"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
بشيءٍ من الساديَّة أستمتعُ بمشاهدِ إحراجِ بعض السياسيين وهم يتناولونَ الطعام في المطاعم والمقاهي. أتخيلُ كيف تعلقُ اللقمةُ في بلاعيمِهِم. كيف تتعطلُ غريزةُ البلعِ في زَلاعيمِهِم. لطالما كان بلعُ الأخضرِ واليابسِ عند هؤلاء غريزةًً لا تخرُم.
عندما تأتي الساعة يحاولونَ المكابرةَ. يرتشفونَ جرعةً زائدةً من النبيذِ الفرنسي لإعطاءِ انطباعٍ زائف برباطة الجأش. " هذه ليلتي " يقول في سريرته. " بأعصابٍ حديدية ولا مبالاة سأواجهُ هؤلاء الفتيان والفتيات ". يكملُ مَضغَ لقمةِ البطرَخِ المسخسخِ بالزيت وفصوصِ الثوم. أول ما يتبادر الى ذهنه: كَم ألف نسخة ستوزَّع على الهواتف بعد لحظات؟ تفادي الاهانة يصبِحُ شغلَه الشاغل.
الإحراجُ العلنيُّ هو تدميرٌ للأنا و بخاصةٍ اذا كانت أنا منتفخة. أبداً. ليس الأمرُ طبيعياً. تخيَّل ان تخرجَ من مؤتمرٍ صحفي تهاجِم فيه الفاسدين ثم يأتي من يتهمك بالفساد وأنت على مائدة الغداء.
جمهورٌ بكامله سيكتشفُ على نشرات الاخبار أنك كُنتَ كذوباً في صدقكَ خلال المؤتمر و صادقاً في كذِبِك في المطعم. أنت سيِّدي مطبوخٌ بالفساد و مبهَّرٌ بالتَّفنيص.
لم تعُد تعريَة البعض بحاجة الى قاضٍ ومحكمة و مطرقة. حتى ولا الى صحافةٍ استقصائية و كاميرا خفيّة. هؤلاء يبدونَ عراةً وهم بكامِل هندامِهِم. يعرفون في قرارة ذواتِهِم أنهم تفاحة عَفِنَة. هذه هي الحقيقة.
سيكون على الفاسِدين أن يتمالَحوا مع أصدقائِهِم في مطاعم الطوابق الشاهقة. و سيكون عليهم أن يستقدِموا تعزيزات كبيرة لحماية المبنى الذي يتواجدونَ فيه. سيكون بمقدورهِم تجنُّب الاحتكاك بالشبّان والشابات لكنهم سيَسمعونَ هتافاتِهم من الطوابق العليا حيث يأكلون القريدس قياس جامبو. سيصلُهم اشعارٌ على هاتفهم الجوال يشير الى هتاف الشباب. إشعارٌ مماثلٌ على كل هواتف أصدقاء الفاسد الذين يشاركونه المأدبة.
الثورة تلاحقُ الفاسدَ في كلِّ مكان. في بيته. في النادي. في المكتب. في السيارة. حتى في وضعياته الحميمة ستأتي الثورة لتعطّل فحولتَه. قريبا ً و يخرج الهتافُ ويتصاعدُ من شِفار مكيّفات الهواء في منزله. حتى خدمة التوصيل المجاني لطلبياته ستكون خطرة. قد يفتَح علبةَ البيتزا و يجد فيها ورقة مكتوب عليها "هيلا هيلا هو". سائقه الشخصي مع الثورة. عاملته المنزلية. أولاده من شحمه و لحمه مع الثورة.
سيكون عليه والحالة هذه أن يتخفّى أو يختفي. أن يتوارى عن الأنظار . ألا يقتفي أثره أحد. أن يدخلَ في سبات ستة أشهر على الأقل مثل الدب القطبي. أن يتجنب القيام حتى بواجب العزاء. احتمالٌ كبير ان يفاجئه المرحوم نفسه بهتاف. سيتمنى لو كان بلا صورة. بلا ملامح. بلا سيرة ذاتية.
يظنُّ بأن السفر سيفّكُ من أسرِه. سيخرجُ اليه الثوار من شنطة السفر. سيكونون في قاعة الاستقبال. أمام الفندق. سيكون ملزماً بالبقاء في غرفته. سيطلبُ فطوره على صينيَّةٍ بأربع دواليب وهو في البرنص. عزلة تامة عن عالم البشر. قد تعتريه فكرة الانتحار.
بيار دو بيريغوڤوا رئيس حكومة في عهد الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران انتحرٍ بسبب شبهة فساد. من دون تهمة داغمة. أفرغ رصاصة في رأسه و استراح. سيكون الفاسد عندنا جباناً. سيفضِّل الحياة مع الذلّ على الموت بكرامة. كل الحرامية يحملون هذه الجينة. سيقول وهو يتمشّى في شوارع المدن الغريبة: " سأواجه كل ذلك طالما أني أثريت ". النقود لن تشتري راحة بالِه. سيعاني من كوابيس ليلية. لقد بدأ فعلاً بمضاعفة كميَّة أدوية الضغط والأعصاب. بعد قليل سيزيد صمته و يقل كلامه. كل كلمةٍ يقولها ستدخل سجلَّ الأكاذيب و ستفتحُ عليه أبوابَ الجحيم.
سياسيٌ أبكَمٌ وأصمٌّ قد يكون أفضل ما يمكن انجازه خلال الثورة. سياسيٌ بضمير مستتر. بخبر كان. ممنوعٌ من الصرف و في محلّ خبر مؤخر في كل المجالس والأمكنة.
حفنةٌ من الصبية بهواتف ذكية أثبتوا أنهم أقوى من المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والنواب والوزراء. أقوى من وعود الرؤساء وأمراء الطوائف و المذاهب. فالِج عالِج. التركيز على اللقمة لتعلقَ جيداً ولأمدٍ طويل بين بلاعيمِهم و زلاعيمِهم. وحدها اللقمةُ العالقةُ هناك هي مفتاحُ غذائنا الوطني. عساهم يجوعون حتى نشبع.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News