ذات مساء، على شرفة بيت الكتائب في الصيفي، قال لي كريم بقرادوني ان رفيق الحريري لا يفهم اللبنانيين، ومَن هم اللبنانيون، استعاد شريطا وثائقيا من الادغال الافريقية حيث مجموعات هائلة من الاسماك الصغيرة تفترش سطح حفرة واسعة ملأى بالماء، وحين يمر أحد الفيلة يسقط في الحفرة فتنقض عليه الاسماك، وخلال لحظات قليلة تحوله الى هيكل عظمي.
وقال ان حفلات التصفيق، والضحكات العريضة، واللافتات البراقة، تشبه تماماً القشرة الخادعة فوق الحفرة. بعد فوات الأوان لسوف يكتشف الحريري انه دخل في الادغال وسقط في الحفرة إياها، تلك اللحظة التراجيدية لم تسمح للرجل ان يصل الى نهاية المطاف.
لكن الحريري الأب كان يعرف مَن هم اللبنانيون. وكانت السيارات الفاخرة، والمصفحة، لا تصل الى المراجع السياسية فحسب وانما الى المراجع الروحية ايضاً ألسناً حقاً احفاد الفينيقيين الذين طالما قلنا انهم كانوا يبيعون زيت الزيتون لسكان شبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا والبرتغال) على أنه ماء الخلود؟
في لبنان، من يأكل لحم من؟ كلنا نأكل لحوم بعضنا البعض...
من لا يعلم أن سعد الحريري في وضع مأسوي، سياسياً، ومالياً، وسيكولوجياً، وربما عائلياً. هل يستطيع الشيخ سعد وحده أن يحمل على كتفيه الارث السياسي لرفيق الحريري؟
نهاد المشنوق قال بالفم الملآن ان الملك عبدالله بن عبد العزيز هو مَن طلب منه زيارة دمشق، هذا يجعلنا نسأل من الذي طلب منه ترشيح سليمان فرنجية ثم ميشال عون؟
هذا اذا استعدنا ما قاله تيار المستقبل فيهما وما قالاه في تيار المستقبل. لنأخذ برأي ونستون تشرشل «في السياسة، لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة».
وسأل سعد الحريري «لو كان رفيق الحريري هناك ماذا كان فعل؟». لو كان في هذه المعمعة، هل كان لفؤاد السنيورة ان يتجرأ ويقول له لن آخذ بقرارك؟
السنيورة إياه الذي طرح اسم محمد رعد لرئاسة المجلس النيابي (وبينهما كل صراعات، وكل نيران، وكل ميادين الشرق الاوسط) اعلن انه لن ينتخب ميشال عون بسبب مواقفه السابقة، كما لو أن «براغماتية» الجنرال لم تحمله على القاء «الابراء المستحيل» في صندوق القمامة.
آخرون أيضاً قالوا لا، وهم الذين يدركون اي مأزق يعيشه الحريري الابن الآمن، وهم الذين العديد منهم كانوا حفاة، او متسكعين، او مغمورين (ومطمورين)، وانتقلوا فجأة من الظل الكبير الى الضوء الكبير، ومن ثقافة الفلافل الى ثقافة الكافيار...
احد اعلاميي الدرجة الثالثة عشرة والذي كان يستدين العشر ليرات من زملائه، ولم يكن يميز الفاعل من المفعول به، راح يدفع مائة دولار للحلاق، ولماسح الاحذية، وللمتسولين على ارصفة الحمراء...
احد الذين اعلنوا اعتراضهم كان يردد قبل حين ان ثمة اتجاهاً سعودياً بالذات (لم يقل ايرانياًَ او سورياً) لتفكيك الظاهرة الحريرية، هذه هي اللحظة المؤاتية للالتحاق بقطار آخر...
لا احد منا يتمنى لسعد الحريري، وقد التقيناه مرات عدة ولاحظنا دماثته وطيبته، لا الانهيار المالي ولا الانهيار السياسي، ولكن يفترض بنا ان نسأل عن خلفية قرار مجلس الوزراء السعودي «تجديد عزم المملكة مواصلتها مكافحة الانشطة الارهابية «حزب الله» اللبناني، والاستمرار في العمل مع الشركاء في انحاء العالم لكشف انشطته الارهابية والاجرامية».
الهجوم الصاعق اتى والحريري في المملكة، وسواء للاستيضاح السياسي ام لمعالجة مشكلة «سعودي اوجيه» اتى ايضا بعد خطاب السيد حسن نصرالله الذي فتح له باب السرايا الحكومية (وبما تعنيه الكلمة). ماذا يعني كل هذا؟
اذا كان طريق الجلجلة الذي سلكه العماد ميشال عون قد اقترب من نهايته، فلا شك ان طريق الجلجلة الذي سيسلكه الرئيس سعد الحريري قد بدأ الآن...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News