"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
تراقب الدبلوماسية الأميركية في بيروت بإهتمامٍ خروجِ "المدّ" الباسيليّ نحو دمشق>. فمنذ أن حطَّ أوزار خطابَيْ وزير الخارجية في القاهرة والحدت، تعمل "عوكر" على فكِّ شيفراتهما، وما زاد الطين بلّة، الإعلان عن دخولٍ روسيٍّ الى الحلبة!
بعض المُحَنَّكين في السياسةِ، بدأوا بنسجِ خيوطِ الرّبطِ بين الزيارة المُرتَقَبة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الى بيروت، وبين زيارة نظيره جبران باسيل إلى دمشق. وفي اعتقادِ هؤلاء، أنّ "الفيتو الأميركي" المرفوع على وزير خارجية لبنان، بدأ يفيده في توسيعِ مجالِ علاقاته مع الدول التي تتمَوضَع على يسار واشنطن!
ثم أنّ لزيارة لافروف المُفتَرَضة مهمّة رئيسيّة يسعى باسيل إلى تثبيتها، تتّصل بمشروعِ إعادةِ النازحين السوريين إلى بلادهم، حيث أنّ لروسيا مبادرة في هذا الاتجاه، يجد البعض ظرفًا مؤاتيًا للبدءِ بتطبيقها من لبنان، في حال نجَحَ باسيل وحلفائه في مأسَسَة زيارتهم إلى دمشق.
من ضمن هذه الاجواء، لا تزال الدبلوماسيّة الأميركيّة تُنَقّب عن تبِعاتِ "التحشّر الباسيلي"، هل مرده إلى توفّر أجواء إقليميّة نابعة من قرارٍ اتخِذَ على مستوى حلفاء حزب الله، لعودة ربط الخيوط الرسمية بين البلدين "مهما بلغت النتائج"، وبالتالي إعادة احياءِ نوعٍ من انواعِ سياسةِ المواجهة؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هو المستوى المتوقع بلوغه، وكيف سيجري التعامل معه داخليًّا، الادقّ، كيف سيَتَعامَل خصوم سوريا مع الحدث محليًّا؟!
هناك من يعتقد، أنّ ثمة إصطفافًا جديدًا يتبَلوَر على مسرحِ العمليّاتِ في سوريا بعد الدخول التركي الى شمال الفرات، لذلك زادَ حلفاء دمشق من وتيرةِ تحرّكاتهم سياسيًّا في اتجاهها بشكلٍ أكبر من ذي قبل، على اعتبار أنّه حان وقت اسقاط كافة الأشكال التي تحمل علامات بقاء الازمة، لذا أصبح من الواجبِ "حرثها كلها" لتثبيت منطق الانتصار ضمن الفريق المتحالف مع دمشق.
من العلاماتِ التي دلَّت إلى هذا التوجّه، اتخاذ حزب الله قرارًا بتخفيضِ حضوره العسكري الميداني السوري بنسبة 80% تقريبًا، أما الجزء الذي تركه هناك، فهو "إستشاريٌّ" أكثر من ما هو "عسكريٌّ تنفيذيٌّ ميدانيٌّ"، يعتمد بشكلٍ أساس على العمود الفقري للمقاومة، أي وحدات العمل الخاصة.
ويسرَّب في هذا المجال، أنّ حزب الله أقام قبل فترةٍ قصيرةٍ في منطقة القصير الحدودية، عرضًا عسكريًّا واسعًا بحضور وجوهٍ سياسيّة وعسكريّة، وقد أعطيَ العرض بعدًا أساسيًّا صوَّره على أنّه إعلان إنتصارٍ عسكريٍّ و"تكريم" القوات التي شاركت في العمليات بكافةِ مراحلها.
وما دام العسكر قد أسَّسَ إلى الانتصارِ لا بل أنّه يتصرَّف وفق أحكامه، فلا بدّ للسياسة أن تحذو الحذو نفسه وتحجزَ لنفسها موقعًا، وهذا ينطلق من الترابط التاريخي بين ما هو سياسيٌّ وما هو عسكريٌّ.
أضف إلى ذلك، أنّ بعض الدول التي خاضت جولات في سوريا، تتصرَّف مع جزءٍ من لبنان على أنّه منتصرٌ في الحربِ، وهنا يصبح منطقيًّا، أن يتصرَّفَ هذا الفريق كمُنتَصِرٍ وأن يفرضَ أوراقه في الميدان، ولعلّ ورقة النازحين هي أكثرُ ورقةٍ يحتاج لبنان الى فرضها على الحلّ لا ترسيخها في الداخل.
ولعلّ أكثر من يمثل هذا التوجّه لبنانيًّا، هو وزيرُ الخارجية جبران باسيل، الذي يعتبر أنّ ما أسَّسَ له بعد الحرب في سوريا، لا بل أن يشارك لبنان في استثمار مكاسبه، اقله لبنان الرسمي، وهذه المكاسب تتراوح بين ما هو سياسيٌّ وغير سياسيٍّ.
وطبعًا، سوريا كان قد سبق لها أن أقرَّت بحقوقِ شركائها في التنعّمِ بمكاسبِ النصر، دون غيرهم، رغم أنّ البعض منهم، تؤخَذ عليه مثلاً عدم زيارتها بشكلٍ رسمي في السّابق، وهذه الفوائد لن يتركها الفريق اللبناني المتحالف مع سوريا أو المؤيِّد لتوجّهاتها تذهب هباءً.
من هنا، يأتي مشروع التحضير لزيارة باسيل إلى دمشق. زيارة تقول أوساط سياسيّة متابعة، أنها ليست من نوع تقديم التبريكات بالانتصارات فقط، بل أنّها زيارة عمل "متنامية الأطراف"، لها جدول أعمال وستكون منسَّقة بالكامل.
وفي الحديث عن "متنامية الاطراف"، يصبح الظنّ صوب مشاركة أكثر من طرفٍ فيها، وهذا ما يتطابق مع تسريباتٍ تتحدَّث عن أنّ زيارة لن تكون لـ"باسيل" وحده، بل أن مجموعة وزراء من الحلفاء، في صدد تدوين اسمائهم في سجلها.
هؤلاء يتوزَّعون على غالبِ القوى تقريبًا المحسوبة على 8 آذار التقليدي، ما يدل إلى أن الزيارة بدأت تكسب بعدًا لبنانيًّا رسميًّا، وهي لا يبدو انها ستكون منحصرة في الشق السياسي الرامي إلى تسجيل موقف، بل أن جدول الأعمال الذي يجري تناقل معلومات حوله، يتصل ببحث أمور حيوية بين البلدين، تبدأ بقضية النازحين ولا تنتهي في عملية المشاركة بإستثمار فتح المعابر الحدودية السورية.
وعلى الأرجح، أن "طقم" الوزراء المفترض ذهابه إلى دمشق، هو من نوع "وزراء الحقائب" الموضوع في متناولهم بحث المشاريع، من الطاقة إلى الزراعة والتصدير، لا وزراء من الطراز السياسي.
والمصيبة، أنّ هذه الزيارة في حال تمت وفق هذه الترجمة، ستجلب "وجع الرأس" لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي ما زال يتعامل معها على اساس أنّها "شأن باسيلي خاصّ يعنيه هو وتياره"، وبالتالي يرفض اعتبارها زيارة "تمثل وزيرًا للخارجية في الحكومة أو أكثر من وزيرٍ".
من هنا، طرحت أوساط تساؤلاً حول كيفية مقاربة الحريري لزيارة في حال شملت أكثر من وزيرٍ وتم خلالها عقد اتفاقات!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News
