رأى المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الشيوعي في تقرير اصدره عن الانتخابات البلدية، ان هذه الانتخابات، "محطة على طريق استعادة الحياة السياسية في لبنان".
ولاحظ التقرير "أن الانتخابات البلدية سارت في مجملها ضمن سياق سياسي لبناني عام عنوانه الأبرز: وقف الحياة السياسية في بندها التنفيذي، على باب رأس هرم الحكم، أي عند تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ومنع سلاسة انسياب نسخة الديمقراطية المعروفة لبنانيا، في بندها التمثيلي، أي عند عائق منع إجراء الانتخابات النيابية، والاكتفاء بالتجديد للمجلس النيابي. تعطيل السياق السياسي الطبيعي للوضع اللبناني، جاء كنتيجة لحالة التمزق التي أصابت النسيج الاجتماعي على يد أهل الطائفيات المتناحرة، وصار بالتالي، أي التمزق، ذريعة سدَّ بها القيِّمون على أحوال الطائفيات الأبواب أمام كل محاولة جادة لرتق التمزق الذي نال من ثوب الاجتماع اللبناني، بدعاوى عدم جاهزية الأوضاع لإجراء الانتخابات، وبإعلانات الخوف من تداعيات العملية الانتخابية على الأمن وعلى السلم الأهلي. رفع الغطاء عن الوضع اللبناني، والتلاعب بالقليل الباقي له من أسباب الحصانة الذاتية الداخلية، رافقه تعريض البنى اللبنانية كلها إلى أخطار إلحاقها بالخارج، وجعلها رهينة للسياسات الوافدة من خارج الحدود، والانخراط العملي في تنفيذ هذه السياسات، جزئيا أو على نحو شبه كلي، أما الجديد في مسالك الطائفيات الملتحقة، فهو الجهر بسياساتها، والعناية بتدبيج فذلكات نظرية وسياسية تبريرية لأفعالها. ذلك هو الأمر مع كل القوى السياسية التي صارت جزءا من "نظام" المحاور العربية والإقليمية. ميادين القتال في سوريا واليمن والعراق، شاهدة على سوء أفعال الالتحاق اللبناني، ومنابر القول والإعلام والإعلان شاهدة على سوء أقواله التي تنطوي على الكثير من التضليل، ونادرا ما تتضمن النطق بالصدق، حتى ولو كان النطق بكلمات محددة ومحدودة".
ولفت التقرير الى "الحراك المدني النابض الذي عاشته شوارع العاصمة بيروت، وعرفت أشكالا منه بعض المناطق اللبنانية الأخرى. لقد نزل الآلاف من اللبنانيين في تظاهرات احتجاج ضد الاستهتار السياسي العام الذي صار سمة للتوليفة السياسية الحاكمة والمتحكمة، ثم تقدمت صفة الفساد السياسي لتصير مادة تنديد شعبي، وبعد أن حاولت أطراف كثيرة، شعبية ورسمية، الصاق تهمة الفساد بأطراف من "طاقم الحكم" دون غيرها، تجرأت مجموعات مدنية - حزبية مختلفة، على المناداة بفساد الجميع، وكان شعار "كلن يعني كلن" واضح الدلالة في هذا المجال. لقد كان كل ذلك مؤشرا ذا دلالة على أن قبضة تعطيل السياسة ليست تامة الإحكام، وأن سياسة تخريب الإدارة وتسميم الحياة الوطنية قد أصيبت بتقلص في دوائر نفوذها الاجتماعي، مما يلامس القول أن القدرة على إنتاج سياسة السيطرة والهيمنة باتت رهنا فقط، بتأمين تماسك القاعدة الطائفية أو المذهبية الخاصة، وبامتلاك وسائل ردع وقمع وتهميش الخَارِجين على أحكام هكذا سياسة، ضمن البيئة الخاصة بكل لون أهلي، وضمن البيئات الأخرى المختلفة والمخالفة، في السياسة وفي الألوان".
واعتبر أن "حيوية أيام الحراك كانت من أسباب السماح بإجراء الانتخابات البلدية".
ولفت التقرير الى "ان المزاج الشعبي الغالب على الكتلة الأهلية الشيعية، ما زال يسلس القياد لتحالف حزب الله وحركة أمل، وقد ظهر ذلك جليا من خلال غياب الترشيح البلدي الجدي، الذي يمكن أن ينازع الثنائي سيطرته"، مشيرا الى ان "الانقياد العام الذي ظلَّل أداء الكتلة الشيعية، والتسليم السياسي الإجمالي بالمنطق السياسي للثنائي الذي يقودها، لم يمنعا بروز حالات تذمر وتململ وتفلت، عبرت عن ذاتها في الاعتراض على نهج تشكيل اللوائح البلدية، وعلى واقع صياغة التوازنات المحلية من خلال عملية التشكيل، لكن كل ذلك تمَّ تحت سقف التسليم العام بالسيطرة الإجمالية التي يمسك بمفاتيحها كل من حزب الله وحركة أمل".
ورأى التقرير "أن الثنائية الشيعية خاضت معركتها الانتخابية وهي مطمئنة إلى ثبات أوضاعها، ولعلها تمتعت بالاطمئنان الأوسع والأوثق من بين سائر الكتل الأهلية الباقية".
وتابع التقرير: "لقد حملت نتائج الانتخابات البلدية ما يؤكد فرضيات التراجع والضعف التي أصابت تيار المستقبل، وما يؤكد واقع اهتزاز الانسجام الذي كان ينتظم صفوف السنية السياسية، الانسجام الذي ساهم في حياكته الحريري الأب، بقوة المصالح وبشبكة التحالفات، وبمنوعات الأدوار، وبالإضافة الشخصية التي توفرت فيها بعض الكاريزما القيادية"، ملاحظا "أن الصدمة الأشد التي تلقاها تيار المستقبل قد جاءت من طرابلس، وقبلها كان تمرين التراجع الأول في العاصمة بيروت، وما بين العاصمتين، كانت انتخابات صيدا مطرحا للمشاكسة في التحضير وفي التنفيذ، أي أن المعركة البلدية لم تكن سلسة وسهلة المنال".
واشار التقرير الى ان "البلديات شكلت تمرينا أول لاختبار سلوك الثنائي القواتي - الوطني الحر، وقد كانت الإيجابية هي السمة العامة لهذا التمرين، لناحية الانضباط تحت سقف التفاهم، بشكل إجمالي، ولناحية النجاح البلدي في بعض المدن الأساسية، والمثال الأوضح على هذا الصعيد جاء من مدينة زحلة أولا، ومن مدينة جونية لاحقا".
اضاف: "اصطدم اختبار القوة الثنائية بعائق موضوعي هو السمة المحلية للانتخابات البلدية، مما لا يجزم ببطلان ادعاء الغلبة التمثيلية المسيحية لطرفي الثنائية، ومما لا يجزم أيضا بتأكيد ادعاء اكتساح الساحة المسيحية بقوة هذين الطرفين أيضا"، مؤكدا "أن الاختبار الأهم لنفوذ كل القوى المسيحية، سيكون في ميدان الانتخابات النيابية، في حال التوصل إلى تفاهم على إجرائها، والتوافق على قانون الانتخاب الجديد الذي سيتم الاستحقاق الانتخابي في ظله".
واكد ان "الحصيلة البلدية للثنائي لم تكن محبطة، لكنها لم تكن باهرة وفق ما افترض لها من مقدمات، وما أناط بها من توقعات".
واعتبر "ان الدرزية السياسية اجتازت الانتخابات البلدية بهدوء فاق الهدوء الذي عرفته الكتل الطائفية الأخرى، وهي لم تواجه بذات المستوى من التفلت أو المعارضة أو الاحتجاج الذي واجهته زميلاتها من الطائفيات. لكن الهدوء "البلدي" الإجمالي الذي عرفته الدرزية السياسية، لا يعكس واقع حال قلقها "الوجودي"، عندما يتعلق الأمر بمقاربة كل معضلة الكيانية اللبنانية، وموقع "الجبل الدرزي" فيها"، مشيرا الى ان "الإرسلانية ما زالت تحتل الموقع المتأخر عن الجنبلاطية، في المشهد السياسي العام، وفي المشهد البلدي المحلي".
وقال: "أن واقع الدرزية السياسية ما زال الأقل اصطراعا، وأنه ما زال متحلقا بشكل عام حول عصبياته الموروثة، وتراثه المتحدر إليه من الحقبة الجنبلاطية، بنسختيها الأولى والحالية، وأن نفوذ القيادات المصطنعة، التي تفبركها الأجهزة والطائفيات الأخرى، ما زال على الأرجح زوبعة عابرة في فنجان البيئة الدرزية الواسعة. وبالاستناد إلى حصيلة الانتخابات البلدية الإجمالية، أن الجنبلاطية ما زالت تحتل المقعد الأول ضمن بيئتها".
اضاف التقرير: "أظهرت الانتخابات البلدية حقيقة انتشار "بقع الزيت" اليسارية في مختلف المناطق اللبنانية، مما يعني أن آلة النظام الطائفي اللبناني لم تستطع هرس الجسم اليساري؛ رغم نجاحها في شله وفي إبطال تفاعلات نفوذه، وفي محاصرته بكل الأسلحة الأهلية".
وتحدث التقرير عن "أداء الحزب الشيوعي"، مشيرا الى ان "سياسة طلب التسوية حكمت أداء الحزب وهو كان طالب ائتلاف وليس صانع معارضة". الا انه اعتبر ان "الانتخابات البلدية اعادت، حضور "الجسم" الشيوعي في مختلف المناطق اللبنانية".
واشار التقرير الى ان "منظمة العمل الشيوعي سجلت نجاحا عاما في تنفيذ وجهتها، وظلت استقلالية ممارستها واضحة عموما".
وخلص التقرير الى ان "اجراء الانتخابات البلدية اثبت أنه لا يمكن للسلطة القائمة الاستمرار في سياساتها المقفلة على حياة اللبنانيين، لذلك كان لابد من كوة تنفيسية في جدار الصد السلطوي العام لكافة الاستحقاقات الدستورية. ولقد أظهرت اللوحة الانتخابية سمات مشتركة بين قوى الطوائف لجهة سعيها إلى الاستئثار بالقرار، والفوز بالنصيب الأوفر من التمثيل الشعبي الأهلي، والنطق بخطاب المصالح الطائفية والمذهبية انطلاقا من رؤيتها الخاصة لهذه المصالح، كما قدمت اللوحة الانتخابية ذاتها مشهدا مقاوما لنزعة الإقصاء، وقد تفاوتت اللغة والممارسة بين بيئة طائفية وأخرى، حسب تفاوت حجم ووزن الموروث السياسي التقليدي ضمنها، تحت مسمى البيوت السياسية التي تلاشت تقريبا في مناطق الشيعية السياسية، وجرى إضعافها في بيئة السنية السياسية، ونجا العديد منها، في الجغرافيا الأهلية المسيحية".
اضاف:"ارتفعت ستارة الانتخابات البلدية أيضا عن وجود يساري متنوع، أبرزه الوجود الشيوعي، ومع هذا الوجود برز حضور مهم وذو مغزى لمجموعات من "المجتمع المدني" التي خرجت من معموديتها السياسية أيام الحراك، وتتطلع الآن إلى دور أوسع تحت عناوينها الحقوقية التي لا تنفصل عن السياسة بمعناها الواسع".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News