متفرقات

placeholder

صحيفة المرصد
الثلاثاء 27 كانون الأول 2016 - 17:14 صحيفة المرصد
placeholder

صحيفة المرصد

الجمعية الدولية للحفاظ على آثار صور: عمل دؤوب لحماية المدينة

الجمعية الدولية للحفاظ على آثار صور: عمل دؤوب لحماية المدينة

لا يدرك ربما الكثير من اللبنانيين قيمة وأهمية مرور حضارات عظيمة كالفينيقية والكنعانية والبونية على أراضيه ، البعض يرى في الآثار المتروكة من قبل هذه الحضارات التي نشرت الحرف وعلمت التجارة ، مجرد أعمدة تقف على أطلال صامتة. قبل عهود كانت هذه الأعمدة شاهدة على إنبلاج فجر حضارات كبيرة غزت العالم فكانت المثال الأكمل للتبادل والتعاون بين الحضارات من خلال الحوار وثقافة السلام وكان اجدادنا همزة الوصل بين بلدان البحر الأبيض المتوسط.

الحروب التي مرت على لبنان تركت هذه الآثار المنتشرة في مدينة صور وصيدا وبعلبك وجبيل فريسة الإهمال والنهب البشري. وقام العدو الصهيوني بسرقة الكثير من هذه الآثار خلال إجتياح لبنان في العام 1982 بدون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من إسترداد هذه المسروقات.

فآثار لبنان الضاربةُ عميقاً في محاكاة التاريخ، لم تسلم من التدمير الممنهج على يد قوّات الإحتلال الإسرائيلي، وما نجا من القصف، والعسف، والتفخيخ، والتفجير، والمعاملة العبثية، والتشويه المبرمج، تمّت سرقته في وضح النهار، وعلى مرأى من العالم كلّه، ولم يتحرّك أحد لمقاضاة إسرائيل على جريمتها بالاستناد إلى القانون الدولي، ومعرفة أماكن وجود هذه المسروقات الثمينة، واستعادتها إلى رحاب الوطن. ثروات يسيل لها اللعاب ولم يميّز العدوّ الإسرائيلي بين الآثار “المولودة” في مناطق الجنوب والبقاع الغربي خلال احتلاله لهما ضمن فترات زمنية مختلفة بين العامين 1978 و2000، فنقل الكثير منها إلى خفايا متاحفه في فلسطين المحتلة، محتفظاً بها بدون وجه حقّ، بسبب أهمّيتها وشهرتها، وسمح للمتعاملين معه ببيع الباقي إلى متاحف العالم وتجّار الآثار، فاختفت كلّياً عن الوجود خشية افتضاح أمرها وخسارتها، وما يمكن أن تدرّه عليهم من ثروات يسيل لها اللعاب.

وفي مدينة صور، وتحديداً على طريق قانا، أجرى الإسرائيلي حفريات قرب قبر الملك أحيرام إنتهت بإخراج تحف مختلفة لم يعرف عددها، ولا حجمها، ولا أهمّيتها التاريخية، ونقلها جوّاً إلى فلسطين المحتلة لتغيب إلى الأبد. ولم يكتف بهذه السرقة، بل أقام في محيطه مركزاً عسكرياً خصّص لاستقبال البعثات الأثرية التي استباحت العديد من المواقع الأثرية في الجنوب، ولم يتركه إلاّ بعد انسحابه إلى ما سمّي بمنطقة “الشريط الحدودي” المحتلّ. وليس بعيداً عن مكان هذا القبر الذي نجا ناووسه بفعل وضعه في المتحف الوطني في بيروت وهو يحوي كتابات تعود إلى العام 1200 قبل المسيح، عمل الإسرائيلي على تخريب الملعب الروماني الشهير في مدينة صور حيث جرف المدافن والأسواق العتيقة، وسرق كمّيات من القطع الأثرية البيزنطية التي لا مثيل لها في العالم. كما استولى الإسرائيلي على توابيت من العصرين الروماني والبيزنطي عثر عليها في موقع رأس العين الكائن جنوب مدينة صور، ولم يتأخّر لبرهة في “تسفيرها” إلى متاحفه العامرة بالآثار اللبنانية والعربية.

