدة محورية في الإنشقاق السياسي القائم، وبات يشكل أزمة متقدمة على أزمة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل المؤسسات.
ومن أجل المساهمة في تبديد الإشكال وتسهيل المرور الى حل عادل متيسر يصعب تحقيقه بالتوزيع الجغرافي، ويمكن استدراكه بالنسبية.
ولأن النسبية علىمستوى المحافظة وما هو أوسع من قضاء، عملية معقدة ليس من السهل على الشعب استيعابها أو احتسابها على المدى المتبقي المنظور للاستحقاق الإنتخابي.
ومراعاة للعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المرشح والناخب، وتحقيق القدر الممكن من إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية نفسها.
لذلك أرى:
أن يتم إقرار قانون 1960 بأقضيته ودوائره، على أن يعتمد النظام الاكثري في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما دون، وتعتمد النسبية في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما فوق. وتنطبق هذه القاعدة على الدوائر الانتخابية الثلاث التي تتألف منها مدينة بيروت.
ومن المفضل أن تنطبق مع هذا القانون الإصلاحات الواردة في مشروع الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الإنتخابات.
خلاصة
الانتخابات النيابية في لبنان اليوم تختلف عما كانت عليه في أي مضى، وهناك أمثلة كثيرة وعبر، نستحضرها من الماضي، وتشخص أمامنا في الحاضر.
إنها إنتخابات بطلت المفاضلة فيها أن تكون تنافسيا ما بين القوى والتيارات والأشخاص، بقدر ما هي بين وطني غارق في المعاناة، غامض المصير، ووطن ينطلق نحو المعافاة في منفسح المستقبل.
إنها الإنتخابات التي ينبثق منها مجلس نيابي يشترع القوانين نيابي يشترع القوانين وينتخب الرؤساء، ويشكل الحكومات، ويحدد القضايا الوطنية ويدرأ عن لبنان دوامة الأزمات والأخطار، صونا لاستقراره الأمني والسياسي.
والإنتخابات المشوهة، والمثقلة بالعيوب، هي التي تنتج سلطة إشتراعية مشوهة وتجعل مبدأ الشرعية في المطلق موضع تجاذب ونزاع، ما يؤدي الى أزمة حكم خطيرة، والى تحول الصراع من صراع في النظام الى صراع على النظام، وخير ما يقتضيه الواجب اليوم هو إنقاذ لبنان النظام بواسطة الشرعية ووقاية لبنان الوطن من استفحال الصراعات".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News