عاد الحريري من روسيا بسلة فارغة من أيّ معطى يدفع بحركة الحريري الرئاسية الى الأمام، فقد رحبت الخارجية الروسية بالضيف الكريم الذي أرسل تحيته إلى الرئيس فلاديمير بويتن، وسمع كلاماً وافياً اعتبرته مصادر معنية أنه «لا يعدو كونه دعماً روسياً وتأييداً مبدئياً لعودة الحريري الى الحراك السياسي من بوابة عودته لمجلس الوزراء من دون تقديم أيّ دفع لمبادرته قد يبدو تدخلاً بالشؤون اللبنانية في وقت لا تريد روسيا هذه الإحاطة في هذا الوقت». سمع الحريري من لافروف ما يكفي لاعتماده موقفاً روسياً ثابتاً حتى إشعار آخر في ما يخصّ التطورات السياسية في لبنان، أهمّها قول لافروف: «إنّ روسيا تعتقد أنّ على الشعب اللبناني بجميع مكوّناته الطائفية الاتفاق على حلّ الأزمة»، ما بدا حسماً روسياً لمسألة إطلاق زخم على الملف.
لفت اهتمام لافروف بالوضع الأمني في سورية وفي حلب تحديداً بوجود الحريري أكثر من التعامل مع زيارته «كخصوصية» في ما بدا انه إعلان غير مباشر عن ان الاولوية في موسكو لم تحِن بعد لإطلاق عملية سياسية أحادية الجانب، فالهم الميداني هو جلّ ما تركزت عليه الجهود الروسية في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الروسية أنها «سلّمت دمشق أنظمة دفاع جوي من طراز أس-300»، معلنة أن الولايات المتحدة «أفشلت كافة اتفاقات وقف إطلاق النار في سورية»، ما يعني جولة نيران روسية جديدة الى جانب الجيش السوري قد انطلقت بعدما كانت قد قلصت حضورها.
الحريري يزور السعودية بعد عودته من موسكو بزيارة شبه «شكلية» مؤكداً على أمرين أساسيين «الأول أنه صوّب على حزب الله «كثابتة» تعطيلية بالنسبة لتيار المستقبل امام الحليف السعودي من على منبر لافروف وزير الخارجية الروسية، والثاني إيحاء الحريري أمام المملكة العربية السعودية بقدرته على تحريك الاوراق دولياً ومحلياً في وقت كانت قد بدأت الثقة تتراجع في قوته الشعبية والسياسية في لبنان وهواجس من نشوء زعامة سنية جديدة تنافس الحريرية.
بالحساب المحلي اطلق الحريري اول اشارات التأزم بالملف الرئاسي من موقع صناعة القرار الاقليمي «الجديد» في موسكو، وبقوله إنّ حزب الله هو السبب في تعطيل التوصل لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، فيما بدت شكوى تناولت حليف روسيا الميداني ليشدّد لافروف على حرص روسيا على السيادة اللبنانية والمبادئ التي تمّ الاتفاق عليها بين جميع القوى السياسية والطائفية المحلية، معبّراً عن أسفه الشديد مما يمرّ فيه لبنان من أوقات دقيقة مع متابعة روسيا لبعض الجهود للتغلب على الأزمة، أعلن لافروف تأييد جهود الحريري من دون تطوير المسعى الحريري لمصاف تحويله لقضية روسية ينتج عبرها حسم دولي للأزمة اللبنانية.
الكلام الروسي يشبه الكلام الأميركي، حيث تؤكد مصادر مطلعة لـ «البناء» انّ الهمّ الأميركي اليوم لا يعدو كونه الانتباه للحدث الرئاسي الأميركي الذي اقترب من عتبة الحسم من دون إعطاء اهتمام لباقي الأزمات الإقليمية التي انْ حازت على اهتمام البيت الأبيض، فستكون سورية بشكل استثنائي ووحيد، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على اللاعب السعودي الذي يصبّ جامّ اهتمامه على الحرب مع اليمن والأزمة التي أرهقت الكاهل السعودي يُضاف إليها الأزمة الكبرى بالنسبة للرياض التي تتعلّق بالموقف الأميركي المستجدّ لناحية رفع الحصانة عن محاسبة حلفائها وما يعنيه قرار «جاستا» بكلّ إشاراته.
كان يكفي أن يعبّر لافروف امام الحريري عن الأسف الشديد تجاه بعض الأطراف التي عملت على تفكيك الاتفاقات الروسية الأميركية. وفي رأي روسيا فإنّ جزءاً من المسؤولين في الإدارة الأميركية هم المسؤولون عن رفض الولايات المتحدة هذه الاتفاقات لتسوية الأمر، وهذا وضع سيّئ.
اتضح المشهد أمام الحريري وبرزت ثانوية الأزمة الرئاسية اللبنانية بالمنظار الروسي التي بدت متقاطعة مع حليف روسيا الميداني في سورية وهو حزب الله «المعطل» بالنسبة للحريري. وبمعنى آخر فإنّ هذا الكلام ينسحب على موقف ثابت للحريري عن اعتبار هذا التعطيل رغبة حلفاء حزب الله الإقليميين، وبينهم الشريك الروسي.
سمع الحريري كلاماً روسياً واضحاً عن اولوية مكافحة الارهاب في سورية ما يزخّم بالمنظار الروسي رغبة حزب الله شريكها في قتال الإرهاب الذي لن تتخطاه بالمسألة المحلية من دون أن يسمع كلاماً حاسماً من روسيا حول نية حلّ العقدة اللبنانية.
إشادة روسية دون تعاون واضح قد يعيد الى التفكير ملياً بكلام أمين عام حزب الله عن طرح حلّ لبناني بعدما أرسل حزب الله أكثر من إشارة منذ سنتين الى اليوم بطول مدة العمل العسكري والميداني في سورية وطول الأزمة الإقليمية بالعموم، ما يعني أنّ انتظار الخارج قد يطول وأنّ فرصة لبنان بإيجاد حلّ تنتجه الاطراف المعنية لأول مرة ممكنة وانّ الإبطاء وانتظار الخارج لا يعدو كونه إضراراً بالمصلحة اللبنانية في وقت تنشغل كلّ الدول الإقليمية عن الحدث اللبناني.
تبدو سلة الحريري الدولية خالية في موسكو اولى المحطات، حيث لا تبدو قادرة على الظهور وتحريك عجلة الرئاسة عبر تركيا والسعودية اللتين يزورهما من دون الدعم الروسي الكفيل بوضع الحلّ اللبناني على سلّم الاولوية الدولية ضمن الاتفاق الروسي الأميركي القادر وحده على إطلاق العملية السياسية بالمنطقة، فتكون حينها الأزمة الرئاسية من بينها إلا إذا اقتنع الافرقاء بفرصة الحلّ اللبناني وهذا ما يعتبر «محالاً».
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News