هكذا يختزل زعيم حركة «احرار الشام» الحالة التي انتهت اليها فصائل المعارضة في حلب «لقد نقضنا العهد مع الله». اما ما هو ذاك العهد، فالنازحون من الاحياء الشرقية يفسرون ذلك «ان نكون في منزلة بين المنزلتين، اما الاقبية او القبور».
الفصائل التي تحولت الى عصابات، وكل فصيل له فقهاؤه الذين يوغلون في تأويل النصوص بتلك الادمغة، وبتلك العيون، الصدئة. كل يتفهم البنية الايديولوجية للدولة العتيدة على طريقته بحيث يتحول كل حي، وكل قرية، الى دولة وتقاتل (حتى يوم القيامة) الدولة الاخرى.
لن نغسل قطعاً ايدي النظام، ولا نبرئ من يمتلكون الرؤوس الخشبية داخل النظام، ولكن اليس ممولو الفصائل، وعرابوهم، وحتى الذين تولوا فبركتهم، هم الذين يشككون في الصدقية السياسية، والاخلاقية، والعقائدية، وفي امكانية ان يتوصل هؤلاء الى اقامة دولة تليق حتى بالقرون الوسطى.
الذين يصرخون من اجل المدنيين في حلب، ومن اجل الاطفال في حلب، الا يدركون من هم الذين «استولوا» على هؤلاء المدنيين، وحولوا حياتهم، ومنازلهم الى خراب؟
ثم لماذا كل ذلك الصراخ من اجل الناس في حلب وحدها، ولا تتناهى الينا صرخة واحدة من اجل الناس في الموصل، ما دامت اميركا هي التي تقدر عملية تحرير المدينة، ومن اجل الناس في المدن والبلدات السورية التي اجتاحتها الانكشارية العثمانية بعدما ضربتها بالدبابات وبالمدفعية الثقيلة؟
لواء التوحيد هو الذي غزا حلب عام 2012 لتزيله الاستخبارات التركية، بالتنسيق مع استخبارات عربية، من المشهد السوري، وتسلم الشهباء الى الفصائل التي تعمل باوامر من داخل الحدود التركية...
الخبراء العسكريون لاحظوا ان تلك الفصائل التي ساندها مستشارون اتراك واردنيون حاولوا التموضع في نقاط يمكنهم عبرها السيطرة على كامل المدينة، ودون ان يفقه رجب طيب اردوغان ان اللعبة الدولية وضعت امامه خطوطاً معينة لا يستطيع تجاوزها.
استطراداً باستطاعته ان يمثل اجزاء من حلب اما ان يضع اليد على حلب، باتجاه وضع اليد على دمشق (وهذه هي جدلية المدن في سوريا) فقد كان هذا محظوراً، مع ان الرئيس الاميركي (الخادع والمخدوع) اوهم دولة عربية كبرى بان حلب باسرها ستكون في قبضته قبل نهاية عام 2012، على ان تعلن عاصمة لسوريا وتشكل فيها حكومة سوريا الحرة...
جورج صبرة، وقد تهدل شارباه اكثر فاكثر، وقد تهدلت لغته اكثر فاكثر، غاضب على اميركا لعدم تدخلها وازاحة النظام. ببساطة متناهية (او لا متناهية) هل يتصور الاستاذ جورج، صديقنا القديم، انه لو قام نظام بديل سيكون له موطئ قدم في هذا النظام، وحتى ولو كان موطئ قدم... لذبابة؟
كنا نتمنى عليه ان يفعل مثلما فعل غيره من «الاوادم» والمثقفين، واصحاب الادمغة المنفتحة، ويبتعد عن تلك المعارضات الرثة، ويبني مقاربة جديدة للوضع لا تستوحي ما تقوله مادلين اولبرايت (وزيرة خارجية سابقة) وما يقوله ستيفن هادي (مستشار سابق للامن القومي) حول تدمير طائرات النظام الذي يغدو، في هذه الحالة، في الزاوية ويتم القضاء عليه بفرشاة الاسنان.
غريب ان يفكر مسؤولون اميركيان بتلك الطريقة الساذجة، وان يستعيدا ليلته التوماهوك التي لم تحدث، وبعدما تحولت سوريا الى مسرح كبير للعبة الدولية الكبرى...
لنتصور ان الاميركيون الذين ما برحوا يلعبون على كل الخيوط من اجل ان تبقى سوريا مطحنة للجثث، تدخلوا بطلب من الحلفاء العرب، او من تلك المعارضات، بايديولوجيات ما قبل التاريخ (وربما ما قبل آدم)، فهل كان الوضع في سوريا احسن حالاً مما هو في العراق، وحيث الكوميديا الاستراتيجية، واحسن حالاً من ليبيا حيث القبائل تأكل بعضها البعض..
تابعوا معركة حلب، وما يحكى عنها وحولها، لتتبينوا ان لعبة القبائل في نهاياتها، وان لعبة الامم في بداياتها. الى اين؟ الجواب باقة زهر على ضريحي مارك سايكس وجورج بيكو. لا تنسوا وزير الخارجية الروسي آنذاك سيرغي سازونوف...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News