المحلية

placeholder

المحامي جو كرم

ليبانون ديبايت
الجمعة 28 تموز 2017 - 09:30 ليبانون ديبايت
placeholder

المحامي جو كرم

ليبانون ديبايت

دفاعا عن "شعب لبنان العظيم": حصنوا السلطة القضائية المستقلة!!!

دفاعا عن "شعب لبنان العظيم": حصنوا السلطة القضائية المستقلة!!!

ليبانون ديبايت - المحامي جو كرم، ممثل الاتحاد الدولي للمحامين في لبنان

لقد عدت مؤخرا من الولايات المتحدة الاميركية حيث شاركت في مؤتمر دولي "للمؤسسة الدولية لادارة المحاكم "، وقد تم خلال هذه التظاهرة القضائية الدولية تسليم " محاكم امارة دبي" جائزة ثاني أفضل عشر محاكم في العالم لاستعمالهم لافضل الحلول التقنية والخدمات الذكية والنفاذ الى العدالة حيث تسلم الجائزة وفد رفيع من قضاة دولة الامارات العربية بحضور سفير الامارات العربية في واشنطن. كما تسنى لي زيارة المدافن الوطنية في مدينة أرلينغتون حيث مدفن الرئيس السابق كينيدي وقد لفتني أن الحكومة الاميركية قد خصصت الى جانب مدفن الرئيس الاميركي تلة خاصة سميت بتلة مدافن المحكمة الفدرالية العليا وفيها يرقد كافة قضاة المحكمة العليا. أن ذلك وان دل على شيء،انما على احترام من السلطات التنفيذية والتشريعية والبلدية الاميركية لموقع السلطة القضائية حتى في مماتها! وفي مدينة واشنطن يغوص الاعلام الاميركي حاليا بالتحقيقات التي بدأها مكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي بتوجيه من القضاء حول مخالفات ربما اعترت الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية ترامب !

أما في لبنان، البلد الذي نتغنى فيه بالديمقراطية ودولة القانون، فإن ما جرى مؤخراً من تقويض لاستقلالية السلطة القضائية عبر إدراج قوانين تتعلق بهذه السلطة ضمن قانون لا علاقة لهذه السلطة بها لا من قريب ولا من بعيد إنما يشكل ضرباً لدولة القانون وقضاء عليها .

وإن مسار تقويض السلطة القضائية لم يبدأ مع إقرار السلسلة خلال شهر تموز 2017 إنما هو نتيجة تراكمات سابقة. ففي شهر كانون الأول 2017 وخلال جلسة المجلس النيابي الاشتراعية طلب دولة رئيس الحكومة بالتوافق مع معالي وزير العدل سحب مشروع قانون كان يقضي بتعديل المادة 5 من قانون القضاء العدلي التي تقضي باعطاء مجلس القضاء الاعلى الكلمة الفصل في اقرار المناقلات القضائية دون توقيع وزير العدل ما يعزز استقلالية السلطة القضائية عبر إعطاء مجلس القضاء الأعلى الحرية في إجراء التشكيلات القضائية ونشر مرسومها التنفيذي ...إن هذا النص يشكل معيار نجاح المجلس في التشكيلات، وبغياب سلطة المجلس الحرة في اجراء التشكيلات لا يمكن الكلام عن نجاح أو فشل امتحان المناقلات القضائية.

وإن ما يعكس هذا المسار التقويضي للسلطة القضائية يبرز من خلال الإهمال اللاحق منذ زمن بعيد بهذا القطاع. فالدولة لم تؤمن للقضاء الحد الأدنى من الأماكن اللائقة بالقضاة والمتقاضين ومن لوازم العمل. فقصور العدل، قديمة كانت أم جديدة، تعاني ما تعانيه من إهمال ولامبالاة بوضعها واحتياجاتها. فها هو أحد المحامين المخضرمين ينقل إلى المستشفى لعدم تحمله درجات الحرارة المرتفة في أحد قصور العدل في منطقة البقاع فيما كان ينتظر حضور إحدى جلسات المحاكمة وهو لا يزال في غرفة العناية الفائقة في أحد مستشفيات بيروت.

أما القضاة فيستعملون حواسيبهم ومدخراتهم الخاصة لغايات العمل. فالتفتيش القضائي الذي أنيط به مهمة التوجه إلى قصور العدل لمراقبة حسن سير العمل وملاحقة المخالفات، لا يملك سيارة خدمة واحدة موضوعة في تصرفه للقيام بهذه المهمة، فيستقل المفتشون سياراتهم الخاصة للتنقل واتمام هذه المهام في 35 مركز قضائي في كافة المحافظات اللبنانية... أما مكننة قطاع العدل، فقد انقضت 9 سنوات على المنحة المقدمة من الاتحاد الاوروبي الى وزارة التنمية الادارية لمكننة المحاكم واذا بنا لا نزال نرزح تحت حفنة الورق وضياع المستندات في أقلام المحاكم.

كل هذا الإهمال كان يحصل قبل حصول أزمة النزوح السوري. أما وقد أرخت أزمة النزوح بثقلها على لبنان، لم نر أن أيا من مسؤولينا تنبه إلى تأثير هذه الأزمة على القضاء وعلى هذه السلطة. فدولة الرئيس سعد الحريري الف وفداً رفيعاً لمرافقته بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء مسؤوليها والمؤسسات المانحة للمطالبة بالمساعدات الأمنية والاقتصادية للبنان بسبب أزمة النزوح، ولحماية لبنان من أي عقوبات قد تصدر، ولكننا لم نر بين أعضاء الوفد أي مسؤول عن قطاع العدل أو عن المرفق القضائي وكأن هذا القطاع غير معني بهذه الأزمة. أما وقد أعلن الرئيس الحريري صبيحة هذا اليوم من واشنطن أنه تمت زيادة مساهمة الحكومة الاميركية ب 140 مليون دولار أميركي لصرفها على حاجات النازحين فإننا نتمنى أن نعرف ما هي حصة قطاع العدل منها.

وإنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استبعاد هذا المرفق الأساسي من الزيارات الرسمية التي تجوب العواصم بهدف المطالبة بمساعدة لبنان في مواجهة تأثيرات أزمة النزوح السوري. فمنذ حوالي السنتين توجه وفد لبناني رسمي إلى لندن برئاسة دولة الرئيس تمام سلام للمشاركة في اجتماع للدول المانحة وقد جرى أيضاً استثناء المرفق القضائي، ربما عن غير قصد، من عداد الوفد ومن المطالبات، لابراز معاناته واحتياجاته أمام الدول المانحة. فللاشقاء السوريين قضايا مدنية وشرعية وشخصية وهي معروضة أيضا على المحاكم اللبنانية ولا يمكن فقط حصرها بالقضاء الجزائي.

وعوض أن تقوم الدولة بمكافأة قطاع العدل، كما الامن، لتحمله ضغط العمل مضاعفا، قام بعض النواب بمقاربة المسألة من زاوية ضيقة عبر خسارة قضية أو عدم تلبية طلب من أحد القضاة، أو التذرع بتقصير قاض من هنا أو من هناك، للتصويب على هذه السلطة وتصويرها على أنها غير منتجة في حين أن الأرقام تدل على عكس ذلك. فعلى سبيل المثال، في العام 1994 كان عدد الشكاوى في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان يقارب ال30000 ألف شكوى، أما اليوم فقد فاقت أرقام هذه النيابة العامة ال95000 ألف شكوى في السنة .أما على الصعيد العام فالارقام الموثقة في سنة 2016 لدى المراجع القضائية تفيد بصدور 130000 قرار قضائي في كافة الاراضي اللبنانية مقابل ورود 140000 ملف خلال نفس السنة !!! وإن المرفق القضائي اللبناني المؤلف من حوالي 530 قاضياً (منهم 370 قاض حكم و160 قاضيا ملحقين بالنيابات العامة ودوائر وزارة العدل والمحكمة الدولية ) كان معداً لخدمة حوالي 3 ملايين مواطن و500 ألف زائر. أما اليوم فقد بلغ عدد المقيمين في لبنان ما يقارب ال6 ملايين نسمة، ولكل شخص حقوق وواجبات ومنها النفاذ إلى العدالة أكان ادعاءً أم دفاعاً. أما هذا المرفق فبقي هو هو عدة وعديدا... باستثناء بعض المبادرات التنظيفية اليتيمة لتحسين بعض المظهر الذي لا يرتقي الى ما يجب أن يكون عليه شكل القصر " قصر العدل". فقصور العدل يجب أن تكون صيانتها ومظهرها موازية لنوعية صيانة مراكز ومقرات السلطتين التشريعية والتنفيذية، ففي الشكل هيبة واحترام... أما في الاساس ان الموارد المخصصة لمرفق العدالة لا تكفي لتطويره بحيث تكون الادارة القضائية مؤهلة حسب مبادئ الحوكمة والشفافية المعتمدة دوليا. فميزانية وزارة العدل تصل الى نصف بالماية من اجمالي موازنة الدولة اللبنانية (وهذا النصف بالماية يشمل المباني والمحاكم ومرتبات الموظفين والقضاة وقرطاسية و...تطوير !! )

إن ذلك كله إن دل على شيء انما على تقديم باقي مؤسسات الدولة على أولوية تطوير المرفق القضائي.

وإننا نتمنى على المسؤولين كافة العودة إلى أحكام الدستور وإلى خطاب قسم فخامة رئيس الجهورية العماد ميشال عون، وإلى البيان الوزاري لحكومة دولة الرئيس سعد الحريري فيما خص استقلال السلطة القضائية.. فالقضاء سلطة مستقلة ليس فقط بحكم المادة 20 من الدستور إنما أيضاً بمقتضى مقدمة الدستور و بمفهوم المادة 80 منه التي نصت على انشاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإن هذه المادة إلتي جعلت القاضي رئيساً لهذا المجلس. فلو لم يكن القضاء سلطة موازية للسلطتين التنفيذية والتشريعية كيف له أن يحاكم الرؤساء والوزراء ؟

إن السلطة القضائية المستقلة ليست مطلب القضاة وحدهم ولا يجوز تصويرها بهذا الشكل. إن هذه الاستقلالية هي مطلب كل مواطن لبناني وكل اجنبي يخضع للقانون اللبناني. فوحده القضاء المستقل يشكل الضمانة لصيانة حقوق الناس وكراماتهم وأموالهم، وأساساً لجذب الاستثمارات وتطوير الاقتصاد وتعزيزه، كما من شأنه أن يوفر على الدولة مبالغ طائلة ناتجة عن لجوئها إلى التحكيم الأجنبي، واستشارة مكاتب محاماة اجنبية حيث دفعت الدولة مؤخراً حوالي مليون دولار أميركي لهذه الغاية وفي دعوى واحدة -أي ما يوازي على ما نعتقد عشر مساهمة الدولة السنوية في صندوق تعاضد القضاة- ( يرجى مراجعة العدد 32 من الجريدة الرسمية ص 2556 المرسومين 1053 و1054 تاريخ 20/تموز 2017).

فلماذا لا تنشئ الدولة اللبنانية جنة حقوقية قضائية في بيروت اسوة بمركز دبي المالي تكون واحة للقضاء والاساليب البديلة لحل النزاعات وتعود بيروت المركز الاقليمي للاعمال والحقوق!

وان مقاربة موضوع حقوق ومرتبات ومقدمات القضاة عبر إدراج مواد تتعلق بالسلطة القضائية بالشكل الذي حصل فيه لم تكن صائبة ابدا. فلقطاع العدل خصوصيته ومقاربته العلمية ومعاييره الدولية.

وعلى الدولة ليس فقط الإكتفاء بإعطاء الحد الأدنى للسلطة القضائية إنما يجب تعزيزها بالموارد البشرية والمادية عبر زيادة ميزانية قطاع العدل لتوازي 20 % من ميزانية قطاع الامن والدفاع. لكي يستقر المواطن والاجنبي في ظل أجهزة امنية وعسكرية مجهزة للحفاظ على الامن والنظام وأجهزة قضائية تحاكم وتصحح في حال الخطأ... وعلى الدولة أن تسمع نداء البنك الدولي هذا الاسبوع حيث طالب لبنان بتحسين بيئة الاعمال...فكيف يمكن تحسين بيئة الاعمال في لبنان من دون تطوير مرفق العدالة حسب المعايير الدولية للحوكمة والاستقلال؟؟!!

إن ميزانية واستقلال السلطة القضائية ليست مسألة وجهة نظر انما هي الاساس للاصلاح وانجاح جهود فخامة الرئيس ودولة الرئيس والحكومة اللبنانية مجتمعة للنهوض بلبنان دولة المؤسسات. بناء على ما تقدم أدعو فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ودولة رئيس مجلس الوزراء لانشاء لجنة وزارية قضائية مشتركة لوضع استراتيجية نهضوية لمستقبل مرفق العدالة في لبنان وعلى أن تستعين باستشاري أجنبي متخصص باعادة هيكلة المؤسسات العامة وتضع خارطة طريق لعشرين سنة قادمة تتعهد كافة الحكومات بتطبيقها ، فتجربة قطاع العدل في دولة الامارات العربية مثال يحتذى به حيث استفادت وزارة العدل الاماراتية من خبرات لبنانيين ومنهم قضاة من لبنان نعتز بهم. فقطاع العدل في لبنان يزخر بقضاة ومحامين مشهود لهم عالميا بكفاءتهم ونزاهتهم وما ينقصهم هو قرار السلطات السياسية بالمباشرة ببناء خارطة طريق تطوير قضائية حقوقية اساسها سلطة قضائية مستقلة ونزيهة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة