"ليبانون ديبايت" - علاء الخوري
كثيرةٌ هي القراءات والاستنتاجات التي تُحدِّثنا عن الازمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها على الداخل وتحديدًا على جيبِ المواطن، ونادرةٌ هي الحلولُ المنطقيةُ والواقعيةُ التي يمكن أن تُخرِج لبنان من المُستنقَع ولاسيما أنّ أصحاب تلك الحلول هم في غالبيّتهم من "المتحزّبين" أو "المحسوبين" على فئاتٍ سياسيّةٍ شاركت على مدى عقودٍ في استنزاف الدولة وسرقت أموالها.
لا يريد المواطن "الكلام" بل "الأفعال" عبر خطوات عملية يمكن أن تنعكِس على جيبته التي تعاني من نزيفٍ ماليٍّ كبيرٍ بات يهدِّد أمن الوطن الإجتماعي.
ولكن في ظلّ هذا الواقع ما هي الحلول الناجعة التي يمكن أن تُخرِجنا من هذه الازمة النقدية المُستجِدّة والتي تنعَكِس على اقتصادنا الوطني وعلى ماليّتنا العامة؟
سؤالٌ واكبه البروفيسور روك - أنطوان مهنا رئيس الرابطة العالمية للاقتصاد بإحاطةٍ شاملةٍ يمكن البناء عليها حتى تكون جسر عبورٍ نحو المرحلة المقبلة. وينطلق مهنا في مداخلته من جملةِ اقتراحاتٍ يتم التداول بها ليستخلص منها واحدًا يمكن أن يساهم بشكلٍ كبيرٍ في حلّ الأزمةِ مع العلم، أنّه نبَّه مرارًا وقبل ثلاثِ سنواتٍ من مخاطرِ إقرارِ سلسلة الرتب والرواتب بطريقتها العشوائية التي حذَّر من أنّها ستؤدّي الى الركود التضخمي كالذي حصل في الزيمبابوي في عام 2000 وضغط على المالية العامة وعلى سعر الصرف إضافة الى البطالة العالية.
يشرَح مهنا بإسهابٍ ما يحصل اليوم في السّوق المالي والخيارات المتداول بها والتي يمكن أن تحمل الكثير من السيئات على حساب الإيجابيّات.
حيث أنّ الحديث عن إعادةِ التسعير بالدولار المتداول في السّوق مقابل السعر الرسمي الوسطي 1507.5 لبعض الأمور في مقابل السعر المتداول لدى الصيارفة، قد يطرح الكثير من التساؤلات عن نوايا مبيتة وتنسيق بين السلطات لامتصاص جزءٍ من السلسلة التي كانت خطأ والتراجع عنها بطريقة غير مباشرة تفاديًا لمواجهة الإضرابات في الشارع.
أما فكرة تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار والتباهي أنّها تخفض كلفة الرواتب والأجور وجزء من كلفة الدين العام بالليرة إضافة الى تخفيض أسعار الصادرات اللبنانية التي تؤدي الى زيادة في حجمها، كلها بحسب مهنا سيئاتها أكثر لأنّها تضرب القدرة الشرائيّة لدى المواطن كما تُسبِّب أزمةِ ثقة بسياسة تثبيت العملة الوطنية بالإضافة الى زعزعة المصارف كونها المدين الأساسي للدولة اللبنانية بالعملة الوطنية كما أنّها دائن للقروض السكنية بالليرة اللبنانية، ما قد يؤثر على القطاع المصرفي الذي يعد بمثابة العمود الفقري للاقتصاد اللبناني.
وهناك خيارٌ مطروحٌ من قبل الدولة بما يُعرَف في الاقتصاد بـ"قص الشعر" أي وضع اليد على نسبةٍ معينةٍ من الودائع كما حصل في قبرص حين وضعت الحكومة القبرصية قيودًا على التحويلات المالية واقتطعت نسبة من الودائع، كالذي يملك مبلغًا ماليًّا في المصرف يتعدّى المئتي الف دولار، هنا تعمد الدولة الى اقتطاع نسبةٍ مئويةٍ معينةٍ يتمّ تجميدها على سنواتٍ محدّدةٍ ويُعطى المودع فوائد رمزية بحجّة أنه استفاد في السنوات السّابقة من فوائد عالية.
ولكن هذا الاجراء خطير ويُعد بمثابة "انتحارٍ استراتيجيٍّ" لاقتصاد لبنان لأنّ الميزة التفاضلية في المصارف اللبنانية أنها جذبت التحويلات من الخارج والتي تعتبر خشبة خلاص لسدّ العجز في ميزان المدفوعات، والمسّ بها عبر هكذا إجراءات يكون كلفته باهظة على الدولة.
يشدّد مهنا في قراءته، على ضرورة أن تبادر الدولة الى اتخاذ إجراءات تُعيد ثقة المجتمع الدولي عبر "الصدمة الإيجابية" التي كانت خشبة خلاص لكثير من الدول كـ "تانزانيا" ويمكن أن نلتمس هذه الصدمة عبر اعتماد آليات مُحدَّدة في إدارة الدولة ابرزها الكفاءة، وتقشف المسؤولين من رؤساء ووزراء ونواب وموظفي الفئة الأولى من "مخصّصات سفر مفروشات صيانة تجهيزات مؤتمرات الأبنية المستأجرة وتوحيد العطاءات"، كلها إجراءات ينتظرها المجتمع الدولي في الموازنة وبعبارة واضحة يقول مهنا "اطلاق ورشة اصلاح حقيقية في القطاع العام تشمل مؤسساته كافة".
وبعد هذا التوصيف والشرح للخيارات التي يتم التداول بها، يطرح مهنا الحل المناسب "لامتصاص" الازمة من خلال إعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب عبر تجزئتها لثلاث سنوات على الاقل وهذا الحل برأيه أقل ضرر ومستدام لأن الاستمرار على هذا النحو قد يقودنا الى التجربة اليونانية حيث أُجبرت الحكومة على تخفيض رواتب القطاع العام أكثر من الثلث.
وهذا الاجراء، يتزامن مع تدخل البنك المركزي لاعادة الاستقرار في سعر الصرف ومنع تهريب الدولار والقيام بورشة اصلاح في القطاع العام واقفال المجالس والصناديق الفرعية والإدارات غير المنتجة والبدء بورشة الإصلاح واعتماد موازنة تقشفية كي نقول بوضوح أمام المجتمع الدولي اننا بادرنا الى خطوات انقاذية جدية علها تعيد للبنان الثقة المفقودة.
ووسط هذه الازمة المتشعبة من سوء إدارة وغياب الكفاءة، يسأل مهنا:"هل المطلوب ديكتاتورية كفوءة على غرار سنغافورة والصين، أم ديمقراطية شعبوية جاهلة تقودنا الى انهيار اقتصادي؟".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News