"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
الفيلم البوليسي في مطار رفيق الحريري الدولي يتجدّد فصولاً ويكادُ بنُسخته المقدّمة على الطّراز المكسيكي المطعّم هوليوودياً لا ينتهي. بتنا في كل يوم على موعدٍ مع التشويق، إلى أن بَلَغ بنا التّخيل حدود توقع ما سَيحْمِل المشهد الجديد من فصول بعدما تجاوزت الحلقات السابقة كل المعايير الأخلاقية وأسقطت كل الخطوط الحمر.
لَمْ يعُد ممكناً اعتبار ما يجري في المطار منذ مدة أمراً يحدث بالصدفة، أو أنّه كناية عن سوء حظ ارتضى أن يَصُب زيته دفعة واحدة، أو أنّه حدث تلقائي أو استثنائي حصل نتيجة أمور تقنية ظرفية تراكمت ثم انفجرت عشوائياً، بل بات الظن يذهب صوب الإعتقاد بوجود آلة تخريب ترتب الخلافات ومن ثم تُطلقها في الجو، دفعة واحدة أو على جرعات، في سياقٍ يَدُل عن وجود نوايا بإظهار المطار كما وكأنه فاشل أو عاجز.
كلّ هذه الحوادث غير البَريئة دفعت ببعض السياسيين والمعنيين إلى التساؤل حولَ طبيعة ما يحدُث، وإحتمال أن يَندَرج ذلك ضُمن سلسلة مُترابطة أن على بنك أهداف مستفيض جرى الشروع بتنفيذه منذ تاريخ بدء أزمة تعطّل برنامج شركة Sita المشغل لنظام الحقائب وجرّ! أما لماذا مثلاً بات المطار شغل الاعلام الشاغل يومياً، ولماذا نُبشَت ملفات المطارات كالـقليعات وغيره فجأة، ولماذا بلغت أمور المطار حدوداً أبعد من جغرافية لُبنان لتصل الى الخارج؟ تساؤلات ينبغي الإجابة عليها.
بقعة الزيت المتفشية، إستجلبت إهتماماً إعلامياً خليجياً لتغطية أزمة المطار، وهذا وَحده مدعاة انتباه. ومع أن المسألة تخضع بالوقت الحالي لتَحقيقات تجري تحتَ إشراف القَضاء المختص، إلى أن الصُّحُف الخليجية سيّما الكويتية والسعودية منها، خَصصت حيزاً كبيراً للإضاءة على "أزمة المطار" لِتنسحب الى موقعهِ الجغرافي وقربه من ضاحية بيروت الجنوبية، وكأنّها تغمز الى ربط يطال حزب الله، وهو ما ينقُل الأزمة الى مكانٍ آخر، يستَحق بعده البَحث عن أيادٍ خفيّة بدأت تعبثُ بالتفاصيل وتنقلُ المشكلة إلى مواضع أخرى.
حتى أن الأمور السوداوية وصلت أصداؤها إلى المنظمة الدُّولية للنقل الجوي IATA، المَرجعية الجوية الأكبر في العالم، التي وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، طالبت بإيضاحات عمّا يَحدث في مطارِ بيروت، فمن المسؤول عن تشويه سمعة وصورة لُبنان بهذا الشكل؟
ما يَدفع الى هذا الكلام هو ترابُط الأزمة مع مشاكلٍ ذات أبعاد أمنية طرأت في المطار، إن بشكل مُستتر أو فاقع، وبدأت تَأخُذ شكل تضارُب الصّلاحيات بين ضُباط وأجهزة ومديريات أمنية، وهذه تنسحب على مواضع سياسية متضاربة بين الجّهات التي تُحسَب عليها تلك المديريات.
أحد المواكبين للملف لا يَبدأ نقاشه منذ ابتداء ظهور المشاكل بين رجالات الأمن أو انطلاقاً من "مشكلٍ تقني" أو تسريب معلومات عن الطائرة الرئاسية التي أقلّت رئيس الجمهورية، بل ابتداءاً بتقرير شبكة "فوكس نيوز" الأميركية التي ادَّعت هُبوط طائرة إيرانية تابعة لشركة "فارس" تَحمل أسلحة لصالح حزب الله، فرّغت حمولتها عند نُقطة الشّحن في المطارِ ثُمّ أقلعت، وهو أمرٌ استغل اعلامياً على نحوٍ فاقع ومرّ بشكل سريع على المعنيين الذين اكتفوا بالنَفي فقط.
يُمكن من كلامه إستخراج مؤشّرات عن ترتيبِ ما يدور في الخفاء، لجَعل المطار محل أزمة تترابط مع أزمات لاحقة مُرشّحة للهبوط على مدارج بيروت، يؤخذ منها الدّور المُعزز للمحكمة الدولية المتوقع أن تصدر أحكاماً خلال شهر شباط القادم بحق مُتهمين من حزب الله، بالإضافة الى سياق العقوبات المالية على الحزب الذي ينتظر رُزمة معززة في الشّهر القادم، وليس آخراً مشروع قانون نزع سلاحه الذي سيدخُل مدار النّقاش في المدى المنظور.
ولهذا الإتهام تبريره لدى المَعني الذي استدل في كلامه الى تغريدة أطلقها النائب السابق فارس سعيد المحسوب على الصقور القُدامى من ١٤ آذار، إذ قال أن "الحل في تدويل أمن المطار تحت مظلّة الـ ١٧٠١ " ليُعرّب أن هذا الطرح هو مشروع قديم - جديد مدون في عقل الآباء الشرعيون للـ ١٧٠١.
اللّافت للإنتباه ، أن هذا الحديث يُعيدنا إلى عام ٢٠٠٨ وقت السّعي إلى تمرير أسباباً تؤدي الى التَدويل، بعد إدّعاء مُراقبة حزب الله للمَدرج الغربي رقم ١٧ المخصص لكبار الشخصيات، مما قاد يومذاك لإقالة رئيسِ جهاز أمن المطار وفيق شقير بدعوى إختراق حزب الله لأمن المطار، مما تَسبب لاحقاً بأحداثِ ٧ أيار، ليَجري بعدها سحب التَداول بمسألة التدويل. فهل أُعيدَ طرح الصّيغة اليوم كَإستغلال للأزمات المُفتَعلة؟
ثمّة مَن يتحدّث عن أمرٍ آخر يرتبط بالسَعي لإلغاء السّلطة المُستقلة للمطار وتحميل المسؤوليات للشركة التي تتولى إدارته كمُقدمة لسحب البساط من تحتها تدريجياً وتحويلها الى مؤسسة عامّة كأحد الإجراءات العقابية الّتي تحتل نفس فريق سياسي مُنذ ما قبل استحواذه على السلطة، وهؤلاء يُبررون اتهامهم في إستهدافِ جهةٍ واحدة بكُل الازمات، ما قد يُحمّل تلك الجهة على إستغلالٍ ما يحصل لـإتهام فريق آخر بالوقوف خلفه.
إذاً وراء الأكمة ما وراءها، وبَعد الحوادث المُتدحرجة يصبح الشّك طريق اليقين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News