"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
هناكَ إنطباع عام تكوّنَ لدى الجانب الأكبر من المعنيين، حولَ أن الرّئيس المُكلّف سعد الحريري لا يتحملُ دفع فاتورة الإعتذار وإعلان "الإعتزال الحكومي" راهناً، لشدّة حاجته اليوم للوجود على رأس السّلطة التنفيذية، وهي نفس الحاجة التي تولّدت لدى رعاته الإقليميين والدوليين، في المقابل ، الحريري ليس بوارد دفع فواتير ثقيلة كي يبقى في موقعه، وعلى هذا الأساس تقومُ مفاضلة الحريري: "أنتم بحاجة إلي".
على هذا الأساس يقيمُ البعض نظرته صوب الرّئيس الحريري الذي عرفَ موقعه فيتدلّل، لكن بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، باتَ التدلّل يأكلُ من رصيد الحريري نفسه، وبالتالي فإن التدلل لم يعد يكفي مقابل مقدار المواجهة العالي الذي باتَ يحتّم عليه إتخاذ موقف "إما أبيض أو أسود" وليس بينهما.
المحيطون بالرئيس الحريري وعلى أبوابِ مؤتمره الصحافي الذي أراده "ثقيلاً" كثقل مواقف نصرالله في إحياء ِذكرى "يوم الشهيد"، أرادوا له أن يخرجَ بشيء جديد إلى المقبلين على سماعه. الجديد وزع ايضاً على شكلِ أوامر على النّواب والوزراء والمسؤولين، وضرورة عدم تناول ردود الفعل على خطاب نصرالله وترك الأمر للحريري. معنى ذلك أن الرّئيس المُكلّف يريدُ حصر ردود فعله بهامش مضبوط يحدد سقفه هو، وبالتالي هو القائم على مركزيته وعلى الجميع اللحاق به وليس اللحاق بهم!
لم يعُد يخفى أن المقربون من الرّئيس الحريري أحاطوه بوابل من النصائحِ عند عودته إلى لبنان، على شكلِ رفض التنازل على أحد مقاعده من أجلِ توزير سنّي من نواب ٨ آذار، وصولاً لحد إعتبار الأمر بمثابة "إنتحار سياسي". ومن منطلق حاجة الآخرين إليه، نصحه المقربون بهز عصا الإعتذار في الإعلام أولاً أملاً في ترويضِ بعض الأحصنة السّياسية.
لكن اللعبة التي أقدمَ الحريري على دخول مضمارها، وإن جرى تلقّيها بكثير من اللامبالاة نسبةً إلى حاجةِ الحريري للموقع، لكنها أخذت من قبل معنيين على محملِ الجد، خاصّة وإن كان في بالِ الحريري إعادة تجربة الإستقالة في ٤ تشرين الثاني ٢٠١٧ والتي تراجع عنها في ٢٢ منه، على شكلِ إعتذار عن التأليف قد تنفعُ الضغوطات السّياسية في دفعِ الجميع صوب عدم الأخذ به وفتح الفسحة من أجلِ البحث مع الرّئيس الحريري عن المخارجِ ثم إقناعه بالتراجع.
ثمّة من يقولُ أن الحريري يراهنُ في ذلك على موقفِ رئيس الجمهورية المتموضع إلى جانبه وحاجة الرّئيس إلى الحريري، وبالتالي لن يقبلُ الرئيس عون من الحريري اعتذاراً وسيتحرك صوبه من أجلِ إجباره للعدول عن ذلك وصوب الجميع من أجلهِ ، وهنا، وبالنسبة إلى المقربين من الحريري، قد يتوفرُ باب يكمن في الذهاب إلى تنازلات متوازنة، من كافة الأطراف، سبقَ وأشارَ إليها رئيس المجلس نبيه بري، خلال دوران العقدتين الدرزية والمسيحية، بوصف ذلك طريقاً مختصراً يحفظُ ماء وجه الجميع، فيتبلور المخرج وفق قاعدة "اشتدي يا أزمة تنفرجي".
لكن تثبيت المعادلات السّابقة بالنسبة إلى الطرف القريب من حارةِ حريك ومعها عموم عواصم النّواب السّنة الستة، أمر مفروغ منه في حالِ قرّر الرّئيس المُكلّف تقديم إعتذاره، معنى ذلك أن الإعتذار سيسحبُ معه فتح باب جديد لتثبيت إتفاقات جديدة تقوم على التّكليف الجديد للرئيس سعد الحريري، وهذه التفاهمات لن تكن مشابهة لتفاهمات المرحلة الماضية.
مرجع مواكب لمفاوضات التأليف، وإن "أذهب إحتمال أن يعتذرُ الحريري مبدئياً"، ألمح لـ "ليبانون ديبايت" إلى أن "الإعتذار لن يكون في مصلحةِ الرّئيس الحريري في حالِ سمي مرة جديدة، لسبب وجيه جداً أن هرب المُكلّف من الإشتباك مع الأسباب المعلنة اليوم، سيؤدي لأن تفرض عليه ذات الأسباب كقاعدة غداً، بمعنى أن الفريق الآخر سيطلب التفاهم على معيارٍ واحد للتوزير كي توافق الأكثرية الجديدة على قبولِ الحريري قبل تسميته".
هذه الإشارة تفتحُ باباً آخر يعيدُ بنا الزمن إلى كلام السيد حسن نصرالله خلال إحياء "يوم الشهيد"، إذ عبّر عن "ظلم" لاحق بحزب الله وحركة أمل نتيجة غياب تطبيق المعيار، موحياً أن "الثنائي الشيعي" ونسبة لعدد نواب كتلته والمعيار الذي أعلن للتوزير بين ٤ نواب و ٥، يحقُ له بأكثر من عدد الوزراء الذي ناله في الحُكومة العتيدة موضع الخلاف.
معنى ذلك، أن الحريري وإن إعتذر ثم عادَ للتسمية، سيكونُ أمام معركة جسيمة قوامها: "أي معيار تريد؟" فإذا أعادَ الحريري إحياء معيار لكل ٤ نواب وزير سيكون نصيب وزراء أمل وحزب الله في الحُكومة ٨ وزراء، وعندها سيكونُ مطالب بتطبيق المعيار على الجميع، ما له أن يرفع مقاعد حُكومة الوحدة الوطنية إلى ٤٠ إرضاء لجميع الأطراف .. فهل يقبل؟
مقبولة أخرى تتبناها مصادر قريبة من الحريري، تتحدثُ عن "إتساع هوامش المواجهة لديه". وبصرفِ النّظر عن جرعات الدّعم الإقليمية التي تلقاها، تدّعي إمكان أن يرفعُ المواجهة في رفضِ توزير "سنّي حليف لحزب الله" بـ"تعزيز دور حُكومة تصريف الأعمال" أو الذهاب إلى مزيدٍ من التصلّب متسلّحاً بدعم رؤساء الحكومات السّابقين ودار الفتوى ومجلس المفتين والشارع السّني الذي ينفخُ به.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News