"ليبانون ديبايت" -القنصل المحامي نصري لحوّد
الإنقسامات الحادة والتعنّت المذهبي والطائفي والتمترس السياسي والتدخلات الخارجية، تحضر اليوم كلها في ذكرى الإستقلال، وتخلق واقعاً مريراً لا بد من التوقّف أمامه، لنتساءل عن معاني العيد، وعن الذي بقي من الذكرى العظيمة والعزيزة على قلب اللبنانيين.
وتستفز ذاكرتنا الجهود والنضالات التي قام بها فؤاد شهاب وجميل لحّود، وعدد من الضباط من رتب مختلفة، عندما اتخذوا قراراً موحّداً بالسير معاً على طريق الإستقلال، فاجتمعوا في العام 1941 ووقّعوا وثيقة تاريخية، لم ينصفها لاحقاً التاريخ في الحديث عن معركة الإستقلال، إذ في ذلك العام اندلعت الحرب العالمية الثانية، وانقسمت فرنسا على نفسها. وقامت حكومة فيشي باستخدام فرق جيش الشرق الخاص الذي كان يضم عدداً كبيراً من اللبنانيين والسوريين لمحاربة الحلفاء.
إزاء هذا الوضع، رأى الضابط جميل لحّود، ومعه مجموعة من الضباط، بأن لا فائدة لوطنهم من الإشتراك في هذه الحرب الناشبة بين فئتين تنتميان إلى وطن واحد.... وما أشبه اليوم بالأمس.
وبعد انتصار الحلفاء في الحرب، صدرت الأوامر للجيش الخاص والمتطوّعين اللبنانيين بأن يتمركزوا في ذوق مكايل، بانتظار تقرير مصيرهم، فعقد الضباط اللبنانيون اجتماعاً قرّروا فيه أن لا يأتمروا إلا بأوامر السلطات اللبنانية، وبأن يكونوا في خدمة لبنان فقط، وقد وقّعوا على القرار، وعاهدوا الله والشرف والوطن بأن لا يخدموا إلا سلطات وطنهم، ولم يقبلوا استئناف مهامهم العسكرية إلا بعدما نالوا وعداً من السلطات الديغولية والحليفة باستقلال لبنان التام، وكان أول وعد رسمي بالإستقلال بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى هذا الأساس، وافق جميل لحّود ورفاقه باستئناف الخدمة، وتسلّم قيادة الفوج الأول للقنّاصة اللبنانية، وكانت الوثيقة الخاصة بالإستقلال قد تكلّلت بالدور الذي قام به جميل لحّود والضباط الآخرون في العام 1943، مع بدء انتفاضة الإستقلال اللبنانية التي أنهت الإنتداب.
إن هؤلاء الضباط قاموا بواجبهم، ولم يسعوا إلى إرضاء أي طرف خارجي، ولم يبحثوا عن سلطة، بل قرّروا فقط أن يعلنوا استقلالهم، ومن هنا بدأت الأمثولة، وهي الإستقلال عن أي فريق خارجي، لأن كل خلافاتنا الداخلية متّصلة بهذا الخارج، ولنسلّم بأن يُمنح الأمر للجيش لكي يقوم بحماية الحدود البرّية والبحرية والجويّة، وخصوصاً الثروات النفطية الواعدة، وإنهاء كل الحالات الأمنية الشاذة في مختلف المناطق، والتشدّد في توقيف المخالفين بعد رفع الغطاء عنهم والحزم في إجراءات المحكمة العسكرية.
نحتاج اليوم لأن نعود قليلاً إلى التاريخ، حيث أكثر من علامة مضيئة وأكثر من عبرة.
يحتاج الواقع الحالي إلى رجال استثنائيين، وقرارات إستثنائية، في زمن إستثنائي.
لنعد إلى وثيقة وقّعها 39 رجلاً قرّروا أن يستقلّوا، وأن يكونوا القدوة. فلنحيي هذه الوثيقة، وليوقّعها جميع اللبنانيين هذه المرة، علّنا نصل فعلاً لا قولاً إلى الإستقلال الحقيقي.
فعيد الجيش هو عيد الإستقلال الحقيقي، عيد مؤسّسي لبنان ومؤسّسة الوطن.
عيد الجيش هو عيد جنوده الذين قطعوا اليد التي حاولت تفتيت الوطن وزرع الفتن. نجح الجيش بفضل وحدة وشجاعة جنوده في حماية الشعب والوطن من الأيادي الغادرة. نجح لأنه تعالى عن التجاذبات السياسية والتدخّلات الخارجية. فكان خير حامٍ لكيان لبنان وغدا الأمل كل الأمل.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News