اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان "تاريخ لبنان مع الهجرة طويل ومؤلم، وهي ضريبة عاطفية تدفعها عائلاتنا منذ أن تحولنا الى بلد يصدر أبناءه بدل أن يصدر انتاجه"، مشيرا الى انها "لم تأت نتيجة ترف أو نزوة، بل بفعل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة دفعت بأبنائنا خارج حضن الوطن".
وحذر من أن "يكون أبناء لبنان يهاجرون بحثا عن وطن جديد وهوية جديدة، فهذا ناقوس خطر يدق"، سائلا: "لماذا يسعى أبناؤنا الى وطن بديل ويضحون بهويتهم ويتوسلون هوية أخرى لا يربطهم بها شيء؟"، مؤكدا أنه "في الإجابات الصادقة عن هذه التساؤلات يبدأ بناء الدولة".
وإذ توجه الى اللبنانيين المغتربين بالقول: "أنتم في أساس اقتصاد لبنان ولكم اليد الطولى في رخاء عائلاتكم"، فقد دعاهم الى "المساهمة في إعمار لبنان وازدهاره، فالوطن لا يبنى إلا بسواعد أبنائه، وورشة البناء قد انطلقت، ويقيني أن زنودكم ستشارك في وضع المدماك الأول".
مواقف الرئيس عون جاءت في خلال افتتاحه، قبل ظهر اليوم، مؤتمر الطاقة الاغترابية اللبنانية، الذي انطلق في دورته الرابعة في مجمع "البيال" في بيروت.
وقال: "ما أجمل أن يعود الأجداد والآباء والأبناء الى حضن الأم، الى دفء الأرض الأم التي ينتمون إليها. وها أنتم اليوم تعودون، ولو لزيارة خاطفة، ويستقبلكم الأهل والإخوة والأصدقاء بكل الفرح والسعادة، فأهلا وسهلا بكم في لقاء الأحبة الذي يجمع في كل عام اللبنانيين المنتشرين في جميع أصقاع العالم".
وأضاف: "أيها اللبنانيون القادمون من دنيا الانتشار، تنتمون الى وطن صغير على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، مساحته الجغرافية لا تتسع لكتابة اسمه على خريطة العالم، ولكن انتشاره البشري والإنساني غطّى الكرة الأرضية وجعل اسمه على مساحة العالم بأسره، ويقدم مساهمة فعالة في تطور المجتمعات الجديدة التي صار منها، حاملا معه قيم الوطن الأم المتجسدة بالحرية والتسامح وقبول الآخر، وتاريخه الذي هو تواصل حضارات متعاقبة، ما يساعده على التأقلم حيثما هو ويمكنه من ترك بصمته الخاصة في مجتمعه الجديد".
وتابع:"تاريخ لبنان مع الهجرة طويل ومؤلم، ففي كل بيت ابن أو أخ أو قريب غائب، يفتقدّه الأهل والأشقاء، تفتقده المناسبات العائلية والأعياد، ويكبر الصغار وهو بعيد. هي ضريبة عاطفية تدفعها عائلاتنا منذ أن تحولنا الى بلد يصدّر أبناءه بدل أن يصدر انتاجه. قد يظن البعض أن طريق الهجرة رحلة مفروشة بالورود والياسمين، فلا أحد يعرف معاناة المهاجرين إلا من يعيشها، وخصوصا في السنوات الأولى. فالانسلاخ عن الوطن بحد ذاته ليس بالأمر السهل إطلاقا والتأقلم في بيئة جديدة بكل ما تحمل من اختلاف عادات وثقافة ولغة، أيضا ليس بالأمر السهل، وهو قطعا لم يأت نتيجة ترف أو نزوة، بل بفعل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة دفعت بأبنائنا خارج حضن الوطن".
وقال: "منذ منتصف القرن التاسع عشر ومع عهود الظلم والاستبداد وما استجرته من ويلات، بدأ اللبنانيون يهجرون الوطن، ومع كل أزمة أو حرب كانت أعداد المهاجرين تتزايد أملاً بحياة أفضل حتى صار اللبنانيون المنتشرون في العالم أضعاف اللبنانيين المقيمين في لبنان".
