"ليبانون ديبايت" - ملاك عقيل
زنّرت مقرات الرئاسات الثلاث في القصر الجمهوري ومجلس النواب والسرايا الحكومية بإجراءات أمنية غير مسبوقة ارتفعت جهوزيتها منذ التأجيل الاول للاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة. حتى عين التينة وبيت الوسط شهدا في الايام الماضية تعزيزات أمنية ملحوظة امتد وهجها ليشمل منازل بعض السياسيين والوزراء في سابقة لم تسجّل منذ نهاية الحرب الاهلية.
وكان لافتًا جدًا العوائق الحديدية التي وضعت على بعض مداخل مجلس النواب إضافة الى بلوكات الباطون في وسط بيروت في إعادة للمشهد نفسه خلال التظاهرات عام 2015، وذلك ضمن خطة لمواجهة أي محاولة اقتحام لنطاق ساحة النجمة حيث مقرّ البرلمان والمتوقع تكرار حصولها ليس فقط ربطًا بالاستشارات النيابية بل بواقع الازمة السياسية الحكومية ككل، خصوصًا أنّ المرحلة الاولى من هذه الاستشارات تحصل في القصر الجمهوري، وبعدها ينتقل الرئيس المكلّف الى مجلس النواب لاجراء الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة مع أعضاء وكتل البرلمان.
وتفيد معلومات في هذا السياق، أنّ خطة كانت أعدّت من جانب قوى الامن من جهة وشرطة المجلس من جهة أخرى لمواكبة هذه الاستشارات منذ تحديد مواعيدها للمرة الاولى في 28 تشرين الثاني الفائت، إلا أنّ تعديلًا طرأ على خطة تأمين حماية محيط المجلس واستدعى الامر اجتماعات أمنية على أكثر من مستوى تحسّبًا لما يمكن أن يحصل من مواجهات بعد ليلتيّ الصخب في 14 و15 الشهر الحالي.
أزمة التكليف المفتوحة على سيناريوهات غير مُطمئنة خصوصًا بعد إعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره مجددًا عن التكليف، باتت تلامس الخطوط الحمر من خلال التوترات الامنية المتنقلة في المناطق وخطورتها أنها تعكس فلتانًا وانتشارًا لمجموعات غير معروفة "مصدر التوجيه" بجزء منها، ما يُنبئ بالاتجاه أكثر صوب الفوضى الامنية وعنوانها العريض: "الفتنة مهما كلّف الثمن"، في وقت يتّهم جزء كبير من الحراك بعض أدوات السلطة بتأجيج الشارع وتحريك مندسين بغية القضاء على التحركات الاكبر في تاريخ لبنان الحديث.
وفيما تتكدّس لدى بعض الاجهزة الامنية تقارير عن هوية بعض المجموعات والاشخاص و"مشغّليهم"، إلا أن واقع غياب التنسيق بين هذه الاجهزة يجهّل الفاعل في العديد من مناطق التصادم ويمنع الملاحقة والمحاسبة، إضافة الى التضعضع الامني الذي انعكس بصورة جلية في نقاط الاحتكاك في محيط ساحة النجمة من خلال أداء قوة مكافحة الشغب وأداء شرطة مجلس النواب والملابسات التي رافقت دور شرطة المجلس، الامر الذي أثار استياء وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن التي رأت نفسها تتحمّل وزر واقع تصادمي بات خارج سيطرة وزارة الداخلية.
وتحت وطأة الامن المُنشغل بإطفاء حرائق الفتن المتنقلة بين طرابلس والشمال والجنوب وبيروت، فإن المعلومات تفيد بأن الحريري الذي وَعَد الرئيس نبيه بري بالردّ عليه في اليوم التالي للقائه به في عين التينة فضّل ايصال الرسالة عبر "تويتر" قبل أن يبلّغ رئيس مجلس النواب وفق القنوات المعتمدة، وهو بات ينظر الى الاستحقاق الحكومي من موقع الكتلة السنية المشاركة في الاستشارات والتي لديها مرشحها، لكن ليس المقرّرة في مصيرها لناحية اختيار الخَلَف وتأمين الغطاء السني -الحريري له ليكون رئيس حكومة تكنوسياسية، لا بل سيحمل الحريري هذه المرة الفيتو بوجه بعض المرشحين والنائب فؤاد المخزومي مثالًا!
