ليبانون ديبايت – عبدالله قمح
قُدّرَ على "الجماعة السياسية" في لبنان أنّ تضع العصي في الدواليب كلّما التقطت قرون استشعارها إيجابيةً ما، وأن تحفُرَ في جرن التفاؤلات والاقتراحات التي تقود إلى حلول، عاملةً على تفتيته. آخر ضحايا هذه الهواية هو الاقتراح المقدّم من النائب جورج عدوان والذي يترهل على ابواب غرفة الانعاش والتنفّس الاصطناعيين، بعد أن لامس حدّ الوفاة من جرّاء السقوف المرتفعة في النقاش بين بعبدا وعين التينة، والذي يأخذ منحىً سلبيّاً خطيراً بسبب تفسيراتٍ دستوريّةٍ متباعدة.
حزب الله الذي آثر الابتعاد عن هذا الجوّ المُلبّد بالغيوم تاركاً حلّ أمور البيوت لأصحابها، توقّعت أوساط قريبة منه لـ"ليبانون ديبايت"، أنّ يتدخّل المصلحون نيابةً عنه، لتدارك الأسوأ وإسقاط المأمول - المدفوع ثمنه غالياً من الوقت والنقاش، مستغلين حضور الرئيس نبيه بري في مأدبة الإفطار الرمضانيّة السنويّة في قصر بعبدا يوم الخميس القادم، التي دعا إليها الرئيس ميشال عون وسيتخلّلها كلمة له، من المتوقّع أن تلامس جوهر المشكلة الانتخابيّة.
استغلال الزيارة غير الخاصّة والآتية بعد انقطاع طويل، يعوّل "المصلحون" على ترجمتها من خلال ما تسنّى لـ"ليبانون ديبايت" الاطّلاع عليه من محاولةٍ لجمع الثلاثي عون وبرّي والحريري على طاولة الاجتماع بعد مأدبة الإفطار، للتخفيف من الأزمات وسحب الاحتقان والركون إلى لغة المنطق في عرض المشاكل ومحاولة إيجاد الحلول. ويبدي الدافعون نحو هذا الخيار إلى إمكانيّة نجاحهم في مسعاهم نتيجة الظروف الراهنة التي تحتّم الركون إلى العقل والمنطق، مبدين اعتقادهم أنّ جلوس الرؤساء الثلاثة سويّاً قد يزيل الكثير من الرواسب ويعيد ضخ الروح في اقتراح "عدوان" الذي وصل إلى مستوى الموافقة لولا العراقيل المستجدة، معتقدين أنّ "نهاية الإفطار سيرشّح عنه شيء ما مفيد جداً".
وحتّى ذلك التاريخ، تبدو الاتّصالات الانتخابيّة، وفق أكثر من مصدر مطّلع على الأجواء، شبه منعدمة لا بل منقطعة، مع الإبقاء على إمكانيّة حصول خروقات نتيجة اتّصالات ما ربّما تجري من خلف الكواليس بغية إعادة إحياء عجلة الدفع الجامدة. النائب جورج عدوان الذي يصفّق راحٍ على راح، مستمرّ في خياره التزام الصمت على الرغم من كلّ الأوجاع التي تعتليه. أحدث الكلام هو الذي خرج عن اللّقاء الثلاثيّ الذي عقد في منزل وزير الخارجيّة في اللّقلوق واستمرّ حتّى وقتٍ متأخّر من فجر الثلاثاء، والذي حضره إضافةً إلى باسيل وعدوان، النائب إبراهيم كنعان.
وخرج المجتمعون، وفق مصادر "ليبانون ديبايت" باتّفاقٍ على الاستمرار في الدفع والتنسيق سويّاً للوصول إلى استكمال النتائج الجيّدة التي تمّ التوصّل إليها، مضاف إليها استمرار البحث في آليات نقل المقاعد التي رأى المجتمعون أنّه "جرى التوافق عليها من قبل أطراف، مقابل معارضة أطراف أخرى"، لكنّ أبرز ما جرى التأكيد عليه، هو "فصل الموقف الدستوريّ المتعلّق بفتح الدورة الاستثنائيّة عن الموقف السياسيّ المتعلّق بقانونِ الانتخاب"، ما يقرأ على أنّه توفير مناخات من أجل الوصول إلى حلول، والتخفيف من التشنجات.
توفير المناخات انسحب على كلام الوزير جبران باسيل بعيد الاجتماع الاسبوعي لتكتّل التغيير والاصلاح، والذي اعاد تعبيد الطريق امام افتتاح الدورة الاستثنائية مقرونة بالتنازل عن الاجتهادات الدستورية التي اطلقت وتمس جوهر صلاحيات الرئيس، مقدماً خلال المؤتمر الصحفي جواباً ضمنياً على اقتراح عدوان، قبول السير باقتراح النسبية على 15 دائرة المشروط بالحفاظ على الضمانات، لكن الصفعة التي وجهت للمسودة العدوانيّة هو اقتراحه العودة الى بند ال108 نوّاب الذي نصّ عليه اتفاق الطائف بدلاً من 128 المعتمد حالياً، حيث يمكن ان يؤدي هذا الطرح المستجد الى اعادة النقاش الانتخابي الى نقطة الصفر وتجاوز ما تم الاتفاق عليه مؤخراً.