أضاف: "يا أبناءنا في دنيا الانتشار، لقد استقبلتكم أوطان جديدة وصرتم جزءا منها وحملتم هويتها، قد يكون وضعها اليوم اقتصاديا وسياسيا أفضل من وضع وطنكم الأم، ولكن لا تنسوا أبدا أنكم تحملون إرث حضارة عظيمة. أنتم أبناء حضارة أعطت للصوت صورة وللصورة صوتا، فاخترعت الحرف وخزنت الفكر والعلم وأمنت انتشارهما وتوارثهما حتى يومنا هذا".
وتابع:"لغتكم الأصلية كانت الآرامية ولكنكم تكلمتم وكتبتم بكل لغات العصور الحضارية. في اليونانية كتبتم فكرا وفلسفة وعلوما، وفي اللاتينية كتبتم شرائع وعلمتم قوانين، وكانت بيروت "أم الشرائع" تدعى، وفيها أهم مدرسة للحقوق في مطلع القرون المسيحية. وأتقنتم اللغة العربية وأغنيتموها أدبا وفكرا وفلسفة، وعززتم من خلالها الفكر القومي العربي، وحافظتم عليها وعلى أصالتها في معاقلها خلال العهد العثماني وهي لغتكم الأم اليوم. هذه هي الحضارة التي تنتمون إليها، والتي هي عصارة ومزيج لحضارات عدة، وهي في أساس سرعة اندماجكم في المجتمعات الجديدة".
وقال: "أيها الحضور الكريم، أن نسافر موقتا، بحثا عن تعليم أفضل أو فرصة عمل غير متاحة لنا هنا فهو أمر جيد، ولكن أن نهاجر بحثا عن وطن جديد وهوية جديدة، فهذا ناقوس خطر يدق. فهل سألنا أنفسنا لماذا يسعى أبناؤنا الى وطن بديل؟ لماذا يضحون بهويتهم ويتوسلون هوية أخرى لا يربطهم بها شيء؟ لماذا يتحملون ألم فراق الأهل والأصدقاء وبيت الطفولة والحي والشارع؟ لماذا يتحملون مشقات التأقلم في بيئة جديدة كل شيء فيها مختلف عنهم؟ يقيني أنه في الإجابات الصادقة عن هذه التساؤلات يبدأ بناء الدولة".
وتابع:" أيها اللبنانيون المنتشرون في العالم، إذا كانت الأوضاع الاقتصادية قد دفعت بكم الى عالم الغربة، أو روح التمرد والحرية التي انطبعتم عليها جعلت أرضكم تضيق بكم في عصور الظلم، فإن ارتباطكم بالوطن الأم لا يزال ملفتا وعظيما. فأنتم وإن غبتم عن لبنان بالجسد فهو لم يغب أبدا من قلوبكم. فأنتم في أساس اقتصاده ولكم اليد الطولى في رخاء عائلاتكم. أنتم مفخرة لوطنكم، وإنجازاتكم في كل أصقاع الأرض تروي سيركم، لقد أمنتم التواصل والتقدم الحضاري بين الشرق والغرب، فأصبحتم قلبا لغرب جاف وعقلا لشرق حالم. وكما عليكم واجب الوفاء للدول التي احتضنتكم وقدمت لكم حياة أفضل، وساهمتم بإعمارها وازدهارها، عليكم أيضا واجب الوفاء للوطن الأم، وهذا الوطن يناديكم لتساهموا أيضا بإعماره وازدهاره، وتأكدوا أن قلبه مفتوح لكم دائما متى أردتم العودة، فالوطن لا يبنى إلا بسواعد أبنائه، وورشة البناء قد انطلقت، ويقيني أن زنودكم ستشارك في وضع المدماك الأول".
وختم: "أيها الأحبة، كونوا أبعادا لبنانية حيث أنتم، واحفظوا هويتكم، لأنها تاريخكم وجذوركم".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News