ويقول مطلعون، أنّ بري كان قدّم سلسلة تطمينات للحريري محورها أن عامل الميثاقية يجب أن لا يشكّل مانعًا للتكليف، بحيث تتأمّن الاصوات المسيحية المطلوبة من خلال 19 نائبًا، من دون تقديم ضمانة بأن هذا الامر لن يشكّل حساسية لدى تكتل لبنان القوي وحزب القوات اللبنانية تدفعهما الى وضع حواجز أمام حصول التكليف، على أن تخضع الثقة التي ستنالها الحكومة في مجلس النواب الى معيار إلزامي في ما يتعلق بالغطاء الميثاقي لكافة الكتل الكبرى وعدد الاصوات التي يفترض أن تنالها الحكومة بالاكثرية المطلقة.
وبالفعل، فإنّ الاصرار العوني القواتي على رفض تسميته وتواتر معلومات يوم أمس بأن رئيس الجمهورية لن يقبل بتوقيع مرسوم التكليف غير المقرون بالبلوك المسيحي، فضلًا عن الخلاف المستحكم بشأن هوية الحكومة، ذلك كلّه، أدى الى تنحي الحريري قبيل ساعات قليلة من وصول الموفد الاميركي ديفيد هيل الى بيروت.
وهنا يؤكد متابعون للموقف الاميركي، أنّ هيل سيأتي برسالة فحواها الاساس تأييد قيام حكومة تحاكي مطالب المحتجين ومع برنامج عمل اصلاحي وانقاذي واضح بغض النظر عن هوية رئيس الحكومة.
ويؤكد قريبون من بري، "حتى اللحظة الاخيرة كان الثنائي الشيعي لا يزال متمسّكًا بخيار الحريري أو من يسمّيه تفاديًا لأي تصادم لا أحد يريده خصوصًا مع توسّع رقعة الاحتكاكات المذهبية في المناطق".
ومع ذلك، يرى مطلعون على مجريات التفاوض في شأن تأليف الحكومة، أنّ "السيناريو الامثل وفي ظل المعطيات القائمة وتنحي الحريري في المرحلة الراهنة عن تحمّل المسؤوليات بعد إصراره على حكومة اختصاصيين برئاسته واصطدامه برفض الثنائي المسيحي له أن يذهب الاخير الى تسمية شخصية سنية مرموقة وموثوقة كالوزير السابق خالد قباني وهو من البيئة السنية وبروفيله مضئ إن بسيرته الذاتية المهنية والعملية أو بأعماله الانسانية أو بالاحترام الذي يكنّه له ابناء الطائفة السنية، كما أنه لم يستفد يومًا من موقعه الوزاري أو عمله في الشأن العام، ويُعرف بصلابته وتواضعه من خلال نمط عيشه".
في المقابل، يشير هؤلاء، الى أنّ "فيتو الاكثرية النيابية في مقلب 8 آذار على نواف سلام لن توصله حتى الى عتبة القصر الجمهوري، في حين أنّ المخزومي الذي لفتت زيارته الى دار الفتوى في اليوم نفسه لاعتذار الحريري هو خيارٌ مطلوبٌ من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل لكن مرفوضٌ حريريًا فيما لا فيتو شيعيًا عليه".
ووفق المعلومات فإن السباق الحكومي انحصر بشكل واضح بين اسمي خالد قباني ووزير التربية السابق في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حسان دياب وهو على ما يبدو يحظى بالقبول من جانب الحريري وقد التقاه أكثر من مرة في الفترة الماضية كما اجتمع مع رئيس الجمهورية، ويبدو ان حزب الله سيؤمّن له الغطاء الكامل ويسمّيه في الاستشارات في حال تبناه الحريري، فيما يلقى تأييدًا من جانب بري ايضًا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News