مدينة صور التي تعرضت لأعنف الهجمات من قبل العدو الإسرائيلي، واكبر السرقات في التاريخ الحديث لم تجد من يدافع عن اثارها وتراثها إلا من قبل الغيارى على تاريخ المدينة فكانت جمعية صور الدولية للمحافظة على آثار صور التي سعت اليها سفيرة الأونيسكو للنوايا الحسنة الدكتورة مها الخليل شلبي التي كانت السباقة في التنبه لخطر ضياع الآثار فكانت الجمعية من أولى الجمعيات التي أنشأت في العام 1978 اي خلال فترة الإجتياح لملاحقة جرائم اسرائيل بحق حضارة لبنان ورفع الصوت عالياً أمام المحافل الدولية منذ انشائها، كرست الجمعية نشاطاتها من أجل صور وآثارها والإنسان فيها، وسعت الى التعريف بها وابراز أهميتها وضرورة الحفاظ عليها في مختلف أرجاء المعمورة. فأقامت المعارض والندوات والمحاضرات والحلقات الدراسية، كذلك تمكنت من استصدار قرارات من منظمة الأونيسكو، ومجلس الأمن، والبرلمان الأوروبي والمجموعة الفرنكوفونية ومجلس الشيوخ الأميركي وغيرها من المحافل الدولية تقر كلها بـالميزة الثقافية والتاريخية العالمية لمدينة صور، ومحيطها الأثري وضرورة حمايتها والحفاظ عليها من أجل الإنسانية.

وتوجت الجمعية جهودها بادراج صور، جبيل، بعلبك وعنجرعلى لائحة التراث العالمي، حتى قبل توقيع لبنان هذه الإتفاقية فعملنا على استحصال المصادقة على اتفاقية التراث العالمي عام 1983، وهذا لم يحصل في التاريخ سابقًا.

ومن نشاطات الجمعية في السنوات الأخيرة تأسيس "رابطة المدن الكنعانية الفينيقية والبونية" في العام 2009 كي تساهم في جعل المتوسّط، مهد الحضارات، منطقة تبادل وسلام. وفي عام 2014، تم إنشاء معهد للأبحاث حول الحضارة الفينيقية.

خطة عمل الرابطة تتمحور حول الثقافة والتاريخ، السياحة الثقافية، الحرف اليدوية والبيئة البحرية.

وتنظم الرابطة كل عام في شهر أيار "يوم فينيقيا" في عدد من مدن لبنان. في هذا اليوم يتم تنظيم رحلات مجانية لتلامذة الثانويات الرسمية تنطلق في توقيت واحد من العاصمة الى بيروت، جبيل، البترون، أنفة، طرابلس، صيدا، صور وبعلبك حيث تستضيفهم البلدية ضمن إمكانياتها المالية، مع طلاب محليين. فتنظم لهم زيارات لأبرز المواقع التراثية والأثرية والمتاحف. هذا اليوم يهدف الى خلق الوعي الثقافي وتشجيع الشباب على التعارف وصون التراث الحضاري الذي يعد ثروة وطنية كبرى.
كما تنظم الرابطة سنويّاً مؤتمرًا (Forum) في مدينة من المدن الأعضاء وذلك لتنمية روابط مميزة بين مدن الرابطة.

ومن أهم إنجازات الجمعية القرية الحرفية في مدينة صور حيث إن الأعمال جارية بوتيرة سريعة لإستكمال البناء، الذي بدأ في 6 حزيران2016 . إن البناء ذو طابع مميز، حضاري بالأسلوب الفينيقي القروي أي استعمال الحجر الطبيعي والطين والخشب وتجهيزات تراعي البيئة، بما في ذلك: جمع وتخزين ومعالجة مياه الأمطار، إعادة تدوير المياه المبتذلة، تأمين نظام الطاقة الشمسية بالإضافة الى نظام UPS يضمن انتاج الكهرباء.

إن "محترفات صور" ستكون بمثابة نموذج مثالي للتنمية الثقافية السياحية البيئية في جنوب لبنان، وهي استدامة الحرف التقليدية والأجداد. هذه المحترفات ستقدم فرص عمل كثيرة للنساء وذوي الإحتياجات الخاصة. في البداية سننشىء خمسة محترفات نموذجية في المجالات التالية: نفخ الزجاج التقليدي، نفخ الزجاج البيريكس، الرسم على القماش، صناعة الخزف وصناعة الحلي. ونأمل أن تدرج "القرية الحرفية" لاحقًا على خارطة السياحة الحرفية البيئية والثقافية، فتصبح معلمًا مقصودًا في صور.

المشروع الثاني الهام والفريد من نوعه هو المتحف الإفتراضي الفينيقي، بثلاثة أبعاد على الانترنت، سوف يبرز المراحل التاريخية للقطع والمكتشفات المختلفة العائدة إلى هذه الحضارة.

وأيضاً تم إنشاء مكتبة متخصصة للأبحاث وسيعقد المؤتمر السادس لرابطة المدن في شهر أيار 2017 في قرطاجة بالتعاون مع جامعة قرطاجة وأخيرًا جائزة إليسا-ديدون من أجل تعزيز المساواة وتكافؤ الفرص وتحفيز دور المرأة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسّط، خاصة ضمن رابطة المدن الكنعانية الفينيقية والبونية. تعطى هذه الجائزة كلّ عام لتكريم سيدتين من المميّزات أو المبدعات اللواتي قُمن بعمل مؤثّر في مجتمعاتهنّ في مختلف الميادين.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة