المحلية

الأربعاء 08 آب 2018 - 02:00 LD

إنقلاب الحريري

إنقلاب الحريري

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

الحديث الذي راجَ خلال فترة الحملات الانتخابيّة وفحواه ان الكباش السياسي الحقيقي لن يكون في مرحلة الانتخابات بل بعدها أي خلال فترة تشكيل الحكومة، ظهر انه صائب. ويبدو بالاستناد الى الوقائع الظرفيّة الراهنة، ان الاجواء التي كان يجري تناقلها لدى المجالس المعنيّة بتكتّم شديد ومن خلف الكواليس حول شكل الصباح التالي للانتخابات اصابت، ليتضح انها كانت مبنيّة على وقائع ثابته.

خلال تلك الفترة، راجَ في عدد من الصالونات السياسيّة، ان بعض الدول المعنيّة بالملف اللبناني اتفقت على تسييل ملف الانتخابات انطلاقاً من قرار لديها بعدم جدوى الابقاء على فراغ دستوري - نيابي مدّة تتجاوز 9 أعوام. وحيث كانت مدركة تماماً ان الانتخابات النيابيّة لن تعود نتائجها كما كانت عليه بل سترسم نمطاً سياسياً مختلفاً، راهنت على مرحلة تشكيل الحكومة كي تخلق التوازن المطلوب، وتسلّحت من اجل ذلك بآليات النظام الطائفي التي توفّر سبل العرقلة.

في تلك المرحلة بدا واضحاً أن عهد الرئيس ميشال عون سيكون مختلفاً عن الولايات الرئاسيّة بعد الطائف، وأن الرجل يتسلّح بتفاهمات والتزامات ليس في وارد الخروج منها، وان محاولة سحبه عبر اغراءات التفاهم الثنائي المعقود مع رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري لن تجدي نفعاً، لذا على المعنيين بعد الانتخابات ادخال الخطة "ب" موضع التنفيذ.

هذا المسار ظهر بُعيد تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تشكيل حكومته الثالثة. بدا الرجل مختلفاً عن نسخة ما قبل الانتخابات. استهلّ مشواره الثالث بعمليّة اطاحة واسعة داخل تيّار المستقبل كان أبرزها اخراج مدير مكتبه نادر الحريري بطريقة لبقة.

استقبلت دوائر العهد خطوات الحريري بكثيرٍ من الحذر لكونها استهدفت الفريق المؤثر على قراره، حتى ان محسوبين رسميين على العهد حاولوا استفهام الحريري مرة عن دوافع وخلفيات خطواته، لكنه رد سائليه انها تأتي ضمن الإطار الحزبي الخاص.

الآن وبعد مرور 74 يوماً عن التكليف، اتضح ان خطواته كانت محسوبة بدقّة، ولا تندرج ضمن الإطار الخاص بل العام الذي له ان يدخل تعديلاً على مسار الحريري السياسي، بحيث لا يبدو في الافق حكومة قبل اتمام استدارته الكاملة عن بعبدا.

لم يعد يخفى ان أوساط العهد لاسيما التيّار الوطني الحرّ تضج بمعلومات عن خطوات انقلابيّة على التفاهم الرئاسي ينفذها الحريري بشكل تدريجي. هذا الكلام الذي دار خلف الكواليس وبقي طي الكتمان لم يعد سراً. أصبحنا نسمعه في العلن على السنة نواب تكتّل لبنان القوي الذين يجاهرون بمعلومات لديهم عن توفّر نوايا انقلابيّة.

ثمة اعتقاد راسخ لدى هذه الدائرة ان الحريري تعمّد تقديم افكار لحكومة يعلم مسبقاً أن بعبدا ليست في وارد القبول بها لكونها لا تتطابق والأمر الواقع الذي ارخته الانتخابات. ففي حين انها انهت زمن الكتل المنفوخة، اتى الحريري ليعيد تجديدها عبر طلب اوزان منفوخة لحلفائه.

تبعاً لذلك، دار نقاش بين المعنيين، حول احتمال ان الحريري ربما يصبو من وراء استخدام هذا النموذج للتمهّل في التأليف، ما كان محلّ انتباه لدى الرئاسة التي اصدرت سلسلة مواقف تدرّجت من الحث والدفع الى اتهام بالأقدام على فعل تباطؤ مقصود، وسعت من وراء ذلك لتشكيل رزمة ضغط تُعيد الرئيس المكلف الى جادة الصواب.

لكنها اكتشفت متأخرة أن الحريري انضوى في تفاهم ثلاثي مطلوب خليجيّاً تكوّن من 3 أضلع. القوات اللبنانيّة والحزب التقدمي الاشتراكي وتيّار المستقبل، اتفقوا حول مطالب واحدة. اما ان تُلبّى جميعها أو لا حكومة. معنى ذلك ان الرئيس المكلف رمى القصة على العهد، اما ان يقبل بـ "سلةّ كاملة" او يتحمّل مسؤوليّة رفضه.

ما زاد من هذا الادراك، ان الحريري خرج من التزاماته السابقة التي قطعها للعهد. فمثلاً، وعد الرئيس عون في آخر لقاء عُقد بينهما في قصر بعبدا، انه سيواظب على الحضور الى القصر مرة كل اسبوع او اسبوعين بالحد الاقصى، لكن مضى اسبوعان عن آخر زيارة ولم يسجل أي موعد جديد.

بالإضافة الى ذلك قابل الدعوات الى لقاء مع رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل المعني المباشر "عهدويّاً" بالتأليف بأسلوب استخفافي وغير جدّي لُفّ بكثير من التجاهل. في المقابل افسح المجال للقاء رئيس حزب القوات سمير جعجع مرتين في غضون شهر تقريباً.

المتابعون لأجواء بعبدا لحظوا انسحاب برودة رئاسيّة بينها وبين بيت الوسط، مقابل توّسع دائرة الخيارات لدى الاولى للرّد على السياق التي يجري به التعامل معها، وكأن وقت الانتظار نفذ لدى بعبدا.

ففي اعتقادها، ان ما يدفعها للتشدّد الذي يقابل تشدّد الحريري، ان الرئيس المكلّف تعّمد اظهار مظلوميّة بحقه ثم لجأ الى محاولة استجداء بُعد ديني عبر اختلاق شكوى من محاولات النيل من صلاحياته في عمليّة تشكيل الحكومة، ما استجلب ردوداً تلطى خلفها وأثارت امتعاض بعبدا.

المثير في الامر، ان من هبّوا لمساندة الحريري هم ذاتهم اخصامه الداخليّون الذين عارضوه يوم انبرى الى عقد تفاهم مع العماد ميشال عون ثم تآمروا عليه خلال محنته في الرياض، ما يعني ان دعمهم له ما كان ليحصل لو انه لم يجرِ هندسة على مساره.

أمر آخر، أن الحريري أصدر موقفاً بالغ الدقة لفّه بذريعة التقارب مع سوريا، حين قال على الملأ "شوفولكم حدا تاني غيري (لتأليف الحكومة)" وهي عبارة تجاوزت لدى المعنيين الإطار الذي اعلنت منه وسط الاعتقاد انها قد تنطوي على رسالة موجهة الى بعبدا.

تأسيساً على كل ما تقدم، اجرت الدائرة اللصيقة بالعهد عمليّة رصد للمواقف والحركة السياسيّة، واستنتجت انها باتت في صدد المواجهة الحكوميّة بعدما لمس تعطيل التشكيل الخطوط الحمراء. ويبدو من خلال الوقائع، ان هذه الدائرة وضعت في تصورها لتحقيق الهدف المنشود، اي تشكيل الحكومة، عدة تحركات على أكثر من صعيد بدأت بالتلويح بحكومة أكثرية، وصولاً الى الاستنجاد بمجلس النواب.

ويدور خلف الكواليس بحث خيارات عدة لا تخرج عن الإطار الدستوري، من بينها توجه الرئاسة برسالة إلى المجلس النيابي تتضمن شرحاً لأسباب عدم تشكيل حكومة الى الآن، تدعوه من خلالها لاتخاذ ما يلزم، وأن يتحمّل مسؤولياته لناحية ما نتج عن المشاورات الملزمة، ما يؤسس لتصحيح الاعوجاج الحاصل.

لكن ثمة خيار دستوري تكتيكي يجري بحث امكانية اللجوء اليه من قبل قصر بعبدا، تقول المصادر أن "له قدرة على توفير اطاراً تطبيقياً لسحب التكليف ما دام الحريري موصداً الابواب، تفضل عدم الكشف عن آلياته الآن".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة