"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
قَبل فترة وجيزة حَصلَ نقاش بين نائبين يُحسبان على مرجعيتين أساسيتين، وذلك خلال مُشاركتهما في مناسبةٍ خاصة دُعيا إليها مِن قِبَل صديق مشترك. وقد دار نقاش بينهما حول أسباب تأخّر تأليف الحكومة، التي كانَ قد مضى على تكليفِ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تشكيلها ما يُقارب المئة يوم، وقد أتى النّقاش في خضمِ تعقُّد الأمور الحكومية.
- سأل أحدهما الآخر: برأيك هل يُريد أصدقاؤنا السعوديون إفساح المجال أمام صرف أموال سيدر؟
- أجاب: قطعاً لا، هكذا أعتقد.
- سأل: هكذا تعتقد أم هكذا وصلك؟!
- أجاب: الإثنان.
- سأل: ولماذا؟
- أجاب: لا يبدو في خُططهم أي وجود لعبارة تفيد عهد (الرئيس) عون!
- فعلّق السّائل: إذاً...؟؟!
- أجاب: إذاً.. صلّوا ليَقتنعوا ويفكّوا الحِصار الإقتصادي غَير المُعلَن عنّا و "بيمشي الحال".. ثُم خَتم الحديث على هذا النحو وانصرف النّائبان إلى شؤونهما.
وفي الخلاصة المجموعة من النقاش، أن جوهر الأزمة اليوم اقتصادي، وأن لُبنان يُعاني من حصارٍ إقتصادي غير مُعلن يقف خلفه كارتل تتضامن فيه جهات متعددة، لهُ ذيول سياسيّة واضحة تنعكس على تصرفات بعض المؤتمنين على تشكيلِ الحكومة، الذين يمعنون في إدخالها بغياهب السّجون السّياسية.
بالتوازي مع ذلك، ينقل زوار مرجعية عنه قوله أمامهم قبلَ مدة تَلت بقليل إنتهاء الانتخابات، أنّ معلومات وصلته وتُنسب الى مسؤول سعودي، قال إن مُعاقبة لُبنان إقتصادياً قد تكون أفضل السّبل المُمكنة لترهيب "نظام عون" (كما وصفه) وترتيب جَدول أولوياته والتخفيف مِن إندفاعه صوب حزب الله، لينطلق المرجع منها لتفسير رفضه قيام حكومة أكثرية. واللّافت، بِحسب النّاقل، أنه قرأ شيء من هذا القبيل على صحف عبرية!
وفي الدلالةِ الى ذلك، يُمكن تشبيه الحالة القائمة اليوم في لُبنان حتى نحو محدود، بالحالة التي قامت في العراق بُعَيد إجتياح صدام حسين للكويت عام ١٩٩٠. يومذاك، وُضِع النظام بأكمله تحت حصار وعقوبات إقتصادية قاسية جرّته إلى نكساتٍ مُتراكمة أدت إلى إنهيارِ الدّولة قُبيل إجتياح عام ٢٠٠٣ . لذا يَسود في عقلِ معنيين أن ما يتعرَّض له لبنان نسخة تشبه عقوبات العراق، لكن بأسلوب ناعم لا يُراد منه إسقاط الصّيغة اللّبنانية بل "تهذيب" بعض الفُرقاء وجرّهم الى بيتِ الطاعة!
مؤشرات الحرب الإقتصادية بدأت بالظهور بالتوازي مع تَعطُل محركات تأليف الحكومة، إذ سادَ منذُ الفترة التي تلت إنتهاء الإنتخابات النيابية وجرّ، مؤشرات مُقلقة حول الوضع الإقتصادي استهلت بجفاف موارد القروض الإسكانية. ومع إستمرارها حتى السّاعة، مني قطاع العقارات الذي يعتبر من أضخمِ القطاعات المُفيدة في البلاد بخسائرٍ فادحة كانَ مِن نتائجها أن أفلست شركات إنشاءات وجمدت أصول مالية تابعة لأخرى، وسط إنقطاع تام عن العرض والطلب.
بعدها توالت الأزمات لتنسحب على مُجملِ القطاعات بخاصّة التجارية منها. وفي ذروةِ بحث المعنيين عن علاجات للقطاع الاقتصادي، خرج التخويف من تراجُع قيمة اللّيرة مِن القُمقم إلى العلن، وذلك ربطاً بالإنكماش الإقتصادي والعقوبات المالية، وتزامن ذلك من مؤشراتٍ مقلقة توالت الصدور عن المصارف، ارتبطت بتعزيز الفوائد على اللّيرة ما أعطى جواً أنّ التخويف حقيقي رُغم تناوب المسؤولين عن نفي هذا الأمر.
مِن وجهةِ نظر مُستندة الى الأسبابِ الناشئة، يُستخدم التهويل الإقتصادي من أجلِ التخويف وزيادة نسبة الإرباك على الليرة، ما يجعل من بعضِ السياسيين يُراجعون مواقفهم. هذا من جهة، من جهةٍ ثانية ثَمة مَن يُراهن على الصاق المصائب المالية بعهد الرئيس ميشال عون، بحيثُ يغلق لاحقاً على انطباعٍ سَيسود العقل اللبناني الذي سيندفع للقول بعد حين: "في عهد عون، توقف الإسكان وسقطت قيمة الليرة وتراجع الإقتصاد" ما يعني تحميله المسؤولية التي تضعه في مصافِ "العهد الفاشل".
يندرج هذا ضُمن مشروع الحرب الإقتصادية التي ترى تل أبيب مثلاً، أنها ذات منفعة في تقويضِ أدوار حزب الله في الدّاخلِ ومن ثُم حُلفاؤه والهائهما بأوضاعهما، وسط إحتمال قد يؤدي لاحقاً الى فكفكة السلسلة، وهي ذات منافع يترتب عنها تراكُم نقاط نجاح ضد هذا المحور، بحيثُ تدر الحرب الإقتصادية منافع قد لا تأتي بها حرب عسكرية! من هُنا يُحسب الدّخول الإسرائيلي على مُشكلة المطار، ومن وجهة نظر عامة، أن إستهداف مطار بيروت في خطابِ بنيامين نتنياهو يؤدّي قسطه اقتصادياً بالنظر إلى أنه مُرفق أساسي في البلاد.
وسط هذا الحديث تأتي مسألة عرقلة تشكيل الحكومة كعنصر مُتمم للحرب الإقتصادية مع بلوغِ اجواء الى معنيين وصلت حد التشاؤم مفادها أن البعض لا ُيريد حكومة في هذا العهد إلا في حالِ خضع لدفتر شروط سياسي يقوم على نسفِ نتائج الإنتخابات النيابية وتشكيل حكومة من خارجِ توازنات "أيار".
وإذ لا يبدو أنّ هُناك أفقاً للسير بأية شروط غير خاضعة للوزن الذي أفرزته الإنتخابات ، تتنوع التقديرات حول إحتمالات المواجهة، بين دفع الرئيس المُكلّف نحو الإستقالة عن التأليفِ ما يعني إدخال لُبنان بأزمة أكبر تثمر في تغذيةِ الحرب الإقتصادية والمالية، أو إدارة مرحلة فراغ طويلة الامد تبقي على مساكنة صورية تُخفي تَحتها صراعاً سيأتي أشد وطأة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News