مختارات

سحر مندور

سحر مندور

السفير
الخميس 24 تشرين الثاني 2016 - 07:09 السفير
سحر مندور

سحر مندور

السفير

هكذا يُسرق البحر منا

هكذا يُسرق البحر منا

دعت المبادرات المدنيّة إلى تجمّعٍ شعبيّ عند السادسة من مساء السبت، لحماية ناحيةٍ من شاطئ الرملة البيضاء تتمّ حالياً مصادرتها لتشييد مشاريع خاصّة. زيارة الموقع تفتح في البال أسئلةً كثيرةً لا يحدّها هذا المشروع، وإنما تربط خريطةً كاملةً لا نخسرها بالصدفة.

فلنبدأ من القانون. وَضْعُ تلك الناحية من الرملة البيضاء غائمٌ. أكثر من استثناء وأكثر من مشروع وأكثر من عائق. جهود التصدّي لإنشاء منتجعٍ ومبانٍ فارهة قد تصطدم بفسادٍ متراكمٍ ومتداخل. المسؤوليات تتشخصن، فيقول رئيس بلديةٍ أو قاضٍ أو وزيرٌ أنه لم يوقّع على الورقة. أو أن الورقة غير الورقة، والأمر الواقع واقعٌ. وقد يبدو ذلك معقولاً لو أن الأداء اختلف. لكن الأداء الرسميّ بخصوص الأملاك البحريّة بقي متناسقاً. مسؤولو اليوم لا يهبّون ضد تشريعات منتصف الليل، التي تضعنا في مناطق غائمة كهذه. هم يستمرون فيها، ولا يطوّقونها. في المقابل، هم يطوّقون سلطة الرأي العام. الإدارة تحاصرنا في خطّةٍ تتكامل على امتداد السنوات واختلاف الأنظمة. كيف؟

الاستثمار يأتي عادةً يأتي بمشاريع تدير ظهرها للمواطَنة الجامِعة، «حقوق الجميع»، وتختار لاستهلاكها باقاتٍ ماليّة. الحواجز الحديديّة السميكة والعنفيّة والنافرة ضد الشارع، التي يصدّنا بها «الموفمبيك» (مثلاً) عن البحر وعنه، تجسّد «شرطة» الاستثمار وشروطه على مدينتنا. فكيف يرضى بها من كانوا يملكون المنظر الأول والشاطئ الأول، بلا مساومة؟ كيف يكفر الناس بالأرض التي يملكونها؟ ببساطة، إدارتنا الرسميّة تحاصر سلطة الرأي العام عبر تهميش المناطق المغرية، وإطفاء عوامل الجذب فيها، حتى يهجرها ناسها نسبياً، فيبدو استثمارها كإنقاذٍ لا اعتداء.

في الناحية التي تشهد الاستثمار الوشيك على الرملة البيضا، الشارع عتمٌ، والسور محطّمٌ، والأعشاب وحشيّةٌ، والزبالة تعشّش فيها، تحت سيادة روائح المجرور العريض الذي يقصّ شطّ الرمل بفداحة. الناس طُردوا تباعاً من الرملة البيضا. أولاً، تمّ طرد النساء، ففي حضورهن «استعراضٌ» لا يحتمله شارع البلد و»أخلاقه». الطرد الأول من الأماكن العامّة دائماً يستهدف النساء. ثم أتى المجرور ليطرد الكثرة الباقية. كانت رمالٌ تكتظ، صارت قلّةٌ تصرّ وتعاند المجرور. فتوجّب إضعاف أمن المنطقة: صار كورنيش الرملة البيضا مادّةً تُروى عن سرقات وجنس ومخدرات. مخاوف المدينة، صار يجسّدها. لماذا كورنيشٌ على هذا القدر من الجلال في صدر العاصمة، وعلى بعد أمتارٍ من صخرتها، ليس آمناً للناس؟ ليهجره الناس، وليجدوا في مشروعٍ إحتكاريّ يضيئه مشهداً أقل وحشةً، لا بل مطلباً حتى.

تُعزَل، حتى تلتقي باستثمارها. ونستمر في خساراتٍ تجيزها استثناءاتٌ لا تحمي أيّ أرضٍ أخرى في هذه المنطقة وسواها. «الاستثناء» يقضم الرملة البيضا من الناحيتين: من «موفنبيك» في مستهل هذا الخط البحريّ، إلى هذا المنتجع قيد التشييد في أخره. شيئاً فشيئاً، نعتاد الخسارة مثلما اعتدنا اختفاء «ساحة الشهداء» بفعل الشركات التي شيّدت وسطها، وألغتها.

هكذا، نخسر البحر.
هذه المعركة ليست معركة طواحين هواء. وقد لا نسترد ما خسرناه في مواقع كثيرة أقربها «الموفنبيك»، لكن يمكننا أن نبني على مواقع لم نخسرها (بعد)، وأقربها دالية الروشة. المطلب هو وقف تهميش الأماكن العامّة بغية تحويلها إلى قلعات خاصّة مسوّرة. هذه المدينة بحريّة. إن الخروج للتظاهر لا يحدّه مشروعٌ معيّن، وإنما هو خروجٌ للقول بأننا نضع أيدينا على البحر، طالما إدارتنا المحليّة متواطئة، عاجزة، أو متزبزبة. سيتوجّب على بلدية بيروت أن تؤدي دورها في حماية العاصمة، بحرها وبرّها وسكّانها، خلال هذه المواجهة المستمرة. وإذا لم تفعل، فلبحر بيروت ناسٌ يحبونه وسيحمونه.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة