من الرسائل النصية الى "البيت الأثري".. هكذا ولد "لقاء اللقلوق"

"ليبانون ديبايت"

من تابع وسائل التواصل الاجتماعي في الايام الأخيرة، ظنّ لوهلة أن خطوط التماس السياسية عادت لترسم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، على وقع التباينات والسجالات والمواقف المتباعدة، من الكهرباء الى معركة الجرود، مروراً بالملف السوري، بشقيه التنسيقي والنزوح.

وجاء "تفضيل" النائب الان عون في اطلالة تلفزيونية، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ليزيد طين السجال بلّة، ويحوّل اجابته الى مادة للاستغلال والتعليق ورش البنزين على نار العلاقة بين الحزبين المتفاهمين. على الرغم من توضيح عون السياق الذي جاء فيه موقفه بالرد على سؤال عن التقارب السياسي، لكن التراكم فعل فعله لناحية الاستغلال من جهة، وردود الافعال من جهة ثانية.

كل ذلك اشّر الى أن شيئاً ما يجب ان يحصل، خصوصاً ان القصف الكلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي استفز شخصين رافقا تكوّن العلاقة، مذ كانت بعد جنيناً وتطورت حتى ولد لقاء الرابية في الثاني من حزيران 2015، ولقاء معراب في 18 كانون الثاني 2018، وهما ابراهيم كنعان وملحم الرياشي. فكان الأخيران يتبادلان الرسائل النصية المتمحورة حول السؤال التالي: شو لازم نعمل؟

في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وبعدما وصلت النقاشات الى البند المتعلّق بالبيوت الاثرية، استغل الرياشي المناسبة لتبادل اطراف الحديث مع باسيل وليسأله " متى سنبحث ترميم بيتنا الاثري؟". فهم باسيل مقصد الرياشي وغمزه من قناة العلاقة بين التيار والقوات. فما كان منه الاّ أن سارع الى احالة سائله بعبارة "أنا جاهز".

كالعادة، رجع الرياشي الى توأمه في "اعلان النيات" والعلاقة بين معراب والرابية، ابراهيم كنعان، الذي عاد بدوره وابلغ باسيل بالنية بالزيارة الصباحية في اللقلوق. زيارة استبقها العرابان بالتغريدة المشتركة المسائية الجمعة" قد ما تقوى ايدين الشرّ المصالحة المسيحية أقوى".

صباح السبت، عرّج الرياشي على البياضة ليصطحبه كنعان بسيارته الى لقاء رئيس التيار. وبين المتن وجبيل، كانت المناسبة فرصة لاستعادة الايام الأولى للحوار القواتي-العوني، والرحلات المكوكية على خط الرابية معراب، وحوارات الليل الطويلة، يوم كانت الصعوبات والتحديات أكبر.

مرّ المسار سريعاً على عرابي العلاقة القواتية العونية، اللذين اخذا المبادرة لرأب الصدع، ورفعا التحدي مرة جديدة، بعدما توقفا عند التردي الذي حصل بين جمهوري الفريقين ومكوناتهما السياسية، وهو ما لم يسلم كالعادة من الاصطياد بالماء العكر، الأمر الذي حرّك الرياشي وكنعان اللذان يصران على عدم العودة فيه الى الوراء.

في اللقلوق التي اثمرت اشجار التفاح فيها مع اقتراب شهر القطاف، بدأ الرياشي اللقاء كعادته بترطيب الأجواء، قبل ان يبادر المجتمعون الى الدخول في مراحل المصارحة، من شرح لوجهات النظر للعلاقة من الملفات المطروحة، والاختلافات، والمعاتبة في بعض الاحيان، ليلتقي المجتمعون على الهدف الاستراتيجي في كل مراحل الحوار، وهو ان لا عودة الى الوراء، لأن مصير المسيحيين يتوقف على استمرار العلاقة وانتاجيتها، لا مجرد مصير حزبين واشخاص.

ومع فنجان القهوة، دخل البحث في الاهداف التي يجب تحقيقها على المديين القريب والأبعد، وخريطة الطريق وكيفية استعادة العلاقة الى افضل احوالها، لاسيما أن ما تحقق في السابق نتج عن وقع المصالحة على المعادلة السياسية الوطنية، وانعكاسها، ان في ملف الرئاسة او قانون الانتخاب او الملفات الأخرى.

وهكذا، اتفق المجتعون على تنظيم العلاقة بشكل افضل وان يوضع لها السقف السياسي الذي يحميها، مع الحفاظ على استقلالية الحزبين وتمايزهما الطبيعي، من دون الوقوع بالمطبات التي شهدتها المرحلة السابقة، وشكلت مادة كبيرة للاستغلال السياسي.

قبل المغادرة، بادر المجتمعون الى التقاط الصورة التي كان لها وقعها الايجابي على الرأي العام والاثر المترقب والمتابع على الوسط السياسي. صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام والهواتف الهلوية سريعا.

في طريق العودة، عرّج الرجلان على كنيسة سيدة كفرقواص بالقرب من عنايا. بعد الصلاة واضاءة الشموع، غرّد كنعان بصورة تجمعه بالرياشي مصحوبة بعبارة " بدها اتضل اجراس المصالحة اتدق"... تغريدة ذكّرت بتلك التي اطلقها من حريصا قبل ساعات من لقاء معراب، وكأنه يريد بذلك ان يتجدد الامل للتياريين والقواتيين، ومن خلالهما للمسيحيين، باستمرار التفاهم مع ما يحمل ذلك من ترجمة في المرحلة المقبلة.

غادر الرياشي الى زحلة لوضع "الحكيم" في الأجواء، واستقل كنعان سيارته راجعاً الى المتن، بعدما اتفقا على استعادة دورية اللقاءات لمتابعة المسار الذي يحتاج الى تطوير ورعاية ونقاش.