لا بد ان يكون هناك في المملكة العربية السعودية من يصغي الى قول قائل. ضنا بالمملكة التي تعاني، وستعاني اكثر، من ازمات بنيوية عاصفة، ودون ان يبقى منطقياً التذرع بالعدو الايراني او باي عدو آخر.
المشكلة فينا لان انظمتنا التوتاليتارية، وسواء كانت قبلية ام عسكرية، لم تقم باي خطوة لصناعة مجتمعات تتفاعل مع الايقاع المدوي للحداثة، بل وضعت هذه المجتمعات، وفي اطار اقتصادي ريعي تنتفي فيه، ديناميات الابداع، اما في الثلاجة او على قارعة الزمن...
ازمة السعودية هي ازمة الدول العربية كلها، وان كانت ازمة المملكة اشد هولاً لاسباب شتى، حتى ان الاميركيين الذين طالما شكلوا المظلة الواقية منذ اللقاء الشهير بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرنكلين روزفلت، في شباط 1945 يشككون بمستقبل المملكة وببنيتها السياسية والايديولوجية...
للحظة فقط نستعيد قول ناعوم تشومسكي حول تأرجح مجتمعاتنا بين سوسيولوجيا الغيب وسوسيولوجيا العدم. كل هذا يحصل برعاية «كريمة» من الانظمة التي اقفلت كل الابواب امام الديموقراطية والعدالة لتتحول المجتمعات الى مستودعات للقرن الوسطى...
لكننا نعيش في زمن آخر. تكنولوجيا الاتصالات دخلت الى كل بيت، والى عقول الكبار والصغار، وان كان هناك في العالم العربي (الافتراضي) من يحاول تحويل تلك التكنولوجيا الى اداة لتسويق الغرائز، ولنشر ثقافة الاقبية او ثقافة القبور.
مهما فعلت ايران، ومهما لجأت الى الاثارة الايديولوجية، لن تستطيع زحزحة قناعتنا القومية والثقافية قيد انملة، ولكن اذا بقينا على هشاشتنا الراهنة، فلا بد ان نعود ذات يوم رعايا لكسرى انشراون او لقصر يلدز او سدنة لهيكل سليمان...
اي حرب في اليمن؟ ومن يصدق ان المساعدات الايرانية هي التي تمكن «الانقلابيين» من الصمود في وجه تلك الارمادا الجوية والبحرية والبرية الهائلة؟ هناك شعب قوي المراس في اليمن (لنعد لحظة الى التاريخ) ويريد ان يكون له مكان في هذا العالم دون ان يكون تابعاً لهذا البلاد او لذلك التاج.
حكام خليجيون ونصحوا بالخروج من تلك الدوامة التي لا يسقط فيها سوى رجال واطفال ونساء العرب، ولا تتبعثر فيها سوى ثروات وازمنة العرب، ثم تقول بتلك الضحالة الصارخة ان الايرانيين يهربون السلاح للحوثيين بقوارب الصيد. كفانا سذاجة...
حكام خليجيون وضنينون جداً بالمملكة، يسألون اين هم العرب، بل اين هم السعوديون في سوريا (وفي العراق) بعد كل تلك المليارات وكل تلك البهورات؟ الملف في الايدي الاخرى، والعرب ما زالوا مصرين على البقاء داخل لعبة الدم. وجدانياً، وقومياً، الا يتحطم شيء فينا كلما تحطم جدار في سوريا والعراق؟
كان منظر تيريزا ماي في قمة المنامة فاضحاً بما تعنيه الكلمة، منظر للعالم باننا ابدلنا المظلة الاميركية بالمظلة الانكليزية بعدما بدا ان رجب طيب اردوغان لا يختلف عن غيره في النظرة الفوقية الى العرب...
اين هي اللحظة البيضاء الوحيدة في تاريخ العلاقات بين بريطانيا والعرب لتقول السيدة ماي بالترابط في مجال الامن الاستراتيجي بيننا وبينها؟ هذا السؤال منذ لورنس العرب وحتى انطوني ايدن مروراً بآرثر بلفور ولويد جورج وحتى ونستون تشرشل...
كيف؟ اجل كيف تريدوننا ان نفهم ان حاميتنا الآن هي بريطانيا، وللتذكير فقط فان المرأة الحديدية مارغريت تاتشر لم تتمكن الا ان تكون ظلاً لرونالد ريغان حتى انها تبنت سياسته الاقتصادية (النقدوية لملتون فريدمان)..
هل نتوقع الا تكون تيريزا ماي (يا للمهزلة!) ظلاً لدونالد ترامب الذي لا شك انه سيزعزع خرائط المنطقة، حتى انه اختار مستشاراً للامن القومي مايكل فلني يقول بأن الاسلام ليس ديانة بل ايديولوجيا فقدت صوابها..؟
قمة المنامة لم تتجاوب مع المملكة في كل سياساتها. حكام خليجيون اسدوا النصيحة تلو النصيحة بنظرة اخرى، على المستوى السياسي والاستراتيجي، وحتى جولة الملك سلمان بن عبد العزيز التعبوية لن تغير في الامر شيئاً الا... اذا غيرنا ما في نفوسنا!!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News