"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
ضمن أسوأ السيناريوهات التي وضعها الرئيس ميشال عون لـ"استعادة الدولة" من براثن مافيات نهب المال العام، لم يخطر على باله للحظة أن يتحوّل محيط القصر الجمهوري الى ثكنة عسكرية أوكل الى عناصرها مع آلياتهم وقوات مكافحة الشغب حمايته من تمدّد رقعة الانتفاضة الشعبية.
استنفار غير مسبوق على كافة التقاطعات المؤدية الى مقرّ الرئيس، وسدّ عسكري منيع يحول دون تجاوز "عصفور" المنطقة المحرّمة بعدما سُمِح لعيّنة "متمرّدة" أن تفضفض أمام "فخامته"!
بعد ثلاث سنوات من ولاية "القوي"... ميشال عون مُحاصَر. ظنّ الرجل منذ العودة من منفاه، رئيسًا لتكتل قرّر أن يربّي الفاسدين ثم رئيسًا للجمهورية تفاهَم مع "رموزهم" ليحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أنه قادر على كسر التركيبة الفاسدة المتجذرة في عمق "السيستم" المهترئ، لكن "الموجة" كانت أعلى، وها هي "تبتلع" عهدًا بكامله، الحكومة فيه مجرد تفصيل صغير.
يُظلم كثيرًا ميشال عون حين يوضَع في سلّة واحدة مع أباطرة الفساد. من يعرفه جيدًا يعلم أنه محصّن بمناعة كبيرة على مغريات السلطة. رجل مؤسّساتي وعقل مخيف ويد نظيفة وقناعة بإمكانية التغيير.
نقطة ضعفه الوحيدة كانت الـ"مانجمنت" العونية الركيكة لورشة إصلاحية هي الاكبر في عهد ما بعد الطائف، والأنكى سلوكيات من يخاويه من فريق عمله على رأسهم جبران باسيل!
ليس تفصيلاً في أيام الانتفاضة أن يختفي معظم النواب والوزراء العونيين، حتى من همّ من طاقم "تكتل الاقوياء"، عن الشاشة.
"نداء" باسيل لتهدئة الشارع المحقون من قصر بعبدا وليس من ميرنا شالوحي أمرٌ بالغ التعبير. لن يكون مفهومًا إصرار الوزير باسيل وقيادات "التيار" على تصوير ما يحصل في الشارع "لصالحنا". إذًا ما الذي يبرّر "الحشد العسكري" الذي يطوّق القصر الجمهوري من كل الجهات؟. لماذا لا تُفتح أبواب "بيت الشعب" للمدّ البشري كي يَسمع الرئيس مطالب "شعبه العظيم"؟
في الساعات الماضية، سُرِّبَ تسجيل صوتي لمسؤول عوني يختصر الازمة بالآتي:"ما يحصل في الشارع لمصلحتنا. انتظروا ما سيقوله الرئيس عون بالتوقيت الذي يختاره. "رح يكسّر الدني". ومن خلال كلمته والاصلاحات التي سيعلنها سنحقّق حلمنا الذي لم نتمكن سابقًا من تحقيقه خوفًا من حرب اهلية. اليوم من خلال الشارع ووقفة حزب الله معنا لا أحد سيوقفنا".
هذا بعدما يسلّم المسؤول العوني بأن "نبيه بري انتهى، و"القوات" تناور في استقالتها من الحكومة، والحريري كي يبقى في السرايا عليه القبول بأن "يدقّ" بالرؤوس الكبيرة"!
بغض النظر عن موقع وهوية هذا المسؤول العوني فإن جزءًا ما قاله يشكّل منصة الدفاع الأساسية لدى فريق العهد اليوم. فمنذ اليوم الاول أعلن باسيل من بعبدا "بأن حركة الشارع ليست ضدنا"، وإن ردّ عليه لاحقًا كل من الحريري وأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله بتأكيدهما أنّ "الرسالة موجهة لنا كلنا".
هذا ما لا يراه ميشال عون ولا جبران باسيل. رئيس الجمهورية بالتحديد يؤلمه أن يسمع هتافات في الشارع نادى بها منذ الاشهر الاولى لانتخابه رئيسًا.
هي شعاراته بالتأكيد، وعليه، لن يقبل بأن تنقلب ضده ليصوَّر خائنًا للقسم ولأمر المهمة التي أتى من أجلها.
أكثر من ذلك، "ورقة التفاهم" مع حزب الله تشهد اختبارًا أقسى من حرب تموز. فسقوط العهد يُسقِط ليس فقط التسوية الرئاسية بل "تفاهم مار مخايل". وها هو للمرة الثانية يردّ نصرالله لعون جَميله "التاريخي" بتحدي الشارع وبعض القوى السياسية رافضًا المسّ بالعهد والحكومة!
ربما خطئية ميشال عون "الاصلية" رهانه على وضع اليدّ مع تركيبة فاسِدة علّها تتّعظ، علّها تسهم في التكفير عن ذنوبها وتتواضع، علّها تستحي... لكن رهانه جعل صدى "فلّوا" من وسط بيروت يصل الى مشارف بعبدا ويحث الحرس الجمهوري على مزيدٍ من التعزيزات.
مشكلته أنه لم يسمّ الفاسدين بالأسم ولم يضع رؤوساً كبيرة في السجون وسَمَح، أو لم يعلم، بممارسات تسلّلت الى بيئته الحاضنة وذكّرت بعهود خلت لا يؤسف على وقاحتها.
ثمّة من حرّضه على قلب الطاولة وهدّد بالجرف فإذ، وبلحظة تاريخية، يقرّر شارع خارج من كل الاصطفافات السياسية أن يجرف معه كل شئ، بحيث غدا اسقاط الحكومة كحبة "بنادول" مقارنة بالعملية الأكبر: القضاء على النظام الطائفي الفاسد. سبق لعون ان حذّر من أزمات متدحرجة وكأن الهدف إسقاط الدولة، معترفاً بصعوبة كسر بعض الحمايات السياسية. بات يخشى اليوم من تكبيل عهده بمزيد من مؤامرات الداخل والخارج.
لم تعدّ تهمّ ورقة الحريري، ولا مؤتمرات على شاكلة "مسرحية" أبو فاعور، واستقالات لا تقدّم ولا تؤخر، صوت الشارع صار أقوى من أي محاولات ترقيع. لكن كلمة عون تبقى الأساس والمنتظرة. هو ليس الحريري ولا "السيد حسن"، هو رأس الدولة وسيتوجّه بكلمة الى اللبنانيين في ظل إنقلاب شارع ينادي بشعاراته وقناعاته لكن يصرخ ضده.
القريبون منه لم يستسلموا تمامًا. يقولونها كما هي "حملات التجني لا بدّ أن تتوقف". عودوا الى مواقف ميشال عون والى تاريخه تصبح الحقيقة أوضح. يستحيل أن نوضع في قفص الاتهام وتسلب شعاراتنا. الشارع شارعنا ونحن أصلاً جزء منه، لذلك مهما علا سقف هذه الشعارات ومهما طالت الانتفاضة سيُسهم ذلك أكثر في إنعاش المشروع الاصلاحي لـ "أب الاصلاحات" وفرضه على بقية القوى السياسية. فنحن أصحاب الاختصاص في قلب الطاولة. wait and see".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News