عبدالله قمح - ليبانون ديبايت
تتجه الأمور اللبنانية إلى مزيدٍ من التعقيد في ضوء توسع هوة الإنقسامات السياسية العامودية التي باتت تشمل كل شيء. ومع مرور الذكرى الثانية لمأساة الشغور الرئاسي، تنسحب الكارثة على مجلس الوزراء الذي بات شبه معطل نتيجة تسرّبات الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمؤسسة الوحيدة حالياً التي تحافظ على ديمومة الدولة على الرغم من كل علامات الإستفهام حولها.
وبينما يلفظ الأقطاب السياسيون مساعي الحل الأخيرة، يبرز الدور الإقليمي عاملاً سلبياً من زيادة الشحن الداخلي على أعتاب إنهيار مبادرات التسوية التي سميت "مبادرات اللحظة الاخيرة" كان أبرزها مبادرة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله القائمة على مبدأ "عون في بعبدا والحريري في السراي" والتي أجهضت فور الإعلان عنها. ومع زيادة التخبط على المستوى السياسي وفي كافة الصعد، يبرز إلى الواجهة الإشتباك الحاصل في طاولتي الحوار ومجلس الوزراء الذي تعود أسبابه أساساً إلى الشغور الرئاسي حيث باتت الكثير من القضايا بحاجة إلى سلطة رئيس لكي يُبت بها.
من أين نأتي بالرئيس؟
ثمة من يخبط كفيه حسرةً داخل الطقم السياسي على ضياع فرصة عون - الحريري الأخيرة التي كانت ستُغيّر الكثير على مستوى البلاد، وثمة من يرجّح أسباب الأزمة الحالية إلى تكدّس الأزمات السابقة وعدم جدية فريق في الحل. وبين هذا وذاك، تخرج "علامات لبنانية" توجّه أصابع الإتهام نحو السعودية التي تعطّل مسار الحل اللبناني. يبنى في هذه النظرة والإتهام على أسلوب السعودية الواضح في قطع الطريق على الإتيان برئيس في بعبدا، لأن السعودية، ووفق مصادر سياسية لـ"ليبانون ديبايت"، تسعى إلى بلورة حل إقليمي شامل، وهي ترفض بالتالي فض الإشتباك بين ما هو إقليمي وما هو محلي. فمثلاً، تريد السعودية حلاً يمنياً سورياً خليجياً شاملاً مع إيران لتعبد الطريق نحو حل لبناني مع حزب الله، ومن خارج هذه الإستراتيجية لا حل!
كلام صريح سمعه الحريري في السعودية، على ما تؤكد المصادر، في حين يجد الرجل صعوبةً في لقاء ولي ولي العهد محمد بن سلمان المنهمك بزياراته الدولية وغرقة بوحول اليمن، بينما تُسدّ أبواب الملك في وجهه، الغاضب من ما آلت إليه أمور الحريري الإقتصادية وتضييعه فرص معاودة رفعه مالياً.
وفي غمار كل ذلك، ثمة سؤال يطرح في الباب السعودي، عن وجهة الإتيان بالرئيس طالما أن المملكة لا تعر شأناً للملف اللبناني، و "تخرّب" جميع مساعي الحل على الرغم من طرح إسم الحريري الذي كان يجب أن يزكى في الرياض لكن الغرق في وحول الحرب اليمنية ومسائل الأزمة السياسية المعقدة أغشى العين السعودية.
تسهيلات لبنانية!
وعلى المستوى اللبنانية تجد الأمور أسهل على الرغم من كل مشاهد التعقيد، فلا زال هناك كوة تفتح في جدار الأزمة، وعلى الرغم من مجاراة حزب الله للتيار الوطني الحر في مقاطعة جلسة الحكومة، لكن الحزب لا زال يردّد أنه يريد المحافظة عليها قدر الإمكان كونها المؤسسة الوحيدة الضامنة للحياة السياسية حالياً. ويفلت الحزب في كثيرٍ من النواحي، إلى سعيه الدائم لحل معضلة الرئاسة من خلال تخليه عن مرتكزات بنى سياسته في الفترة الماضية عليها، ولعل أبرزها قطع الطريق أمام وصول الحريري إلى السراي، من أجل المصلحة العليا، لا بل سعى إلى تحرير العقد الحكومي ملمحاً أمام شقيق الرئيس الحريري، نادر، الذي زاره قبل فترة، أنه وفي عملية التشكيل، مستعد لأن يكون ليناً أكثر من العادة إفساحاً في المجال أمام العهد الجديد.
وفي قراءة مصادر سياسية متابعة لخيوط الأزمة، ترى أن "السعودية تغامر في وضع لبنان في الثلاجة" ملمحةً إلى أن "السعودية يبدو أنها إتخذت قراراً بتعطيل أي حل في لبنان في الوقت الراهن طالماً أن هناك إنسداداً في أفق الحل الإقليمي". وإذ تعول المصادر على الإتصالات الدولية - الإقليمية من أجل تسريع وتيرة الحل السوري، ترى أن "هناك إمكانية في تنشيط الملف اللبناني قليلاً من أجل تعزيز المكتسبات على الطاولة، لكن جذور الحل الأساسية لن تجد طريقها إلى العبور إلاّ عبر سلة الحل الإقليمي الكاملة".
من يضبط الإيقاع؟
ومع بروز كل تلك المصاعب، بات عبئاً على لبنان تحمل نتائج الشغور، وثمة من يسأل عن الموقف الأميركي أو الفرنسي الذي كان يشكل سابقاً عامل ضغط، فبوجود الإشتباك الإيراني - السعودي في المنطقة ولبنان منها، يبدو الدور الفرنسي - الأميركي ضائعاً ولا يوجد من يضغط على السعودية من أجل فتح آذانها من أجل سماع مقترحات الحل اللبنانية. وبين ما هو إقليمي وما هو دولي، يتم الإلتفات إلى الدور التركي الجديد الذي يسعى إلى بلورة موقف واضح، وهنا، تعول المصادر على هذا الدور وتزكيته ولفت نظره إلى السعودية علّه يعيد ضبط ساعة الرياض نحو بيروت، خاصة وأن التركي يريد العودة إلى الأقليم من بوابة الأزمات الغير محصورة بالحرب السورية.
المشكلة إذاً، وفق مصادر الثامن من آذار ومصادر سياسية أخرى، تكمن في السعودية وفي إمكانية إقناع المملكة بجذور الحل وتقديم تنازلات. السعودية في الوقت الراهن، باتت تمتلك جميع أسباب حل الأزمة اللبنانية، وإستمرار الشغور المؤسساتي، تتحمل نتائجه المملكة التي تعمل على الضغط على الحريري وتياره من أجل تعقيد الأزمة أكثر وتوجيه الإهتمام نحو مقارعة حزب الله وإيران في البوابة اللبنانية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News