ليبانون ديبايت – المحرر الأمني
عناصر الجراحة العسكرية اكتملت في الجرود اللّبنانيّة المحتلة من داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، بموازاةِ اختمار الخُطط على المقلب السوريّ. جميع المعلومات تتقاطع حول الإعداد للحظةِ الانقضاض الحاسمة، التي يُتَوَقّع أن تحصل مع نهاية شهر رمضان المبارك أو أواخره، والتي تأتي من ضمن القرار بإنهاء حالةِ هؤلاء في البقعة الجرديّة اللّبنانيّة، توازياً مع "فورة الغضب" التي تجتاح معاقل داعش من العراق حتّى سوريا.
يتحدّث عارفون، نقلاً عن تقارير أمنيّة واستخباراتيّة عدّة، عن أنّ الخريطة العسكريّة في هذه المنطقة ترسم على بقعة جغرافيّة تعادل مساحتها 480 كلم مربع موزّعة السيطرة بين "داعش، النصرة، سرايا الشام" فيما يستحوذ "تنظيم البغدادي" وحده على ثلثي المساحة. وتوضّح أنّ الجردة هذه نتجت عن آخر معركة وإعادة تموضع حصلا عام 2015 خلال هجوم حزب الله من الطرف السوري. أمّا اليوم، فيؤكد العارفون أنّ مسلّحي داعش تقلّصوا في الجرود نتيجة عوامل عدّة، طبيعيّة وعسكريّة، منها الحصار واستهدافات الجيش المتتالية، وبالتالي تشير التقارير إلى أنّ العدد لم يعُد يتجاوز الـ600 مقاتل يتوزّعون على 3 قواطع تمتدّ من تلّة الثّلاجة في الزمراني، حتّى تخوم جوسيه شمالاً وجرود رأس بعلبك والقاع شرقاً، يقودها كلّ من:
قاطع وادي ميرا - يقوده القائد العام لداعش في الجرود الغربيّة موفق أبو السوس القصيراوي.
قاطع الزمراني - يقوده الأمير الشرعي أبو البراء الجريجيري
قاطع مرطبيا - يقوده "القصيراوي" خلفاً للأنصاري الذي قتل مؤخراً
إذاً، العمل على جبهة الجرود سيكون على طرفي الحدود، أي في مشهدٍ مشابه للمعركة الدائرة حاليّاً من جهة الحدود العراقية وفي البادية السورية، ما يدلّ على أنّ قرار إنهاء حالة التنظيم الإرهابي قد اتّخذت على المستوى الإقليمي بقرارين. الأوّل عراقيّ - إيرانيّ - سوريّ - روسيّ ومن حزب الله، والثاني أميركيّ - دوليّ من جهة الولايات المتحدة الأميركيّة وأعوانها.. وتالياً، بدأ التسابق على من يستولي على مكامن القوّة أوّلاً، في أسلوبٍ أشبه بأسلوب الحرب الباردة.
وبينما قادة الحشد الشعبيّ والإيرانيون يتجوّلون على ضفّة الأنبار يراكمون الانتصار تلو الانتصار، كان قادة حزب الله يرسمون معالم المعركة في البادية السوريّة ويقودون المقاتلين الى تخوم دير الزور، وصل قائد المنطقة الوسطى الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل إلى بيروت، ليواظب على معاينة الحدود اللّبنانيّة، ونقاط التماس مع الجرود المحتلة تحديداً، ويقدّم ويعطي إشاراته حول الشراكة الأميركيّة مع لبنان في مقاتلة الإرهاب ومنع تمدّده، ما يعطي انطباعاً أنّ الإدارة الأميركية اتّخذت من بيروت قلعةً لها لدخول غِمَار إنهاء التنظيم على طرفي الحدود.
ولا تُخفي أوساط عسكريّة، أنّ زيارة فوتيل بهذا التوقيت، تنمّ عن معلوماتٍ صارح بها القادة العسكريين اللّبنانيين، حول إمكانيّة أن يخترق داعش الحدود اللّبنانيّة بأرتالٍ عسكريّة، نسبة إلى الضيق الذي يعاني منه على طرفي الحدود السوريّة - العراقيّة، ما يدفعه إلى البحث عن مخارج من تلك المنطقة، وبالتالي، حضر الضابط الأميركي الرفيع وعاين مواقع الجيش اللّبنانيّ وخطوط الدفاع والتحضيرات التي من شأنها أن تكبح جماح التنظيم.
توازياً، صارح القائد الأميركيّ عن رغبة واشنطن في أن يطلق الجيش اللّبنانيّ معركة في الجرود لإنهاء وجود هؤلاء. في النظرة الاستراتيجية، تتصل المعركة بتلك الدائرة في الأنبار والبادية، ومن حيث الوقائع، تريد واشنطن الاستفراد بالجبهة اللّبنانيّة لقطع الطريق على أي استفادة من حزب الله كالحاصل في سوريا مثلاً، فمن مصلحة واشنطن أن ينتشر الجيش في مناطق داعش لا الحزب، كي لا ينجح بإقامة الربط بين العراق سوريا ولبنان، وهو مكمن الدفع الأميركيّ الحاصل.
الدفع هذا يتّصل بالاختراق الذي حصل بما خصّ لبنان الذي استثنائه من اقتراح وزارة الخارجية، تخفيف الدعم العسكريّ للدول الخارجيّة، إذ تواتر لـ"ليبانون ديبايت" أنّ المساعدات العسكرية التي تصل للجيش عبر الجوّ، ستزخّم في الفترة المقبلة ويضاف إليها قائمةً بالأسلحة المطلوبة للقيام بمعركةِ الجرود.
ولهذا الحضور الأميركيّ دلالات عدّة، فكما سبق وأسلفنا في تقارير، فواشنطن تعوّل على إراحة البيئة الداخليّة اللّبنانيّة من أيّ خطرٍ عسكريٍّ، انسجاماً مع خططها الرامية إلى تعزيز مكانتها الدبلوماسيّة والمخابراتيّة في بيروت على حدٍّ سواء، وكون لبنان يُنظر إلى جيشه على أنّه أثبت كفاءةً في قتالِ الإرهابيين، تُعوّلُ الإدارة الأميركيّة على رفدهِ بالسلاح انسجاماً مع ما قاله الرئيس ترامب للسعوديين: "نحن لن نقاتل عنكم، أنتم عليكم أن تقاتلوا"، والموضوع نفسه ينطبق على الضفّة اللّبنانيّة، إذ ستُسخّر واشنطن السلاح، لكن من عليه إنهاء داعش هو الجيش اللّبنانيّ وليس سواه، وهو أمر يعود بنسبة فائدة الى الاستراتيجيّة الأميركيّة في المنطقة.
توازياً، وبينما كان الجيش اللّبنانيّ يرفع من درجة استنفاره على الحدود مراقباً هجمات "داعش" نحو مواقع "النصرة" و "سرايا الشام" محلّلاً إيّاها ومحتسباً لإمكانيّة هروب عناصر من التنظيم من البادية السوريّة أو من ريف حمص لجهة تدمر، في اتّجاه الجرود اللّبنانيّة السوريّة، ويستعدّ لشنِّ ضربةٍ عسكريّةٍ استباقيّة، كان حزب الله على المستوى السوري يقلّب الخطط العسكريّة لديه ويستقدم التعزيزات المؤلّفة من نخبةِ مقاتليه إلى مناطق المصالحات الحدوديّة السابقة، ما اعتبره محلّلون مقدّمةً لشنِّ هجومٍ يُتوقَّع أن يبدأ في نهاية شهر رمضان.
أمّا انتظار الحزب لهذا التاريخ، فمردّه إلى إمكانيّة نيل الجواب الميدانيّ الشافي حول "التسوية" القاضية بانسحاب مجموعات "سرايا" و "فتح" الشام من موقعيهما، وبناءً على الجواب يُصار إلى التعامل مع الحالة.
"داعش" يتحسّب لصعود الحزب والجيش السوريّ نحو مواقعه، وهو لهذه الغاية حرص في الفترة الماضية على إبقاء أرضيّة الاشتباك مع مجموعات "سرايا" و "فتح" الشام مفتوحة، محاولاً ترتيب سيناريو خاصّ به، قِوامه التمدّد إلى مناطقهم والاستحواذ عليها، بعد التماسه إشارات حول قبولهم بـ"تسوية نصرالله".
لكن التحسّب والنشاط الاخير للتنظيم، لا يخفي بذور النزاعات الداخليّة القاسية في قواطع القلمون، بين الامراء التي تظللها اسباب ضعف الامدادات العسكرية وقلة الموارد التموينية، والتي سعى التنظيم لسدها محاولاً الوصول في الهجوم الماضي الى مخيّم النازحين في مدينة الملاهي غرب عرسال بغية تأمين الإمداد التموينيّ المطلوب فضلاً عن جعل المخيّم رافداً للمقاتلين، يعوضه عن الخلل الذي اصيب فيه نتيجة سد خطه الخلفي في البادية.
ومع توافر كلّ ظروف النجاح للعمليات العسكريّة القادمة، يشهد "داعش" هبوطاً معنويّاً في صفوفه، أكثره يأتي من جرّاء الضربات الأمنيّة المتعاقبة التي وجّهها الجيش اللبناني واستخباراته لقيادة التنظيم في الجرود، وتلك التي خصّ بها حزب الله داعش في القسم الشماليّ الغربيّ من القلمون، وما زادرها، فشله في قضم مناطق جبهة النصرة مؤخّراً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News