وعلى الرغم من انسداد أفق مصير اقتراح الـ15 دائرة، اُبلغ "ليبانون ديبايت" من مصادر الثنائيّة المسيحيّة، أنّ كلّ من التيّار الوطنيّ الحرّ والقوّات اللّبنانيّة لن يفرطا بهذا القدر الإيجابي من التفاهم على قانون، والذي جرى التوصّل إليه بتكاتف الجميع" مؤكّدةً أنّ "الوصول الى قانون قبل 20 حزيران بات شبه محسوم، على الرغم من كلّ الصعاب"، وهو كلام تقاطع مع موقف الرئيس ميشال عون الذي أكّد أمام زوّاره أمس أنّ "الانتخابات النيابيّة ستحصل على أساس قانون النسبيّة بالاتّفاق مع المكوّنات السياسيّة كافّة في لبنان"، مجدّداً تفاؤله بـ"إمكانيّة الوصول إلى تفاهمٍ حول هذه المسألة قريباً"، وهو ما يتقاطع أيضاً مع تصريحٍ لرئيس حزب القوّات اللّبنانيّة سمير جعجع الذي أعلن أمس أنّ "القانون الانتخابيّ قطع 95 في المئة من مخاضه نحو الولادة والخمسة الباقية تفاصيل لا يمكن أن تعثّر بلوغ الهدف" معلناً أنّه "سيواجه بالمُتاح والممكن مهما كلّف الأمر" مجدّداً التأكيد على عدم العودة إلى قانون السّتين "مهما تفاقمت الأمور وبلغت الخلافات السياسيّة أشدّها".
وعلم "ليبانون ديبايت" من مصادر مواكبة للاتّصالات الانتخابيّة، أنّ النقاش الحالي يتركّز على نقاط تتعلّق بكيفيّة احتساب الأصوات وطريقة احتساب نسبة الفرز ونقل المقاعد المسيحيّة، وهذه الاخيرة تُعتبر الأكثر تعقيداً مع رفع مكوّناتٍ أساسةٍ شعار المعارضة الكاملة لها.
بالعودة إلى نزاع "بعبدا - عين التينة"، قالت مصادر سياسيّة لـ"ليبانون ديبايت"، إنّ الرئيس نبيه برّي لم يكن موفّقاً في مؤتمره الصحفي الأخير لناحية المواد الدستوريّة التي تسلّح بها، والتي تناقض بوجهٍ واضح ما يَرد في المادة 31 من الدستور والتي تنصّ حرفيّاً: "كلّ اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعدّ باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون"، وبالتالي فإنّ اعتبار رئيس المجلس أنّ البرلمان يمكنه أن ينعقد من خارج الدورة الحاليّة التي تنتهي في 31 أيّار كونه دخل في فترة تأخير بسبب استخدام الرئيس للمادة 59 من الدستور هو "خارج عن النصّ والسياق وغير مألوف".
وتشير المصادر، أنّ هذه المادّة تحديداً أرخت جوّاً من التنازع المرتفع السقف بين بعبدا وعين التينة، والذي انعكس نشاطاً دستوريّاً نقاشيّاً على حساب قانون الانتخاب، ما قد يؤدّي إلى عرقلة مساره ونسف التفاهمات الحاليّة المتوافرة، خاصّة مع استشعار بعبدا أنّ عين التينة تريد "انتزاع صلاحيّات عبر تأويلات وتفسيرات دستوريّة غير موجودة" وعين التينة التي تشعر أنّ بعبدا "لا تريد حصول الانتخابات إلّا وفق ما تراه مناسباً لها" غامزةً من قناة القانون النافذ (الستين) الذي كان قد المح اليه الرئيس عون سابقاً.
وحده الرئيس سعد الحريري يتجرّع الكأس المرّة من عدم فتح الدورة الاستثنائيّة التي كان قد وقّع اقتراح مرسومها وأرسله إلى الرئيس لتوقيعه، بعد أن كان قد تنازل ووافق على قانون الـ15 دائرة إيماناً منه بتوفير عوامل نجاح المساعي. ولا تخفي مصادر تيّار المستقبل لـ"ليبانون ديبايت"، إحباط الرئيس الحريري من الطريق الذي سُلك في الأيّام الماضية، مؤكّدةً أنّه نشط في اليومين الماضيين على خطّ بعبدا - عين التينة محالاً تخفيف وتطرية الأجواء وإزاحة أيّ سلبيّات عن العلاقة وتوفير أجواء ملائمة لإفطار الخميس الذي قد يقود إلى تصفية نيّات في اجتماعٍ ثلاثيّ مقترح.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News