بدا المشهد وكأنه مقتطع من فيلم هوليوودي حول احدى المجاعات الكارثية في التاريخ. مئات، بل آلاف العراقيين، الهاربين من معارك الموصل وقراها يتدافعون، باسمال بالية، وبعضهم حفاة، وسط غابة من الغبار لتلقف علب الكرتون التي كانت تلقي عليهم عشوائياً من احدى الشاحنات.
صاحب الحظ السعيد من تسقط فوق رأسه علبة الكرتونة. الوجوه مزيج من البؤس واليأس، ليعود اللاهثون وراء القوت، او النزر اليسير من القوت، ادراجهم بعدما تبين ان علب الكرتون لا تكفي سوى لقلة قليلة منهم..
هذا المنظر الذي يهز عظام آدم وربما عظام حواء ايضاً، لم يرف له جفن اي من المسؤولين في العراق والذي تتلاحق فيه المآسي منذ مائة عام، وربما من الف عام.
دائماً حكام لا يكترثون بالناس، وقيل انها لعنة هولاكو، لا يمكن للحاكم في العراق الا ان يكون ديكتاتوراً وبطاشاً، مع ان بلاد الرافدين شهدت الحياة البرلمانية قبل ثلاثة قرون من ميلاد السيد المسيح...
سواء كان الحاكم سنياً ام شيعياً، عربياً ام كردياً ام تركمانياً، فهذه هي حال العراق الذي كان يفترض ان يكون البلد الاكثر ثراء، والاكثر رخاء، والاكثر حداثة، قبل ان يتبين ان السادة الحكام، في سائر ارجاء المنطقة العربية، يتعمدون تكريس الثقافة القبلية في بلدانهم ليبقى المجتمع في الظلام الدامس، وليبقى الحاكم هو من يحرك الخيوط بالمال او بالعصا...
لن تجد مركزاً استشفائياً واحداً يليق بالكائنات البشرية في عراق المأمون الذي كان يستقطب العلماء من اصقاع الدنيا الى بغداد، اما الآن فالمشاهد الصومالية تظهر تباعاً في الشمال وفي الجنوب وفي الوسط. ما بال العراقيين واين هم؟
شيعة يزحفون بالملايين الى كربلاء تعبيراً عن رفضهم لتلك اللحظة التراجيدية في التاريخ، ولا يتظاهرون رفضاً لواقع تراجيدي مريع، وسنة يقولون اما ان تكون لنا السلطة او لا دولة، في نهاية المطاف لا سلطة ولا دولة في العراق...
هي تكون السلطة عاجزة عن توضيب علب الكرتون للجوعى من اهل البلاد، وللمشردين في الصحارى، كيف يمكن لها «توضيب» المذاهب، والاتنيات، والقبليات، لتنضوي داخل دولة واحدة بدل ان يتبعثر العراقيون بين بلاط كسرى انوشروان، او بلاط السلطان العثماني، فضلاً عن المضارب القبلية عند الاشقاء العرب.
الثابت ان هناك من يدفع العراق اكثر فاكثر نحو الحروب الاهلية الكبرى، لا خيار الآن سوى تقسيم العراق، فهل قال لنا اي من السادة المسؤولين ماذا بعد ازالة تنظيم «داعش» في الموصل...
دعونا سابقا الى بقاء التنظيم حيث هو لأن اجتثاثه يعني ان العراق وفي ظل الهلهلة الراهنة مقبل على ما هو اكثر فظاعة بكثير...
كما يبقى «داعش» في العراق يبقى في سوريا التي ينتظرها ايضا ما هو اكثر فظاعة بكثير، لاحظوا كم يستغبينا رجب طيب اردوغان حين يقول بمنطقة حظر جوي من اجل مقاتلة «داعش».
هل بلغكم ان ابا بكر البغدادي يمتلك قاذفات السوخوي او الـ «اف-16» او الـ «رافال»؟
...وصولا الى اليمن الذي تتكدس فيه الجثث يوماً بعد يوم. بعد كل ما حصل لا احد يستطيع ان يمسك بهذا البلد الذي ظهرت فيه «ناطحات السحاب» الاول في العالم، والذي بنى سد مأرب منذ ألوف السنين وقيل ان بلقيس كانت تغسل قدميها بـ «العطر الباريسي».
لا هدنة مجرد هدنة، في اليمن (الحطام) لأن ثمة من همس في اذن البعض ان ثمة رجالا في الادارة الجديدة سيقلبون موازين القوى في المنطقة رأسا على عقب (وستنقلب على رؤوسنا جميعا)...
اذا ننتظر ما سيفعله وزير الدفاع العتيد جيمس ماتيس الذي وصفه دونالد ترامب بـ «الكلب المجنون» بإيران وبتهديدها الجيوسياسي في المنطقة، وهو الذي ينظر الى نظام آيات الله على انه العدو الاكبر لأميركا ولمصالحها في الشرق الاوسط...
مرة اخرى، واخرى، رهانه على ... الحطام!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News