في سماء سوريا المكتظة بالنيران وبالغارات وبطلقات الرصاص، وفي الارض السورية التي يتقاتل الاضداد بلا هوادة بلا امل بلا نهاية، اطلقت شرارة تغيير في المعادلة العسكرية قلبت موازين القوى، احدثت اخلالا في قوة طرف في الصراع السوري... لقد سقطت حلب وسيطر الجيش السوري على كاملها. هل هذا مجرد انتصار عسكري للجيش السوري يخوله التوسع اكثر فاكثر في الاراضي السورية؟ هل ذلك مجرد خسارة للمعارضة لمنطقة اساسية لها في ثورتها ضد النظام السوري؟
ان سقوط حلب هو اكثر من انتصار فريق سوري على آخر، اي الجيش على المعارضة، واكثر من انهزام محور امام محور اخر، انما هو سقوط مشروع التقسيم الذي كان يخيم على اجواء سوريا وعلى وحدة اراضيها. سقوط حلب بيد الجيش العربي السوري هو افشال المخطط الرامي الى اطالة النزيف السوري بعدما كانت الولايات المتحدة ومعها اسرائيل تمعنان في نحر سوريا من الداخل واضعاف نظامها المركزي وتحويلها الى فتات والى دويلات والى اراض محروقة.
فما هو التقسيم بالمعنى الفعلي؟ هو ترك الاطراف المتنازعة تتقاتل الى الابد دون ان يتمكن طرف ما من حسم المعركة لمصلحته فيتمترس كل طرف في منطقة ويصوبان على بعضهما ويستمر القتال الى ما لا نهاية. وبذلك يستمر القتل ويتغلغل التقسيم المذهبي الطائفي في نفوس السوريين الى ان يطبقوه جغرافياً. فالوجه الاخر للتقسيم هو استمرار القتال الداخلي واطالته قدر المستطاع حتى تصبح سوريا كلها مشرذمة، منهوكة، مدممة، مستنزفة، وبالتالي مقسمة الى مئة قسم، الى الف قسم، الى...
صحيح ان سيطرة الجيش السوري على حلب لا تنهي الصراع الدائر في سوريا لخمس سنوات حتى الآن انما هذا المكسب العسكري للجيش السوري وللمحور الداعم له يسرع الجهود المبذولة لايجاد حل سياسي يريده السوريون المدنيون الابرياء الذين لمسوا وشاهدوا بأم العين ماذا اقترفت ايدي الحاقدين والكارهين لسوريا بهم. فالشعب السوري كانت له مطالب اجتماعية في بداية الامر وهذه مطالب ضرورية ومحقة انما لم يكن يريد ان يحول بلاده الى انقاض والى ارض تتصافى الدول الكبرى حساباتها عليها وعلى دماء الاطفال السوريين الابرياء.
ولذلك هذا المكسب الاستراتيجي في المعركة هو ضربة موجعة لأعداء سوريا لأنه افشل احلامهم ومخططاتهم في سفك الدماء السورية وفي حرصهم على عدم فوز فريق على آخر، ولكن ارتد سحر على الساحر فتحولت احلامهم الى كوابيس وأولها الحقيقة الواضحة التي حققت في حلب.
والحال ان افضل استثمار للانتصار في حلب هو في التسريع في بناء حل سياسي يشمل الاتفاق على ملامح الحكم والسلطة وتوزيع الصلاحيات والنفوذ داخل الحكم. مرحلة ما بعد حلب يجب الا تكون مبنية على غرور المنتصر بل على حكمته في كيفية توظيف هذا الانتصار واستئناف المفاوضات وحجم التنازلات التي يجب ان تقدم على طاولة المفاوضات من الجانبين سواء من الحكومة ام من المعارضة. فلنصبر قليلا لا بد من ظهور اشارات امل في الافق السوري.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News