إعتبر رئيس الجمهورية السابق، أمين الجميل، "اللعبة الدولية، الإقليمية الجديدة سنة 2016 حيال شعوب الشرق الأوسط تماثل بمصالحها وأهدافها ونياتها اللعبة الإقليمية سنة 1916".
وقال في افتتح "بيت المستقبل" ومؤسسة "كونراد أديناور" أعمال المؤتمر الذي ينعقد على مدى يومين في مقره في بكفيا، بعنوان "مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو: نظام جديد للشرق الأوسط؟": "المنطقة اليوم أمام ثورات شعبية وأحداث عسكرية، من حدود إيران حتى حدود مصر، تحدث ثغرات في الكيانات التي نشأت نتيجة اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر "سان ريمو". في نص اتفاقية سايكس بيكو المكون من 832 كلمة، لم ترد كلمة شعوب، ولا مرة، ولا عبارة حق تقرير المصير. وهذا إن دل على شيء، فعلى أن الجغرافيا أكثر من الانسان كانت معيار هذه الاتفاقية التي صيغت بين باريس ولندن وبطرسبورغ".
وأشار: "بينما كان الموفد الإنكليزي لورانس العرب يحث العرب على الثورة على الجيوش العثمانية مع وعد مكتوب بإقامة الدولة العربية، كان الديبلوماسيان البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو، يتفقان على مشروع مناقض يقضي بفصل المشرق عن شبه الجزيرة العربية وإنشاء كيانات متعددة فيه. وبموازاة هذه الازدواجية، برز تناقض ثالث تجسد بوعد بلفور حيث التزم وزير خارجية بريطانيا آرثور بلفور، باسم الحكومة البريطانية، للحركة الصهيونية في لندن بتسهيل إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين".
أضاف: "يمكن أن نضيف إلى المشاريع الثلاثة مشروعا أخر هو وعد بإقامة كيان كردي في شرق الأناضول ورد في اتفاقية "سيفر" سنة 1920، لكن الفكرة سقطت بسبب الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك". وأشار الى روسيا "كطرف ثالث في المفاوضات مع بريطانيا وفرنسا لاقتسام الشرق الأوسط وهندسته من خلال وزير خارجيتها سازانوف".
وتوقف عند ظاهرة أن "تكون كل الحروب والانقلابات التي نشبت في العالم العربي ولا سيما في الخليج والمشرق حدثت بعد انسحاب قوات الانتداب أو الاستعمار وبعد نيل الاستقلال: من حرب اليمن إلى الحروب الحدودية في الخليج، ومن حرب الأردن إلى حرب لبنان، ومن الحرب العراقية الايرانية إلى احتلال العراق للكويت، ومن الانقلابات العسكرية في غالبية الدول العربية وصولا إلى الثورات الضائعة والارهاب التكفيري والجهادي".
وقال: "من مفارقات التاريخ الحديث أن الشعوب العربية التي كانت تناضل لتغيير الكيانات التي استحدثها اتفاق سايكس بيكو والمؤتمرات اللاحقة بعد الحرب العالمية الأولى (1914 / 1918)، أصبح أقصى مناها، اليوم، بعد الثورات العربية المشوهة (2010 / 2016)، أن تحافظ على كياناتها وتنقذ حدودها الدولية التي أرستها مندرجات اتفاقية سايكس بيكو. والواقع إن كيانات سايكس بيكو صمدت على العموم من باب المندب في الخليج إلى الناقورة في لبنان طوال مئة سنة. وباستثناء اجتياح داعش للحدود السورية العراقية، كل محاولات تعديل هذه الكيانات تجري، حتى الآن على الأقل، من داخل حدودها باتجاه اعتماد الفدراليات وأقاليم الحكم الذاتي، ما يعني أن هذه الكيانات لم تكن أصغر من طموح المكونات الاجتماعية، وتحديدا الإسلامية، بل أكبر أحيانا".
وقارن بين "سايكس بيكو القديم الذي نقل المشرق من ولايات غير معترف بها إلى دول معترف بها دوليا، وسايكس بيكو الجديد الذي سيحوِّل الدول كانتونات. والفارق الآخر هو أن الهندسة الأولى كانت أجنبية الصنع، بينما الهندسة الجديدة هي صنع عربي وإسلامي بدعم أجنبي".
وقال: "ان شعوب الشرق الأوسط تتجه للخروج من كيانات سايكس بيكو والعودة إلى كيانات السلطنة العثمانية دون ولوج كيان الأمة العربية التي لم تتحقق يوما لأنها أصلا مجرد حلم أو شعور لحالة مجازية".
وصحح الجميل بعض الأخطاء الشائعة فـ "خلافا لما هو شائع، لم يكن لبنان وسوريا موحدين حتى نتهم اتفاقية "سايكس بيكو" بفصلهما. فلبنان كان متصرفية مقضومة الأقضية الأربعة (من الساحل والجنوب والبقاع والشمال)، وسوريا ولايات متفرقة (دمشق، حلب، جبل الدروز، الساحل العلوي ولواء إسكندرون).
وأشار الى أنه "خلافا لما هو رائج، ليس لبنان الحالي وليد اتفاقية سايكس بيكو. إنه ثمرة عناد أعيان لبنان، وفي طليعتهم الموارنة بقيادة البطريرك الماروني الياس الحويك، الذين أقنعوا فرنسا في مؤتمري باريس (1918 و 1919) وسان ريمو (1920) بتصويب تلك الاتفاقية وإنشاء كيان لبناني مستقل على كامل الأراضي اللبنانية".
وقال: "واجه اللبنانيون، نص اتفاقية سايكس بيكو (مساحة لبنانية ـ سورية تحت نفوذ فرنسي بدون حدود داخلية)، ورفضوا منطق وعد بلفور (وطن قومي مسيحي على غرار إسرائيل)، واختاروا مشروع الوحدة (التعايش المسيحي - الإسلامي - الدرزي) والاستقلال (القرار الحر) والديمقراطية (الشعب مصدر السلطة). وأكد اللبنانيون على هذا التوجه في ميثاقهم الوطني إثر الاستقلال سنة 1943".
أضاف: "الرهان اليوم هو على مدى قدرة الشعوب العربية على اختصار مخاضها فتنتقل من الحرب إلى الحلول السياسية، وعلى مدى قدرتها أيضا على استعادة استقلالها ليس من المستعمرين الغربيين كما كانت الحال، بل من الحالة الإسلامية الجهادية والتكفيرية العربية والإقليمية، ومن الجهل والأنظمة الأحادية. والرهان أيضا هو على مدى قدرة لبنان على ألا يتورط لا في حروب الآخرين، بل في خرائطهم أيضا. إن رسالة اللبنانيين، لا مصلحتهم فقط، تحتم عليهم أن يحافظوا على خريطتهم التاريخية ودولتهم الديمقراطية وصيغتهم التعددية وخصوصياتهم الحضارية. وإذا كان لنا في العقود الماضية هامشا للعبث، فالمرحلة المصيرية الآن لا تسمح بالمغامرة والمجازفة والانحياز. حتى هذه الساعة، كان اللبنانيون يؤكدون تمسكهم بكيان لبنان الواحد، ولا يزال لبنان واحدا رغم الانقسامات القائمة".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News