بعد أزمة سياسية مديدة شلت الساحة السياسية اللبنانية تم انتخاب الجنرال ميشال عون لمنصب رئيس الدولة ودخل إلى القصر الرئاسي في بعبدا. وجاء هذا بعد أن تم التوصل إلى اتفاق هو في مجمله انتصار لحزب الله ولحلفائه في 8 آذار على حساب خصومهم من معسكر 14 آذار بقيادة تيار المستقبل.
وبعد حوالى أسبوعين من ذلك، في 13 تشرين الثاني، أقام حزب الله عرضاً عسكرياً في بلدة القصير السورية، غير بعيد عن الحدود مع لبنان. والزمان والمكان لم يكونا بمحض الصدفة. فالقصير، الموجودة عند عقدة الطرق بين مدينة حمص السورية ومدينة طرابلس اللبنانية، هي نقطة رئيسية ورمز للنجاح العسكري للحزب في سوريا، وذلك بعد أن حقق فيها انتصاره المهم في عام 2013 – وهو الانتصار الذي رسخ تدخله العلني في الحرب إلى جانب نظام الأسد وموقعه كـ "حامٍ للبنان"، والذي يمسك بالغلاف الخارجي على امتداد الحدود مع سوريا. وقد أقيم العرض العسكري في "يوم الشهيد" الخاص بالحزب، وذلك بعد أسبوع من عيد الاستقلال اللبناني. وعلى خلفية انتهاء الأزمة السياسية، إلى جانب تطورات الأحداث في سوريا، جاء استعراض القوة هذا من جانب حزب الله ليمرر، بعلم أو من دون علم، رسالة مزدوجة باتجاه الداخل للمواطنين اللبنانيين، وباتجاه الخارج للاعبين الإقليميين والدوليين.
على الصعيد الداخلي اللبناني نجح حزب الله في تجاوز صراع سياسي طويل. فمنذ عام 2014، وعلى مدى حوالى عامين ونصف، لم يكن هناك رئيس في لبنان وذلك بعد أن فشل البرلمان في تعيين بديل للرئيس المنتهية ولايته ميشيل سليمان. وقد أيد حزب الله على طول الطريق مرشحه ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر، والحليف الأهم في معسكر 8 آذار.
أما المعسكر المنافس، 14 آذار بزعامة سعد الحريري، فقد رشح في مقابله زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وقام بعد ذلك بنقل تأييده لسليمان فرنجية، وخضع أخيراً لضغوط حزب الله بعد أن أدرك أن الزمن يعمل لمصلحة الأخير، الذي يرسخ موقعه المسيطر في لبنان. وبذلك وافق معسكر 14 آذار على دعم عون في مقابل تعيين الحريري (للمرة الثانية) رئيساً للحكومة. ويشير الصمود الصلب لحزب الله على امتداد فترة طويلة، إلى هذه الدرجة، مع إخضاع خصومه، يشير إلى مناعته، وإلى نفسه الطويل، وهما الأمران اللذان أفضيا إلى تحقيق النتيجة المرجوة منذ البداية. وحتى أن إنجاز حزب الله يشكل ضربة أخرى للمملكة العربية السعودية في صراعها على النفوذ في لبنان في مواجهة إيران، التي تؤدي زيادة قوة "وكيلها الشيعي في بلاد الشام" إلى تعزيز قبضتها على المنطقة.
والآن وبعد أن أثبت قوته على الصعيد السياسي الداخلي فإنه يُنظر إلى العرض العسكري في القصير، بمفهوم معين، على أنه تعبير عن قوته العسكرية وتفوقه على القوات الأمنية التابعة للدولة اللبنانية (وربما من أجل ذلك تم اختيار أسلحة غربية للمشاركة في العرض)، وكذلك كتبرير آخر، من وجهة نظره، للتدخل في الحرب السورية كحام للبنان في وجه انزلاق الحرب إلى أراضيه. وفي هذا السياق فإن استعراض القوة، من النمط الذي جرى في القصير، هو بمثابة "جرعة تشجيع للجمهور الشيعي".
وعلى المستويين الإقليمي والدولي، من المحتمل أن يكون استعراض القوة هذا من قبل حزب الله موجهاً أيضاً إلى روسيا وذلك تحسباً لليوم الذي يلي سيطرة الأسد، من جديد، على سوريا.
لقد أثارت قضية استخدام العتاد الأميركي في العرض العسكري، أثارت معظم الردود في الجدل اللبناني والذي طُرحت في إطاره تساؤلات حول مدلولات ذلك. فمشهد مقاتلي حزب الله على ظهر حاملة الجنود المدرعة من طراز M113 قاد هذا الجدل إلى نتيجة مفادها أن السلاح الذي تزود به الولايات المتحدة الأميركية الجيش اللبناني يصل إلى أيدي حزب الله. ولا توجد في هذا الأمر أية مفاجأة لأي من الأطراف، إلا أنه تكون هناك، في بعض الأحيان، حاجة "للرؤية من أجل أن نصدق". والهيمنة العسكرية لحزب الله، ليس فقط باتجاه الخارج بل أيضاً باتجاه الحفاظ على النظام في لبنان، أضعفت مكانة قوات الأمن التابعة للدولة وشوشت الحدود بينها وبين "المنظمة الشيعية"، إلى درجة أن هناك من يرون بأن حزب الله يسيطر على الجيش اللبناني.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News