منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول المنصرم، بدأت دول الخارج تطلّ برأسها نحو الداخل للإيحاء بأنّها تدخّلت أو كانت لها «الكلمة الفصل» في هذه العملية. فالمملكة العربية السعودية أوفدت وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السبهان قبل ثلاثة أيام من موعد جلسة الإنتخاب لتُظهر للعالم أنّها راعية الإتفاق الداخلي الذي حصل، وأنّها موجودة ومهتمّة بالشأن اللبناني أكثر من إيران، الى درجة أنّها أزالت «الفيتو» عن وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، وجاءت للتهنئة قبل حصول الإنتخاب.
أمّا الرئيس السوري بشّار الأسد فاتصل بالرئيس العماد عون للتهنئة في اليوم نفسه للإنتخاب. ثمّ ما لبث أن أوفد أمس وزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزّام، لتقديم التهنئة لعون. فيما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرق للرئيس عون بعد أربعة أيّام من انتخابه مهنئاً، ومشدّداً على أنّ «روسيا تقف بحزم في مقاربتها الاساسية، الى جانب دعم سيادة ووحدة وسلامة أراضي لبنان، واستقراره الداخلي والسلام بين طوائفه»، مضيفاً « واني على ثقة انه من خلال الجهود المشتركة من الآن فصاعداً، سنواصل تعزيز علاقات الصداقة التقليدية بين لبنان وروسيا لما فيه مصلحة الشعبين، ومن أجل ضمان الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط».
وفي الوقت الذي علّق فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري على ما يحصل في لبنان قبل عشرة أيام من الإنتخاب بالقول: «لست متأكّداً من نتائج الدعم الذي يُقدّمه الرئيس سعد الحريري (وقصد به للعماد عون)، لكننا نأمل أن يسير لبنان باتجاه الإنتخابات الرئاسية»، عاد وحسم موقف بلاده من وصول العماد عون رئيساً الى قصر بعبدا من خلال الإتصال الذي أجراه بالرئيس عون للتهئنة، كما الإتصال الآخر برئيس حكومة العهد الأولى الحريري الذي أكّد خلاله أنّ واشنطن ستكون الى جانب العهد. وقد تمكّنت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، وعلى ما يبدو، من الفصل بين الرئيس عون، و«حزب الله»، وقد أكّد كيري بالتالي على أنّ الموقف الأميركي هذا لن يتبدّل بعد الإنتخابات الرئاسية التي تجري اليوم في 8 تشرين الثاني الحالي. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أصدرت بعد نحو ساعة من عملية الإنتخاب، بياناً رسمياً وصف فيها العملية بأنّها « لحظة فرصة، يخرج فيها لبنان من الجمود السياسي الذي استمر لأعوام، وذلك من أجل استعادة عمل الحكومة وبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لجميع المواطنين اللبنانيين»، مؤكّداً على «ألا تكون ثمّة سلطة غير سلطة الحكومة في لبنان».
من جهتها إيران لم تُظهر أي تدخّل والتزمت الصمت قبل عملية الإنتخاب، غير أنّ مستشار خامنئي في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي صرّح بعد الانتخاب أنّ انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في لبنان، هو «انتصار لنصر الله (أي الأمين العام لحزب الله) والمقاومة وأصدقاء إيران». وجاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بعد أسبوع من الإنتخاب للتهئنة بانتخاب رئيس البلاد.
كلّ هذا الإلتفاف حول انتخاب العماد عون رئيساً، على ما تقول أوساط ديبلوماسية متابعة، أظهر أنّ دول الخارج المختلفة اليوم على حلّ أزمات كثيرة في المنطقة مثل الأزمة في سوريا، وفي العراق، واليمن وليبيا وسواها، تمكّنت من القبول، كلّ من موقعها، بانتخاب عون، كونه انتُخب من الشعب أولاً قبل أن يُنتخب من النوّاب الذين يمثّلون هذا الشعب. كما أنّه تبيّن أنّها للمرة الأولى في لبنان، يحصل انتخاب الرئيس أولاً، ومن ثمّ تتلاقى الدول الخارجية على انتخابه، على عكس ما كان يحصل في العهود السابقة من التفاف الدول الإقليمية والعالمية أولاً على إسم الرئيس، ومن ثمّ إنجاز عملية الإنتخاب بعد ذلك.
كلّ هذا الزخم الذي يحصل عليه العماد عون اليوم، والإهتمام من قبل دول الخارج بانتخابه رئيساً، تضيف الأوساط نفسها، رغم أنّ بعض الدول التي أعلنت عن عدم تدخّلها في الإنتخابات الرئاسية مثل الولايات المتحدة الأميركية سوف تحكم على الرئيس من خلال القرارات التي سيتخذها والأعمال التي سيقوم بها، يُبرز أهمية وصول العماد عون الى قصر بعبدا كرئيس قوي يتمتّع بخبرة سياسية واسعة، يؤمل منه الكثير في المرحلة المقبلة، ولهذا بدأت كلّ الدول تمدّ له يدّ العون والمساعدة من أجل الحفاظ على أمن وسيادة واستقلال البلاد.
كما وجدت دول الخارج، على ما أشارت الاوساط، أنّ حلّ الأزمة اللبنانية أسهل بكثير من الأزمات الأخرى لهذا دعمته وشجّعت عليه. علماً أنّ بعضها لم يكن يُشجّع وصول العماد عون للرئاسة كونه حليفاً سياسياً لـ «حزب الله» الذي يُعتبر من قبل دول أجنبية وعربية (مع الأسف) «منظمة إرهابية»، وهي تصبّ كلّ إمكانياتها اليوم في المنطقة على مكافحة الإرهاب، كونه إحدى أهمّ أولوياتها، وهذا الأمر سيُسبّب لها قلقاً في المستقبل، ما سيجعلها تترقّب أداء الرئيس عون. إلاّ أنّها أفسحت في المجال لحلّ أزمة الإستحقاق الرئاسي في لبنان، وذلك لضمان الإستقرار في إحدى دول منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي ترى فيه أنّ حلول الأزمات الأخرى لن تأتي سريعاً بل ستتطلّب سنوات إضافية بعد.
وحتى إذا كان التقاء دول الخارج على العماد عون جاء نتيجة عوامل مختلفة، فإنّ ذلك يُمكن أن يُعتبر مؤشّراً جيّداً لتفاهمها على أزمات أخرى في المنطقة تتطلّب مثل هذا التلاقي أو التوافق من أجل إنقاذ شعوب هذه الدول، لا سيما الأزمة في سوريا. فالشعب السوري الذي نزح الملايين منه الى دول الجوار، أو من الداخل الى الداخل، يحتاج اليوم أكثر ما يحتاجه الى حلّ سياسي لأزمة بلاده لكي يتمكّن من العودة الآمنة والسالمة لدياره، إذ ما من بلد في العالم يستطيع أن يرتاح فيه أكثر من بلاده، وإن تمّت معاملته بشكل إنساني في لبنان وتركيا والأردن، أو في أي بلد أوروبي لجأ اليه.
وهذا اللجوء والهجرة غير الشرعية والتدفّق الهائل للنازحين الى دول الجوار التي باتت بحدّ ذاتها تُشكّل أزمة فعلية وحقيقية للشعب السوري أولاً، كما للدول المستضيفة له ثانياً، لا بدّ لدول الخارج من أن تجد لها حلاً نهائياً من خلال بعض التسويات الإقليمية. وهذه الأخيرة لا يجب أن تتأخّر لما فيه خير ومصلحة كلّ الدول المعنية من قريب أو بعيد.
وتجد الأوساط نفسها، أنّ الحلول لم تعد مستحيلة، وإن كانت مؤتمرات واجتماعات جنيف لم توصل الى أي نتيجة ملموسة بالنسبة لحلّ الأزمة السورية، غير أنّه بالإمكان التوافق الإقليمي، بحيث تسيّر أحوال البلاد، من دون أن يخرج منها طرفاً منتصراً وآخر خاسراً، بل يتحقّق انتصار الجميع، على غرار ما حصل بالنسبة للإستحقاق الرئاسي في لبنان، إذ تمّت الخلطة السحرية من 8 و14 آذار، وأنتجت انتخاب رئيس قوي يريده ويؤيّده الشعب، ما أرغم الدول الخارجية على تأييده ودعمه بعد انتخابه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News