ايها السادة، لسنا بأغبياء!
ولسنا قطعانا من الماعز، ولا قطعانا من الدجاج. نحن امامكم لاجراء الفحص النووي لكي تتأكدوا اننا ابناء شرعيون للخطيئة الاصلية. رائع فرانز فانون حين كتب «قيل لنا ان السيد المسيح عُلق على خشبة لانقاذنا من الخطيئة. اذاً، لماذا يصرالله على ان يعاقبنا؟».
هؤلاء الذين يحاولون اقناعنا بأن تنظيم الدولة الاسلامية هو الذي يهددنا، ويقطع روؤسنا، ويجعل منا قوالب خشبية، في ظل تلك الايديولوجيا الخشبية...
دعونا نتأمل، ولو لبرهة في المشهد، هل تنظيم «داعش» اشد خطرا علينا، وعلى بقائنا، من الصراع السني - الشيعي الذي يبدو واضحا للملأ ان هناك من يمضي في تأجيجه لاغراض تتعلق بالبقاء هنا وبالتمدد الجيوستراتيجي هناك؟
مرة واحدة، صدقونا اننا لسنا اغبياء، واننا من جماعة ديكارت الذي قال « أنا افكر اذا انا موجود». في العالم العربي «انا افكر اذاً انا لست موجودا».
لو كان متاحا لنا ان نفكر لما كانت هذه احوالنا، ولما كنا في قاع الامم. كل الانظمة التي ترونها امامكم لا علاقة لها بديناميكية الازمنة، وان حاولت تسويق تلك الثقافة البلهاء بأن الحداثة هي في سراويل كوكو شانيل وفي الابراج التي تلامس عزيزنا المريخ...
ها ان واشنطن تبشرنا بأن التنظيم على وشك الاندثار بعدما اُستنفد تكتيكيا واستراتيجيا على السواء. فريد زكريا، المعلق الاميركي الشهير، يقول ان الذين اخترعوا «داعش» ووظفوه في زعزعة الدول، وفي تسويق ثقافة الكراهية، وفي اعادة المجتمعات الى العصر الحجري هم انفسهم الذي يطبقون عليه الان.
ولنتصور اي مشهد سيكون امامنا حين تزول «داعش». هل ندخل في الثقافة الاخرى، اي ثقافة القرن، ام نعود الى الثلاجة لكي ننتج نسخة اشد هولا من النسخة التي ملأت المشهد على امتداد السنوات الثلاث المنصرمة...
ماذا يعني دحر التنظيم او اجتثاثه اذا لم نكن امام انظمة بديلة او اذا لم نكن امام مفاهيم بديلة وامام علاقات بديلة؟
مهزلة ان نقرأ لمعلقين عرب، ومن واشنطن او من باريس، بأن جهة واحدة هي المسؤولة عن كل هذا الذي يحدث في المنطقة. وبأن نظام بشار الاسد هو النظام التوتاليتاري الوحيد في المنطقة. كل الانظمة الاخرى استوحت فلسفتها، ودساتيرها، ونظرتها الى الكائن البشري من جمهورية افلاطون لا من جمهورية هولاكو...
نحن امام صراع سني - شيعي. العرب والايرانيون هم ابطاله وهم وقوده. هنا المشكلة الحقيقية، وليس الخليفة بالذوءابتين اللتين على الكتف وبالساعة الثمينة التي لم يدرك يوما ان عقاربها تقول له ان الزمن يمضي الى الامام لا الى ما قبل آدم وحواء...
هذا يعني اننا آتون، ذاهبون، الى ما هو اعظم. القوى الكبرى تضحك علينا وتصوّر لنا ان ابا بكر البغدادي هو من يهدد وجودنا. لا شيء آخر، وهنا بلقنة المجتمعات لا بلقنة الدول. التأجيج المذهبي الى تصاعد، فيما يقال لنا إياكم والفتنة الكبرى، كما لو ان الفتنة الكبرى لم تتغلغل الى عظامنا...
اذاً، انها الحرب الكبرى آتية لا محالة. سعوديون ويسألون كيف يمكن للايرانيين اقناعنا بأن عدوهم الوحيد هو اسرائيل، وهم الذين يكرسون في كل لحظة الطقوس التي تحول الدين من ظاهرة (وتظاهرة) الهية الى ظاهرة (وتظاهرة) ايديولوجية؟ وايرانيون يسألون كيف يمكن للسعوديين اقناعنا بأنهم حماة الاسلام و المسلمين. فيما نرى حتى في اطروحات الدكتوراه في جامعة محمد بن سعود عناوين تدعو الى الضغينة، والانغلاق، وحتى الدعوة الى «السيوف المسلولة» ضد «الملّة المخذولة»؟
تنظيم الدولة الاسلامية لا يخيفنا. حالة طارئة وانتجها عقل جهمني لأغراض محدودة، وان بتفجير ذلك المخزون الايديولوجي الذي تراكم في لاوعينا على مدى قرون. الذي يخيفنا هو الاصرار على المضي بالصراع الى قيام الساعة (لاحظوا اننا في لبنان مختلفون حول قانون الانتخاب كما لو ان الذي يجري حولنا الان انما يجري على ضفاف الامازون).
عادة، ولاننا المعروضون دوما في سوق النخاسة، ثابرنا في الرهان على تحوّل في السياسة الاميركية كلما حلّ زائر جديد على البيت الابيض، دون ان نأخذ بالوصف الفذ، والتراجيدي، لناعوم تشومسكي لنا بـ «بقايا اللامبالاة».
هل ننتظر دونالد ترامب الذي بالكاد يرى فينا كائنات بشرية ام ننتظر هيلاري كلينتون التي ترى ان الايقاع التوتاليتاري في المنطقة ضرورة استراتيجية بقدر ما هو ضرورة ايديولوجية. بعبارة اخرى تكريس ذلك النظام الاقليمي الذي يقوم على التوازن في الجثث...
حاولوا الوقوف معنا والاعتراض على اجتثاث دولة الخلافة. فقط لان الآتي اعظم!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News