المحلية

السبت 02 تشرين الثاني 2019 - 07:50 LD

وزراءٌ "جُرِفوا"... من أجل "حكومة العفة"

وزراءٌ "جُرفوا"... من أجل "حكومة العفة"

"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل

على مدى تسعةِ أشهرٍ "حَبِلت" حكومة العهد الثانية بأزمةٍ سياسيّة ماليّة خطيرة لتُنجِب استقالةٍ تحت هديرِ الشارعِ.

في الغرفِ المغلقة لا توزَّع كاسات المغلي بل تُقبَّل التعازي بحكومةٍ أقلّ السيناريوهاتِ التي رُسِمَت لها "أفتت" بعمرٍ مديدٍ يصل الى اشرافها على الانتخابات النيابيّة صيف 2022!

بين 31 كانون الثاني تاريخ صدور مراسيم حكومة العهد و29 تشرين الاول تاريخ تقديم رئيسها استقالته تمسَّكت القوى السياسيّة الاساسيّة، باستثناءِ "القوات اللبنانية"، بحكومةٍ سلَّم كثيرون بأنّها ستكون الاطول عمرًا في حكوماتِ ما بعد الطائف لا لشيءٍ سوى لأنها كلَّفت "رعاتها" أشهرًا طويلة من التفاوضِ الشاقِّ لترسيمِ حدودِ التوازنات داخلها وثانيًا لأنها كانت المولجة بأكبر ورشةِ مكافحةِ فسادٍ منذ 1992 وعيون المجتمع الدولي تُحاصِرها لإثباتِ أهليَّتها في استلامِ ملياراتِ "سيدر".

وبغضّ النظر عن الظروفِ المشروعةِ التي قادَت الى استقالةِ الحكومة، ثمّة صدمة حقيقيّة داخل الفريق الوزاري "المستقيل". هؤلاء غابوا أصلاً عن السمعِ والنظرِ طوال أيّامِ الانتفاضةِ، فكيف بعدما دخلت الحكومة، مُكرَهة، مدار تصريفِ الاعمالِ.

وزراء التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية يحاولون استيعاب "النكبةِ" بالتزامنِ مع الجهدِ المُنصبِّ على تأمين ولادةٍ سهلةٍ للحكومةِ الأصعبِ. كان يفترض حرفيًّا أن "يَجرِفوا" لا أن "يُجرَفوا"!

سبقَ للوزير جبران باسيل، أن جاهرَ بالقولِ بُعَيْد ولادةِ الحكومة "أخيرًا وزير الخارجية في انتظار ساعةِ خروجه من الحكومة ليرتاح ويُريحكم، وهكذا يسلّم مشعل الأمانة للوزراء".

كان باسيل يعني ما يقوله. هذه ولايتي الاخيرة في الحكومة تحضيرًا لدورٍ يتجاوز حقيبة وزارية ورئاسة حزبٍ، لكن تنحّي باسيل اليوم يختلف كثيرًا في "الإخراجِ" والتوقيتِ.

الشارع يومها لم يكن على البالِ إطلاقًا، وإن وُجِدَ كان باسيل يلوِّح به بـ"الاتجاه المعاكس": شارعُنا بوجهِ فسادكم وتعطيلكم للورشةِ الاصلاحية!

على مدى الاشهر الماضية، لم تنفع خطوة باسيل في وضع استقالة وزراء "التيار" بعهدةِ رئيس الجمهورية. صحيحٌ، أنّه لم يسبقَ لأحدٍ من رؤساءِ الأحزاب أو رؤساءِ كتل نيابيّة سابقًا أن أقدَمَ على خطوةٍ "إصلاحية" كهذه وإن كانت مخالفة للدستور (إقالة الوزير منوطة بمجلس الوزراء وفق المادة 65 من الدستور، فيما استقالة الوزير قرارٌ فرديٌّ بحتٌ ولا يتطلّب حتى موافقة مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة)، إلّا أنّ تفاقمَ الأزمة وتعقيداتها دفع الشارع الى وضعِ "الاصلاحيين" في السلّة نفسها مع الفاسدين، وأكثر من ذلك الاطاحة بثلثٍ ضامنٍ داخل الحكومة جاهرَ باسيل علنًا، أنّه "جاءَ نتيجة ما نستحق من تمثيلٍ كتكتلٍ نيابيٍّ وما يستحقّه رئيس الجمهورية"، قائلاً، "ممنوعٌ أن توضعَ موانع من هذا النوع بعد الآن على رئيس الجمهورية وفريقه".

كلامٌ كبيرٌ مع فائضِ قوة ذهب أدراج الرياح ومعه أكبر كتلة وزارية يُحصِّلها شخصٌ واحدٌ بدعمٍ رئاسيٍّ. حتى وزراء "التكتل"، شعروا فجأة، أنّ غطاءَ "السلطة والنفوذ" فقد من فوق رؤوسهم. ولم يتيَّقنوا من هذه الحقيقة إلّا حين سَمِعوا رئيس الجمهورية ينادي بوزراءٍ من "أصحابِ الكفاءات من دون ولاءاتٍ سياسيّةٍ واسترضاءٍ للزعامات".

من ملف الكهرباء الى المهجرين والخارجية والبيئة والعدل... تتّجه هذه الحقائب تدريجًا نحو التكنوقراط، وفي أفضل الاحوال فريق "تكنو - سياسي" منزوع الدسم الحزبي النافر! حتى حقيبة الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية التي عمَّرت لولايتَيْن، وصنعت الفارق بين بيار رفول وسليم جريصاتي، لن يكون لها مكان في حكومة يجزم المطلعون، أنّها ستكون مُصَغّرة من دون حقائب الدولة.

هَمّ "حزب الله"، لا يبدو أقلّ وطأةٍ وهو الذي راهن حتى اللحظة الاخيرة أنّ "سعد لن يفعلها". حكومة العهد، برأي العارفين، لم تكن سوى الوجه الآخر لـ "حكومة حزب الله" حتى لو قيادة الحزب تحاول الايحاء عكس ذلك: كانت حكومة الغطاء لعودة النازحين، والذهاب الى سوريا، وكفّ شرّ "سلبطة" العقوبات الاميركية، والبيان الوزاري "الحامي" لأي خيارات يقرِّرها الحزب في صراعهِ مع اسرائيل، بما في ذلك "حرب الدرون".

وزراء نبيه بري وسعد الحريري يحاولون قدر الامكان حجب انزعاجهم واحباطهم. صحيحٌ، أنّهم يسلِّمون، أنّ الحريري نفسه لا يضمن عودته الى السرايا الحكوميّة، طالما هناك من يضع عليه الشروط للقبول بتكليفه، إلّا أنّ حكومةَ العهد الثالثة على ما يبدو ستُدَشّن عصر الحكومات الخالية من ممثلي عهود الفساد، وفي ذلك يتساوون بالهمِّ مع وليد جنبلاط الذي يتقدَّم اليوم صفوف المطالبين بحكومة العفة.

لكن آخر الاخبار تفيد بعدم كسر معادلة "الاقوياء" في الحكم التي أفتى بها دومًا ميشال عون. في مقابل "الجنرال" القوي في بعبدا، ونبيه بري "القوي" في عين التينة، سيبقى "سعد الاقوى سنيًّا" في السرايا لكن للمرة الاولى مع فريقِ عملٍ تقني - سياسي ما يُطيح بالشرطِ الذي حاول جبران باسيل فرضه "أنا والحريري ندخل معًا أو نخرج معًا"!

بمطلقِ الاحوالِ، المصيبة وقعت. المسألة تكمن في استيعابها أولاً ثم انتظار الآتي. لكن بالتأكيد، عملية الخروج من جنّة السلطة لا تبدو هي نفسها بالنسبة الى جميعِ الوزراء: فمنهم من يتحسَّس رأسه طالما الشارع لم ينضبّ وفتح ملفات الفساد يتدحرج ككرة ثلجٍ وهؤلاء اسماؤهم كالبورصةِ وعناوينهم معروفة، ومنهم من يخرج مرتاح البال كون حساباته المصرفيّة صارت على الطاولة بعد كشفِ السريّةِ عنها، ومنهم من لم تقدَّم لهم الحكومة أصلاً قيمة مضافة بما أنّ "صيتهم" النظيف سبقهم في فعلِ الخيرِ العام...

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة