"ليبانون ديبايت" - روني الفا
انتَحَلَ كورونا صِفَةَ المؤمِنِ الوَرِع. بِخُشوعِ الملبَسِ دَخَلَ الكَنائِس. اقتَحَم رتبَةَ المُناولَة. كادَ يتناوَلُ " جسَدَ المسيح ". شوَّشَ عَلى تَرتيلَة " صَلاتُكِ مَعَنا يا أطهَرَ العِباد ". فيروس يَتحدّى الإفخارستيّا. يقاوِمُ المَباخِرَ ولا تنفَعُ معَهُ أجرانُ المياهِ المقدَّسَة. أرسَلَ هذا الوَقِحُ موفَدَه الخاصّ إلى المكرَّمَةِ مكّةَ وألغَى فَرائِضَ الحَجّ. شوَّشَ عَلى الحَجِّ المَبرورِ والسَّعي المَشكور. لَم يفرِّق بينَ بوذيٍّ وبرَهمانيٍّ وسيخٍ ومُلحِد. في موازاةِ هذه الديانَةِ الدجّالةِ المتقمّصَةِ بِجرثومَةٍ، تُمطِرُ عَلَينا إرشادات بِغسلِ اليَدَين وتَمتينِ المناعةِ والإكثارِ مِن العَسَلِ واليانسون وعصيرِ الحامِض والثّوم. حتّى نرابيج النّراجيل صارَت معقَّمَةً مَع شَهادات مصدَّقَةٍ تفيدُ أنّ مياهَها معدنيّةٌ وفَحمَها قاتِلٌ للجراثيم. فيروسُ الرّعب أكثَر فَتكاً بالبَشَر مِن هذا الذي مسقِط رأسِه ووهان.
جرثومَةٌ غذّاها الإعلامُ أيضاً. عَودَةٌ مَيمونَةٌ إلى السّبَقِ الصّحافي عَلى طِراز " صَوتِ العَدالَة ". " قَضَمَ جِزءاً مِن موضِعِها الحَميم وقفزَ من النّافِذة ". اجتاحَ الفيروس ذو العَينَينِ المَذبوحَتَين والعِرقِ الأصفرِ بورصَةَ نيويورك. ضَرَبَ ناسداك. أحدَثَ ثقوباً كبيرَة في ملايين بَراميلِ النّفط وسطَ ارتِفاعِ حَرارَةِ أوبيك والتِهابِ دُوَلِ التّعاون الخليجي. كورونا مخلوقٌ تناوَبَ على استيلادِه بَرازُ الوَطاويط وَلُعابُ وسائِل الإعلام عَلى حَدٍّ سواء.
كورونا في جسمِ القَضاء أيضاً. قَضاءٌ "مُجَرثَم ". ضيقُ تنفّسٍ عَدليّ. لا يمكنُ حجرُ هذا الجِسم في مستَشفَى ولا يمكنُ إطلاقُ سراحِه على يَمينِ القَوس. خلاياهُ السّليمَةُ تواجِهُ ببسالَةٍ خلاياهُ المَضروبَة. جِسمٌ ينتَظِرُ بِفارِغِ العَدل خليفَةً لِلقاضي الإيطالي جيوفاني فالكوني مستعِدٌّ للموت داخِلَ سيارتِه المتفحّمَة. رُفاتُهُ تغلَّبَ على المافيا في تِسعينيات القَرن الماضي. يَكفي أن نجدَ في لبنان قاضياً واحِداً فضّلَ شُربَ حَليبِ السِّباع بَدَلَ حَليبِ البَقَر لِيُدَعَّمَ أساسُ المُلك.
مِن دونِ إجتِهاداتٍ عقيمَةٍ حَولَ قرارِ المدّعي العام المالي تَجميد أصولِ المَصارِف. الإجتِهاد القانوني في بلدِنا جِهادٌ في غيرِ محلِّه. المشهَدُ يَجب أن يُرَى من أبعَد. مؤسساتٌ منتَهَكَةٌ مِن نِظامٍ طائفي زبائني. اليَوم علي إبرهيم. غَداً غادَة عَون. بعدَ غَدٍ أي قاضٍ عَلى يَمينِ أي قَوس. أشبَه بِفرّوجٍ مَشوي عَلى الغاز يجتِمعُ عليه الإخوةُ الأعداء في بيتِ النّظام. الصّدرُ للشهيَّةِ السنيَّة والفَخذُ للنّهَم الشّيعي. الجَوانِحُ للمَوارِنَة والرّقبَةُ يتناهَشُ عَليها الأقليات. في نِهايَةِ المأدبَةِ تبقَى عِظامُ الجِسمِ القَضائي للشَعب. عِظامُ جسمٍ قَضائي تَحكمُ بإٍسمِ الشّعبِ اللبناني بعدَ أن يأكُلَ أُمراءُ الطوائِفِ لحمَ القَضاءِ الطرّي.
مِن علاماتِ إنحِلالِ الدّولَة أن يَخرُجَ القُضاةُ عَن طَورِهِم. أن يعبِّروا عَن سَخطِهِم على تويتر وفايسبوك. أن يُدلوا بِتَصاريح إعلاميَّة. مِن مَفاعيلِ هذا السّخطِ العَلَني للقُضاة أن ينظرَ الناس العاديّون إليهِم كأُناسِ عاديين مثلَنا. الواقِعُ أن القاضي ليسَ رجلاً عاديّاً وليسَ إمرأة عاديَّة. القضاة أناسٌ فَوقَ العادَة. مشهدُ إنسانيِّتِهم المنتَهَكَةُ في لبنان يُدمي القَلب. منهُم مَن يلوِّحُ بالإستِقالَة ومنهُم مَن يهدِّدُ بِكشفِ المَستور في مؤتمرٍ صَحَافي. عِندَما يشعُرُ القاضي أنه مَطعونٌ في كَرامَتِه ومَظلومٌ في موقِعِه يَنحو إلى أحَد أمرَين: الإستِقالَةُ أو العَودَةُ إلى كنَفِ الزّبائنيَّة. النِّظامُ اللبناني بِصيغَتِه الحاليَة يُنتِجُ مُساعِدينَ قَضائيين ولا يُنتِجُ قُضاة. القاضي المَستور خلفَ القاضي المُعلَن هوَ زَعيمُ العَشيرَة. مُمثِّلوهُ عَلى القَوس كَتَبَةُ مَحاضِر وإن أَبَتْ قلَّةٌ قَليلَة هذه المهمّة. مَن يفلتُ مِن قبضَةِ الزّعيم هوَ بَطَلُ عَدالَة وليسَ قاضٍ. ما نشهدُه اليَوم هوَ إندِلاعُ حَربٍ طائفيَّةٍ قَديمةٍ بأدواتٍ مستَجِدّة. بالأمس بوسطَة واليَوم مِطرقَةُ قاضٍ. نِظامٌ يَستَولِدُ كلَّ فترَةٍ أنماطاً مبتَكَرَةً ويتحوّلُ إلى فيروسٍ وَطَني يصبِح كورونا بالمقارَنةِ معه إنفلونزا عابِرَة.
لبنان عالِقٌ بينَ ثورَةٍ مأزومَةٍ وسلطَةٍ عاقِر. الأولَى من دون وسائل والثانيَة مِن دون بَدائِل. المنتَظَرُ أن يُعَمَّمَ نَموذَجُ القَضاء عَلى بقيَّةِ المؤسسات. التّعييناتُ المرتَقَبَةُ في الإدارَة لِملء الشّواغِر ستتركُ على الأرجَح موقِعاً شاغِراً للكفاءَة. وحدها الكَفاءَةُ سَتبقَى شاغِرَة. أُمراءُ النِّظام لَن يَدعوها وشأنَها. في المَعمَعَةِ يطلُّ رئيسُ الحكومَة برأسِه ليشاهِدَ الدّمار. حكومَةٌ عَميقَةٌ تتحكَّمُ بحكومةٍ مسطّحَةٍ قد لا تملِكُ للأسفِ الشّديد سِوى سلطَة إصدارِ مذكّرات إقفال المؤسسات العامّةِ والخاصَة في الأعيادِ الرسميَّة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News